كتب

عن السلام والاقتصاد والعمران والأصولية في الإسلام.. كتاب في المفاهيم والدلالات

نظرة الإسلام إلى المال لها خصوصيتها النابعة من الأسس الاعتقادية التي يقوم عليها..
نظرة الإسلام إلى المال لها خصوصيتها النابعة من الأسس الاعتقادية التي يقوم عليها..
الكتاب: "بناء المفاهيم الأصيلة لعلوم الأمة"
الناشر: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ومؤسسة أركان للدراسات والأبحاث والنشر، 2018م
الكاتب: مجموعة من المؤلفين
عدد صفحات الكتاب: (608)


هي مفاهيم أصلية وأصيلة؛ كونها لا تعترف باستعارة مدلولاتها من المصادر الغربية فقط؛ ولكنها تبعث أصولها من معاجم اللغة العربية، والقرآن الكريم، والسنة النبوية، والتراث الاسلامي، إلى جانب المصادر الغربية؛ وهذا أعطاها دلالاتها الأكثر اتساعاً والاكثر أصالة، تلك المفاهيم الأصيلة هي جذور لعلوم الأمة فلا يمكن لتلك المفاهيم أن تبقى مفاهيم مقتصرة لزمان واحد ولكنها مفاهيم أشبه بالرحالة تستخدم في العلوم الإنسانية والكونية، وهي علوم تجمع بين هداية الوحي، وهداية الكون بحكم تكوينها، فلا انفصال بين العلوم الكونية، والإنسانية عن علوم الوحي، ومن يقرأ في العلوم الإسلامية الإنسانية، والكونية في عصور الازدهار الإسلامي فسوف يجد هذا التكامل المعرفي في شتى فروع العلوم التي نشأت وترعرعت في أحضان هداية الإسلام: (قرآنا وسنة)، ولا نجد فيها الفصل النكد بين الشق الروحي والشق المادي، وبها تتكامل المعارف جميعاً ما بين العلوم الدينية، والعلوم الإنسانية، والعلوم الكونية، بل تندمج وتمتزج في عقل المسلم وروحه وانتاجه العلمي طوال عصور الازدهار الإسلامي.

يبدأ مفهوم السلام على هذه الأرض من القرآن الكريم، وجميع مضامين السلام هي الأصل الثابت في الكون الذي يستند على قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ)، فالسلام يؤشر على الخلو من كل عيب أو نقص وآفة، وإلى الصحة والعافية بالانقياد إلى الحق والتصالح عليه، وابتغاء السلامة، والاستبشار بالسلامة على الدوام حتى في لحظات التعرض للمهالك، كيف لا والسلام هو اسم من أسماء الله الحسنى ومقتضاها هو السلام المطلق الذي لا يعرف مداه وكنهه غير الله تعالى.

أما أهم مضامين السلام الإنساني المحكوم بالنسبية لعدم إطلاقية الاستطاعة الإنسانية في أي زمان ومكان، وفي أي نسق من أنساق العمران والتسليم بما جاء به النبي الخاتم صل الله عليه وسلم، وهناك مضامين دلالية لمفهوم السلام الإنساني النسبي بينها القرآن الكريم في مواضع عديدة:

1 ـ التبين: يعد المضمون الدلالي الرئيس لمفهوم السلم الإنساني بالنسبة لخير أمة أخرجت للناس بكل أنساقها والتبين لدى الضرب في الأرض فحماية النفس البشرية التي تلقى السلام هو المغنم الأهم، الذي لا ينبغي بأي حال التضحية به في سبيل ابتغاء عرض دنيوي من مال أو شفاء قال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)، النص القرآني يبين أن الله تعالى هو الأولى من عباده بعدم القبول من غير المؤمن، فمقتضى الحرية التوحيدية وعدم الإكراه في الدين، هو قبول السلام من كل مسالم. (ص13)

2 ـ السلامة من عيبي القهر، واختلاط اللون، وتحصيل الهيبة في أعين الناظرين، وهذا ما ورد في المضمون الدلالي في وصف البقرة التي أمر بنو إسرائيل بذبحها لحسم حالة قتل ملتبسة، بكونها مسلمة أي خالية من العيوب (قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون)، فهذه اللفظة حين جاءت وصفاً لحيوان ارتبط بنفي الاستعباد والقهر عنه، فهذه البقرة لا ذلول، ولا اختلاط في لونها، وهي في أرشد لحظة من عمرها، وهي فوق ذلك تسر الناظرين، وجوهر الانتقال بهذا الوصف من تلك الحالة الخاصة بالحيوان، إلى الحالة الإنسانية تعني أن مضمون مفهوم السلم الإنساني، هو أن يكون الانسان الفرد ، محرراً من الاستعباد والقهر والتذليل، فهو يقوم بوظيفته في الحياة حراً مختاراً .

3 ـ انتفاء الخوف والحزن بإسلام لوجه الله تعالى مع الإحسان، أي انتفاء الخوف والحزن عمن أسلموا وجوههم لله تعالى وأحسنوا لأنفسهم ولغيرهم من المخلوقات، فالإحسان درجة تفوق مستوى العدل المتمثل في قيام المقيمين له بواجبهم تجاه كافة المخلوقات، مقابل تأدية الأخيرة واجبها تجاههم، مع الرضا بتأديته بعضه الحق تجاهه قال تعالى: (بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُۥٓ أَجْرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). (ص15)

الأصولية.. مفهوم ملتبس

تطرح الدراسة بناء مفهوم الأصولية، الذي هو من المفاهيم التي انبرى العديد من الباحثين إلى تقديم دلالات لها؛ إلا أن هذه الدلالات كانت في الغالب متباينة إلى حد بعيد، نتيجة عدم الإلمام الواضح بحقيقة المفهوم، ونتيجة الأيديولوجية التي ينطلق منها من يتعامل مع المفهوم، وربما نتيجة الضبابية التي تحيط المفهوم بسبب انتقاله إلى أكثر من بيئة تعاملت كل واحدة منها مع المفهوم بصورة مغايرة للصورة التي تناولتها الأخرى، من ثم أوضحت الدراسة مفهوم الأصولية في اليهودية، والمسيحية، والعلمانية وفي الفقه الإسلامي .

فالأصولية تشير عادة إلى ألوان معينة من المحافظة الدينية التي تدعو إلى اتباع تعاليمهم وقيمهم في الحياة الاجتماعية والسياسية بما في ذلك الحياة الشخصية، فالأصولية تعني في نشأتها المسيحية ذلك التوجه الديني الذي يتمسك بالمبادئ الأساسية، والأصول العقدية للدين، واللفظ أول ما ظهر داخل الكنيسة، وعدا للمحافظة على أساسيات العقيدة المسيحية والتمسك بها،  وهي قائمة على الكتاب المقدس، وألوهية المسيح، وقيامة المسيح بالجسد من الموت " ويقول الكاتب محمود كيشانة: " الملاحظ من المبادئ السابقة التي ينبني عليها مفهوم الأصولية في المسيحية أنها تنطلق بالأساس إلى الدفاع عن العقيدة المسيحية، التي يؤمنون بها ضد موجات الليبرالية والعلمانية, وغيرهما من التيارات التي أظهرت مخالفة صريحة لتلك المبادئ التي اعتنقوها وآمنوا بها ".

الأصولية الحقة هي الالتزام بالأصول والثوابت الإسلامية الصحيحة، والأصولية الإسلامية بهذا المعنى بعيدة كل البعد عن التطرف والتشدد، كما أنها ليست مرادفة للعنف، والعنف لا يعد صفة ثابتة في مفهوم الأصولية بل يكون في كثير من الأحيان رد فعل على تلك الاتهامات التي تكال لها.
تلك الأصولية قادت إلى نوع من الصراعات الدينية الداخلية، حيث ظهرت العديد من الكنائس والطوائف التي رفضت ما انتهت إليه المبادئ الأصولية المسيحية، ثم أن تلك الأصولية لها تأثير كبير في الأوساط السياسية الغربية عامة وفي الولايات المتحدة خاصة، ولذا كانت الاتجاه الأبرز والأعلى صوتاً في الولايات المتحدة الأمريكية هو اليمين المسيحي، فكان من الواضح أن هذا الاتجاه الأصولي كان له دور بارز في الحركة السياسية أكثر من غيره من الاتجاهات الدينية الأخرى، ولا تخلو القرارات السياسية الغربية الأمريكية من تأثير الأصولية المسيحية، وشملت تلك التأثيرات مناحي الحياة السياسية والثقافة منها. (ص57)

أما الأصولية في الفكر العلماني فلا تقتصر على الأديان والمذاهب الدينية بل تتعداها إلى المذاهب الفكرية والايديولوجية والنظريات السياسية، فهي تقوم بالأساس على التمسك بالأصول والثوابت التي جاء بها المعتقد الديني، في حين جاء مفهوم الأصولية في العلوم الإسلامية من البيئات الثلاث العلوم الإسلامية وهي: أصول الدين, وعلم الحديث, وأصول الفقه الذي يعرف بأنه العلم بقواعد الفقه الإسلامي، وبالأدلة التي تؤدي إلى تقرير الأحكام الشرعية، وبمناهج استنباطها، ولذللك ينعت الأصولي في البيئة الإسلامية، الفقهاء، والمتكلمون، وعلماء الحديث، وعليه, تعرف الأصولية الإسلامية انطلاقاً من معنى الأصل والأصول وهي: العودة إلى الأصول أو إن شئت فقل الجذور أو الثوابت في فهم الدين فهماً وسطياً من خلال القران الكريم والسنة النبوية، والدعوة إليه والعمل بها, والأصول هنا هي: القرآن الكريم باعتباره أصل الأصول، والسنة النبوية، وإجماع الأمة، أما إذا نظرنا إلى الأصول على أنها بمعنى الأسس والدعائم، فإنها تعني:

1 ـ العقائد الأساسية التي يقوم عليها بناء الايمان.
2 ـ  الأركان الأساسية للعبادات العملية للإسلام.
3 ـ  الشرائع القطعية التي جاء بها الإسلام، فأحل بها الحلال وحرم الحرام .
4 ـ القيم الأخلاقية والحضارية  (ص83)

وعليه فإن الأصولي الحق هو ذلك الذي يقتدي بهذه الأصول، ويتمسك بها اعتقاداً وفهما وعملاً، وعليه أيضا تكون الأصولية الحقة هي الالتزام بالأصول والثوابت الإسلامية الصحيحة، والأصولية الإسلامية بهذا المعنى بعيدة كل البعد عن التطرف والتشدد، كما أنها ليست مرادفة للعنف، والعنف لا يعد صفة ثابتة في مفهوم الأصولية بل يكون في كثير من الأحيان رد فعل على تلك الاتهامات التي تكال لها. (ص84).

علم الاقتصاد

ورد مفهوم الاقتصاد في آيات قرأنية عديدة  منها لفظ قصد: "وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ ۚ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ" ، ويعني استقامة الطريق، وقوله تعالى:" وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ" ومعنى الاقتصاد هنا الاعتدال في العمل من غير غلو ولا تقصير، وأصله القصد، وذلك لأن من عرف مطلوبه فإن يكون قاصداً على الطريق المستقيم من غير انحراف ولا اضطراب، ومن ثم استخدمت كلمة اقتصاد في الأدبيات العربية والإسلامية طوال قرون عدة بمعناها اللغوي وهو التوسط والاعتدال والاستقامة، كما استخدمت بنفس المعنى اللغوي في كتب الفقه والسياسة الشرعية والأموال.(ص308).

ويرى أغلب المهمتمين بعلم الاقتصاد أن الاقتصاد كعلم ظهر بتأليف أدم سميث، الذي أصدر أول كتاب في علم الاقتصاد التقليدي عام (1776م) تحت عنوان دراسة في طبيعة، وأسباب ثراء الأمم ودلالة مفهوم الاقتصاد إلى أنه العلم الذي يهتم بدراسة الوسائل، التي يمكن أن تزيد ثروة الأمم، واقتصرت دلالة المفهوم فيه على الثروة، ووسائل زيادتها وهي أحد مقاصد مفهوم الاقتصاد اليوم، وليست كل مقاصده، وعلى مستوى الأدبيات العربية برز مصطلح الاقتصاد عند (خليل أفندي غانم) في كتابه الاقتصاد السياسي أو فن تدبير المنزل عام (1879م)، أما اعادة بناء المفهوم من منظور إسلامي  فيشير الكاتب محمد مصليحي" يقبل الباحثون أمام نشأة مصطلح الاقتصاد الاسلامي أكثر من موقف، ففي الوقت الذي يرى فيه جزء كبير من الباحثين إغفال هذا الأمر، وعدم الإشارة إليه باعتباره أمراً بديهياً لا يحتاج إلى بيان، مع الاشارة إلى ضرورة عدم الوقوف كثيراً عند المصطلح استناداً إلى أن العبرة بالمسميات لا بالأسماء، ويؤكد الكاتب بأن مفهوم الاقتصاد بدلالته الحالية لم يولد في رحم الحضارة العربية والإسلامية، ولكنه انتقل إليها بعد التعريب، واستخدم المصطلح من قبل أهل الإصلاح من علماء المسلمين, كما دون في الأدبيات العربية والإسلامية وانتشر تدريجياً في المجتمعات العربية منذ نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، دون أن يرتبط بمصدر إسلامي، وهذه مسألة مهمة يجب أخذها بعناية (ص324).

تعد مقالة (محمد حميد الله) التي نشرت عام (1936م) في مجلة الثقافة الإسلامية بمدينة حيدر آباد باللغة الأنجليزية تحت عنوان: الحلول الإسلامية للمشكلات الاقتصادية الأساسية أحد أسبق المقالات التي ظهر فيها مصطلح الاقتصاد الاسلامي، الذي هو مذهب ونظام يشمل مجموعة من الأصول، والمبادئ، والقواعد الاقتصادية العامة، المستخرجة من القرآن الكريم، والسنة النبوية، والبناء الاقتصادي المقام على هذه الأصول، والمبادئ والقواعد، ومراعي فيه مقتضيات المصالح المتغيرة، والمتطورة بحسب الزمان والمكان، ويقوم الاقتصاد الاسلامي عدة أصول وثوابت تميز بها، أهمها:

1 ـ النظرة المتميزة إلى الوظيفة الاجتماعية للثروات والأموال في حياة الفرد والأسرة والأمة .
2 ـ نطاق الحقوق العامة الاجتماعية في الثروات والأموال.
3 ـ معنى وحدود وضوابط كل من الملكية العامة الاجتماعية، والملكية الفردية في الثروات والأموال.
4 ـ مشروعية تمايز الطبقات الاجتماعية وعوامل هذا التمايز وحدوده وأفاقه، وعلاقة الفرد بالطبقة وبالأمة.
5 ـ معنى العدالة الاجتماعية الذي هو وسطية التوازن الاجتماعي (ص328).

عن الإعمار والتمويل

يتعلق مفهوم الإعمار، الذي عرضه الكاتب (محمد أبو يوسف)، ضمن مفاهيم علم الاقتصاد الاسلامي، وهو من المفاهيم الانسانية والإسلامية بالنظر للمعنى الايجابي للمفهوم، وذلك لأنه نابع من خطاب الوحي، ويتميز هذ المفهوم عن نظيره في الفكر الوضعي؛ حيث يغيب الجانب العقدي تماماً؛ هذا المفهوم من القواعد الأساسية في كل النظم الاسلامية سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية ، والإعمار بالمفهوم القرآني جاء (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ) وقال تعالى:(هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)، فالعمارة في الأرض بمعناها الشامل تشمل إقامة مجتمع انساني سليم، وإشادة حضارة انسانية شاملة، ليكون الانسان بذلك مظهراً لعدالة الله تعالى وحكمة في الأرض... إن مهمته تحقيق جامعة إنسانية فعالة في سبيل النهوض بعمارة هذا الكوكب الأرضي، العمارة الكلية الشاملة لكل ما تتسع  له كلمة العمارة من المعاني المادية، والعلمية، والاقتصادية، فهي غاية وجود الانسان وهدفه الأعظم ولا سبيل له إلى حياة كريمة؛ إلا بالقيام بعملية الاعمار في مختلف المجالات لتظهر قدرة الانسان، واستعداداته اللامحدودة في الحياة. (ص400)

أما عن بناء مفهوم التمويل، فيتمثل في عملية التمويل التي لها دوراً مهما في الحياة الاقتصادية فهي الشريان الحيوي، والقلب النابض الذي يمد القطاع الاقتصادي بمختلف وحداته ومؤسساته بالأموال اللازمة للقيام بعملية الاستثمار ودفع عجلة الاقتصاد نحو الأمام، ومن ثم فإن قوة أي نظام اقتصادي وكفاءته مرتبطة بقدرته على توليد القنوات التمويلية، وتعبئتها ثم توجهها نحو المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية، ومن ثم تحقيق التنمية، ففي الاقتصاد الإسلامي يقوم التمويل على أساس المشاركة وفقاً لمبدأ "الغنم بالغرم"،  لا كسب من دون مخاطرة وهو مبدأ فقهي أساسي ومعتاد شرعاً وقاعدة معيارية للعدل، ولذلك فإن المال في الاصطلاح الشرعي أعم من النقود أو الذهب والفضة فهو يشمل كل ما كان له قيمة مادية بين الناس، وجاز شرعاً الانتفاع به في حالة السعة والاختيار، ومن ثم جواز الانتفاع بلحمة الميتة والخمر عند الاضطرار لا يجعل منهما مالاً. (ص414)

نظرة الإسلام إلى المال لها خصوصيتها النابعة من الأسس الاعتقادية التي يقوم عليها؛ حيث تقوم عقيدة الاقتصاد الإسلامي على مبدأ أساسي أن المال  مال الله والناس مستخلفين فيه لقوله تعالى : (ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ)، أي أن مفهوم المال مرتبط ارتباطاً جذرياً بمفهوم أصيل في العقيدة الاسلامية وهو مفهوم الخلافة، الذي يعد من المفاهيم الإسلامية الخاصة، وذلك لأنه نابع من خطاب الوحي، ومن ثم فلا يوجد له نظير في الفكر الوضعي حيث يغيب الجانب العقدي تماماً أو يوجد بشكل محرف، وقاعدة الاستخلاف مع كونها قاعدة اعتقادية, إلا أنها تعد أهم الأسس الإيجابية التي تقوم عليها النظرية الإسلامية في الاقتصاد، لأنها من توجه تصرفات الفرد الاقتصادية تجاه الموارد انتاجاً واستهلاكاً في ضوء الالتزام بأوامر الله.

وعليه فإن ارتباط مفهوم المال بمفهوم الخلافة يؤسس لدور مفهوم التمويل في الاقتصاد من منطلق عقدي، وهذه ميزة ينفرد بها التمويل الإسلامي عنه في أي من الأنظمة الوضعية من حيث إنه تمويل أخلاقي يرفض جميع صور الظلم الاقتصادي, أي الاستغلال والمستغلين من خلال تحريم قاطع للربا والغرر أي الجهالة في التعامل والاحتكار والاكتناز والإسراف والتبذير والتقتير، والتطفيف والبخس، والغش والتدليس والرشوة والمحسوبية إلى أخر كل صور أكل أموال الناس بالباطل. (ص420)

مفهوم المال مرتبط ارتباطاً جذرياً بمفهوم أصيل في العقيدة الاسلامية وهو مفهوم الخلافة، الذي يعد من المفاهيم الإسلامية الخاصة، وذلك لأنه نابع من خطاب الوحي، ومن ثم فلا يوجد له نظير في الفكر الوضعي
يعني مفهوم التمويل بعلم الاقتصاد الاسلامي "ليس هناك اختلاف من حيث أن علم التمويل فرع لأصل وهو علم الاقتصاد سواء كان من منظور وضعي أو من منظور إسلامي، وأن الهدف في كلاً الحالتين هو توفير المال من حيث قنوات الفائض إلى قنوات العجز، وأن التمويل في الحالتين هو وسيلة للتبادل، وكذلك ارتباطهما بنفس المصطلحات المالية والاقتصادية إلا ان هناك اختلافاً جوهرياً يكمن في ارتباط مفهوم التمويل الاسلامي بالعديد من المفاهيم العقائدية المحورية التي تقوم عليها عقيدة المسلم ولها آثارها الكبيرة في المجال الاقتصادي. (ص432)

عملياً يمكن القول: إن جوهر فلسفة التمويل الإسلامي هو ارتباط واندماج التمويل الربحي بالتبادل المولد للثروة، ولهذا نجد أن جميع صيغ التمويل الربحي بالتبادل المولد للثروة، ولذلك جميع صيغ التمويل الاسلامي  المرابحة والسلم، والاستصناع، والمشاركة، والمضاربة، وتتضمن ولا بد من تبادل ملكية سلع أو خدمات أو منافع الذي يعبر عنه بالاقتصاد الحقيقي ولا تتمخض للنقد بالنقد، وبهذا يصبح مفهوم التمويل الاسلامي هو التمويل الحقيقي، الذي يعول عليه في تحقيق تنمية مستدامة، وهذا ما تنبه إليه العديد من الاقتصاديين بل والمسؤولين الغربيين، بل ووصل الأمر بهؤلاء للمطالبة بتطبيق مبادئ التمويل الاسلامي الاخلاقية من حيث تحريم الفائدة واعتبارها عين الربا المحرم في الشريعة الاسلامية، وتطبيق نظام المشاركة في الربح والخسارة وفق مبدأ الغنم بالغرم، فالنقود وسيلة وليست غاية بحد ذاتها، والاتجار بالنقود وليس بها حيث قال (عمر بن الخطاب رضي عنه): "النقود رؤوس أموال وجدت ليتجر بها لا فيها".
التعليقات (0)