كتب

المدني والديني في فكر الإسلام السياسي الحديث وسؤال الدولة

كتاب يعرض للنظرية السياسية الإسلامية وتطورها في التاريخ
الكتاب: "الفكر السياسي في الإسلام"
المؤلف: د. أحمد إدريس
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2011

على الرغم من كثرة ما كتب عن التاريخ السياسي للمسلمين قديما وحديثا، فإن ما حملته ثورات الربيع العربي التي انطلقت من تونس قبل أـن تعم معظم الدول العربية، يمثل نقلة نوعية ليس فقط في فهم الإسلام وعلاقته بالدولة، وإنما في فهم تجارب الإسلاميين عامة والالفروق الجوهرية القائمة بين المدارس الإسلامية.

ومع أن التعامل مع الفكر الإسلامي اختلط فيه العلمي والتاريخي بالأمني والسياسي، بالنظر إلى سنة التدافع بين البشر، إلا أن ذلك لم يمنع الباحثين من السعي لفهم الطرح السياسي الإسلامي من زواياه المختلفة.

وفي هذا الإطار يتنزل كتاب "الفكر السياسي في الإسلام"، للكاتب المصري الدكتور أحمد إدريس، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في العام 2011.  

يناقش الكتاب الفكر السياسي في الاسلام  لدى الأحزاب والجماعات الإسلامية من خلال اتباعه لمنهج نقدي واضح ليجيب عن سؤال مهم وهو: هل الفكر السياسي في الإسلام مدني أم ديني؟

الإمامة والخلافة

في الفصل الأول من الكتاب تحت عنوان "القيادة: إمامة وخلافة" تناول الكاتب الفرق بين المفهومين لافتا إلى الخلط عند أهل السنة ما بين الخلافة والإمامة بالتعبير عن معنى واحد وهو إدارة الدولة، أما عند الشيعة فإن الإمامة أصل من أصول الدين أما عند السنة فهو فرض كفاية.

وتحت عنوان: "صياغة الفكر الدين السياسي" أكد الكاتب أن الحاضر البائس، مرتبط بالماضي ولا يمكن فهمه إلا بالرجوع إلى الأصل والكشف عن الجذور ومعالجته وأنه ضرورة للمسلمين كي يستعيدوا حيويتهم ودورهم في الحاضر.

الفترة الذهبية

وفي ص ٢١ وتحت عنوان "ممارسات السلف".. يؤكد الكاتب أن الخلافة الراشدة هي الفترة الذهبية في الدين والدولة بعد انقطاع الوحي ومنزلتها في الفكر السياسي الإسلامي والديني عند المسلمين جميعا لا تنكر، إلا أن الكاتب رغم اعترافه بذلك وجه عدة انتقادات في طريقة البيعة متناولا في ذلك بيعة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة ورغم اعتبارها من عديد الباحثين في مجال السياسة ترسيخا للديمقراطية، إلا أنه حاول توجيه بعض الانتقادات دون أن يقدم أدلة مقنعة عليها .

وفي هذا السياق وبذات المنهج تناول الكاتب بيعة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، إلا أنه أشار إلى عدة نقاط هامة في الأسلوب والطريقة التي اتبعها عمر  في بيعة من بعده من تشكيل مجلس أعلى للشورى وعدم ترشح ابن عمر وغيره من النقاط الأخرى وصولا إلى تولي علي بن أبي طالب والذي وصف فترة حكمه بأنها هي التي أعادت الدولة إلى الخط الصحيح ورغم إنصافه، إلا أنه أساء لمن قبله ووصفهم بالعصابة التي استولت على مناصب الدولة الكبرى وعزل لهم وتولية الأصلح.

وتناول عهد الخليفة معاوية باعتباره قائد الثورة المضادة وهو ما يعكس تحيزه لطرف ضد آخر، وهذا يخدش في شفافية الباحث، لأنه يطلق أحكاما قيمية.

وتحت عنوان: "الإسلام السياسي إسلامي ام سلطوي؟ تناول الكاتب كيفية تعاطي السياسة في صدر الإسلام ورؤية أهل السنة لها متهما إياهم بالسذاجة والخلط بين المسميات وبين رؤية الشيعة التى رآها أكثر نضجا بسبب ما تعرضوا له، لكنه أكد أنهم وقعوا في مأزق بعد وصولهم للسلطة وعقيدة الإمام الغائب.

ويرى الكاتب أن السلطة أي سلطة حقيقة واقعية وملموسة وموجودة تدير أمور الناس بأشكال مختلفة ولكن شرعيتها ليست في كونها كذلك بل في كونها جاءت بالطريق الشرعي وتمثل الإرادة العامة الحقيقية لأفراد المجتم والعقل العام للمجتمع.

الفتنة الكبرى

وتناول الكاتب في ص ٧٧ ما أسماه انقسام الأمة والقيادة على خلفية الفتنة الكبرى والصراع بين على ومعاوية لافتا إلى الأخطاء التى أدت إلى ذلك مستندا إلى ما كتبه طه حسين في هذا السياق عندما قال: إن الانقسام الذي وقعت فيه القيادة هو الأخطر حيث كان من نتيجتها انقسام الأمة والناس، مشيرا إلى تمتع الإسلام برؤية شاملة تستوعب جميع جوانب الحياة من تفقه في الدين وإدارة دولة وفهم السياسة.

وتناول العصمة عند الشيعة تحت عنوان الرأي الآخر والجدل حولها وما ساقه من اعتراف بعض المؤرخين مثل ابن خلدون بهذه العصمة، مشيرا إلى معنى العصمة عند الشيعة لغير الأنبياء باعتبارها منحة وموهبة يمنحها الله لبعض الناس ويجعلها فطرة في النفوس حسب الكاتب، ولكنه اتهم الشيعة بالمغالاة في أشخاص الأئمة لديهم .

وفي الفصل الأخير من الكتاب حاول نقد الفكر السياسي لدى لشيعة يقول الكاتب: إن الفكر السياسي عند الشيعة لم يفرق بين الإمامة ورئاسة الجهاز التنفيذي للدولة والممثلة في شخص رئيس الجمهورية، لكن فكرهم ألحديث فرق بين المنصبين على نحو واضح فحل بذلك واحدة من أهم معضلات الفكر السياسي في الإسلام دون جدال.. وهذا ما يكتب في التاريخ لنظرية ولاية الفقيه مستشهدا  في ذلك بالتجربة الإيرانية وتولى خامنئي، ولكنه يؤكد أن الفكر الشيعي يصعب تطبيقه في مجتمعات إسلامية أخرى أي أنه مرتبط بمجتمع شيعي لذلك فهو حبيس الحدود الجغرافية الإيرانية.

ربما نجح الكاتب في تقديم رؤية مكثفة لأهم محطات التاريخ السياسي في الإسلام من الخلافة الراشدة إلى الفتنة الكبرى التي لازالت الأمة تعيش فصول تداعياتها رغم قدمها، لكنه لم يقدم جديدا ليس فقط فهم حركة تطور الإسلام السياسي بشكل عام، وإنما في فهم التجارب الحديثة للإسلاميين، والتي أعتقد أنها تحتاج إلى كثير من البحث والمقارنة، من أجل تقديم فهم أكثر قربا من الحقيقة، ويسهم في تقديم رؤى جديدة للتعامل مع تحديات البناء الديمقراطي والتحرري الذي يمثل طموح العرب والمسلمين، بل قل الإنسانية جميعا.