كتب

"أيّام محمّد الأخيرة".. دراسة تاريخيّة أم سرديّة استشراقيّة؟ كتاب يجيب

كتاب يناقش أيام الرسول الأخيرة وحدث الوفاة وحقيقة الروايات حولها..
الكتاب: "فتنة السيرة ومعارج الإبهار: أيّام محمّد الأخيرة لهالة الوردي أنموذجا"
المؤلف: د. حسن بزاينيّة
النّاشر: دار ميسكلياني للنشر- تونس
الطبعة الأولى: 2023
عدد الصفحات: 160


صدر بفرنسا سنة 2016 كتاب "أيّام محمّد الأخيرة" (Les derniers jours de Muhammad) للجامعية التونسيّة د. هالة الوردي، المتخصصة في الأدب والحضارة الفرنسيين، والباحثة المتعاونة بمخبر البحوث عن الأديان التوحيديّة في المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا (CNRS). كما صدر للدكتورة الوردي كتابان آخران سنة 2019 في الخلاف حول الإمامة، وتاريخ الخليفة أبي بكر الصدّيق. الأوّل بعنوان "الخلفاء الملاعين، التصدّع" والثاني حمل عنوان "الخلفاء الملاعين، في ظلال السّيوف".

وسبق لـ "عربي21" تناول الجدل الذي أثارته مؤلّفات الوردي في تونس وردود الأفعال تجاهها في تقرير بعنوان: "تونس.. كتاب عن الخلفاء وحجرة جديدة في مياه صراع الهوية". وتدافع د. هالة الوردي عن فكرة أن الرسول قد قُتِل مسموما من قبل أصحابه (الخلفاء)، الذين تسِمُهم بالغدر والانتهازية. وتقول إنها اعتمدت على صحيحي البخاري ومسلم في إثبات فرضياتها. وتحاجج الوردي بأنّ "الصراع بين السنة والشيعة بدأ بتغييب عائلة الرسول المصغّرة من مشاورات تعيين الخليفة بعد موته".

وبالرّغم من مؤاخذات البعض على مؤلفات د. هالة الوردي في السّيرة النبويّة، من جهة كون الباحثة غير متخصّصة في التاريخ الإسلامي ولا في الحضارة العربية والفكر الإسلامي، ممّا جعلها "تسقط في مغالطات تاريخية ومنهجية وعلمية كبيرة" نتيجة ما أسماه الباحث سامي براهم بـ"عملية جمع مجتزئ انتقائي لنصوص موجودة في كتب التراث دون تمحيص ودون تدقيق"، فإنّ عميرة عليّة الصغيّر، الجامعي المتخصّص في التاريخ المعاصر ومدير وحدة البحوث والدراسات التاريخية بالمعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية سابقا، انتصر لاجتهادها فيما اعتبره "فضح الثقافة التمجيديّة التي تملّكت ذهنية العديد من الباحثين"، بل واعتبر أنّ البحث التاريخي ليس "وقفا أو أحباسا لباحثين دون غيرهم ." هذا التباين من مؤلّفات د. الوردي هو ما أفرد المؤلفات المذكورة أعلاه اهتماما بحثيا وأكاديميا بمؤلفاتها.

هل حذقت د. هالة الوردي فنون التّاريخ؟

في نفس إطار التحفّظات المنهجيّة التي تحسب على مؤلّفات الدكتورة هالة الوردي، يندرج كتاب "فتنة السيرة ومعارج الإبهار: أيّام محمّد الأخيرة لهالة الوردي أنموذجا"، لمؤلفه الدكتور حسن بزاينيّة الذي يبحث في مسألة أساسيّة في مؤلّف "أيّام محمّد الأخيرة" (Les derniers jours de Muhammad): "هل حذقت الباحثة الجامعيّة في الأدب الفرنسي فنون التّاريخ، وانقاد لها صعبهُ، وفهمت تشعّب التّاريخ الإسلامي المبكّر، وتغلّبت على ندرة مصادره الأصليّة في بضع سنين"؟ كما يحقّق الكتاب الذي بين أيدينا، إن كانت "تأتّت للوردي طرائق استغلال الموارد التّاريخيّة، وتعييرها، واستوعبت أهم الثورات في علم التاريخ وفلسفته؟ وهل للكاتبة دراية كافية بالعربيّة الكلاسيكيّة، فتمكّنها من مباشرة المصادر القديمة، وما فيها من عويص العبارة، تستعصي على المتخصّصين للعربيّة، فضلا عن غيرهم". وحصر الدكتور بزاينيّة أسئلته واستفساراته أعلاه على المؤلّف البكر للدكتورة الوردي دون غيره، باعتباره المؤلّف الذي يدخل في مجال تخصّصه الأكاديمي والبحثي.

والدكتور حسن بزاينيّة باحث تونسي، حاصل على الدكتوراه في اللغة والآداب العربيّة، وحاليا أستاذ جامعي في الحضارة العربيّة بجامعة تونس ـ المنار. نشر الدكتور بزاينيّة مؤلفات سابقة وهي: "كتابة السيرة النبويّة لدى العرب المحدثين، اتجاهاتها ووظائفها" (2014)، و"في نقد الخطاب الاستشراقي: سيرة محمّد ونشأة الإسلام في الاستشراق الفرنسي المعاصر" (2019) و"جهود بعض المُحدَثين في تجديد خطاب السيرة النبويّة" في كتاب جماعي بعنوان "محاولات تجديد الفكر الإسلامي، مقاربة نقدية، إشراف بسّام الجمل" (2021).

وقد تعمّد الدكتور بزاينيّة الاحتجاج على مؤلّف "أيّام محمّد الأخيرة" بعلمين من أعلام التاريخ الإسلامي، وهما هشام جعيّط، صاحب كتاب "الفتنة الكبرى"، ومحمد عبد الحي محمد شعبان، صاحب كتاب "التاريخ الإسلامي: تفسير جديد"، مُورِدا "تهيُّبَهما لتاريخ الإسلام مع سعة تكوينهما الجامعي فيه، وإنّما فعل ذلك دليلا على "جلالة علم التّاريخ"، وخطره على حدّ كلام شمس الدّين السّخاوي في مؤلّفه "الإعلان بالتّوبيخ لمن ذمّ التّاريخ".

في الرّواية الإسلاميّة غرقا

لئن صاغت د. هالة الوردي في أوّل كتابها سؤالها الرّئيس: "لماذا لم يُدفن محمّد في يوم وفاته نفسه تنفيذا لأمر النّبي الذي كتب على أهل ملّته أن يواروا موتاهم بسرعة؟ لا يوجد أثر من الآثار الإسلاميّة القديمة يخبر بشيء حول هذا الثقب الأسود الذي مقداره يومان، ظلّ خلالهما جثمان رسول الله متروكا"، فإنّ د. بزاينيّة يردّ عليها بأنّها لم تطّلع عمّا ألّف في موضوعها من بحوث علميّة بشتّى اللغات، إذ يتفاجأ قارئ "أيّام محمّد الأخيرة" بأن الوردي لم تعد إطلاقا إلى رسالة دكتوراه في صلب موضوعها، قدّمتها الباحثة كريستينا سيلايقي بجامعة برينستون، وأشرف عليها مايكل كوك أحد أساطين الدّراسات المتعلّقة بالإسلام المبكّر. وهذه الرّسالة وُسمت بـ "ما بعد وفاة النّبي: الجدل الإسلامي المسيحي، والصّور السّرديّة لمحمّد" (بالإنجليزية، 2014). وقد قال جون طولون في هذه الرّسالة: "في خصوص الرّوايات الإسلاميّة والمسيحيّة في وفاة محمّد وجهازه وغسله، راجع كريستينا سيلايقي..."، وهذا الباحث الأمريكي الفرنسي من العالمين جيّدا بقضايا السّيرة النّبويّة.

يتّضح مبكّرا عند المؤلّف أنّ الوردي "تعوّل على الرّوايات للإجابة عن سؤالها المتقدّم: لماذا لم يدفن الرّسول يوم وفاته نفسه؟ ويعلم المؤرّخ والباحث عن تاريخ الإسلام أنّ الرّوايات في الحدث الواحد متباينة، متلاطمة...وتبقى في نهاية الأمر "روايات" سرديّة دوّنت بعد الحدث بقرنين فأكثر.

ويشير المؤلف إلى إنّ مدوّنة "تاريخ الطّبري" (توفّي سنة 310 هجريّة) بوصفها مدوّنة تاريخيّة متقدّمة وجامعة تضمّنت مرويّات السّابقين على اختلافها، وقد حاول الطّبري التغلّب على تضاربها من أجل الوصول إلى سرد تاريخي يحقّق اجتماع الأمّة على ما يرى علي أومليل، ويستخلص من جامع الرّوايات التي أوردها في "ذكر جَهاز رسول الله صلى الله عليه وسلّم ودفنه"، أنّ الوفاة كانت يوم الإثنين لاثنتي عشرةَ ليلةَ خلت من شهر ربيع الأوّل (سنة 11 هجريّة)، وأنّ المسلمين ارتبكوا لوفاته، فاختلف المهاجرون والأنصار في خلافته، فبويع أبو بكر، ثمّ عادوا يوم الثلاثاء إلى جهازه وغسله، ودفن يوم الأربعاء. ونجد لدى البلاذري الرّوايات نفسها تقريبا بحسب ما ورد في مؤلفه "أنساب الأشراف". كما إن روايات متقدّمة عن الواقدي (توفّي سنة 207 هجريّة) تذكر أنّه توفّي يوم الإثنين، ودفن يوم الثلاثاء".

وهكذا "لا شيء يستدعي "السؤال" حسب هذه الرّواية التي تطرحها هالة الوردي، ولا وجود فيها لـ"ثقب أسود". ولا ننسى أنّ الميّت نبيّ، وقائد جماعة، يستوجب جَهازه عناية خاصّة تستغرق وقتا. ورغم ذلك يرى المؤلّف أنّه لا معنى لغلبة رواية على أخرى ولا ترجيح رواية على أخرى فذاك منهج القدامى، فالخبر غير المتواتر قد يكون أصدق من الرّوايات "المُغلّبة" لأسباب دينية أو فرقيّة أو عصبيّة.

يرى المؤلّف أنّ في تركيز الوردي على نهاية الرّسول إيقاظا لطبقات "مخياليّة" أوروبية تزخر بألوان من عجيب القصص الديني عن الآخر الشرقي، و"الناس موكّلون بحكاية كلّ عجيب" كما قال الجاحظ، ولا شكّ في أنّ الكتابة بالفرنسية أسهل طريقا إلى الأذهان الغربيّة من الكتابة بالعربيّة، فتجد الوردي جمهورها بلا عناء.

جعيّط و"التقييم الأوّلي للمصادر الأساسية"

بدأ جعيّط ـ وهو مؤرّخ ـ كتابه الثاني في السيرة بفصل وسمه بـ "تقييم أوّلي للمصادر الأساسيّة"، ففحص عن المصادر المتقدّمة للسيرة وهي القرآن، وسيرة ابن إسحاق (توفّي سنة 150 هجريّة)، ومغازي الواقدي (توفّي سنة 207 هجريّة)، وذكر أنساب الأشراف للبلاذري (توفّي سنة 279 هجريّة)، وقال إنّه لا غنى عن تاريخ الطّبري. فهل رجعت هالة الوردي إلى هشام جعيّط وهي تكتب في موضوع أدلى فيه أساطين المؤرّخين بدلائهم؟

يرى المؤلّف أنّ في تركيز الوردي على نهاية الرّسول إيقاظا لطبقات "مخياليّة" أوروبية تزخر بألوان من عجيب القصص الديني عن الآخر الشرقي، و"الناس موكّلون بحكاية كلّ عجيب" كما قال الجاحظ، ولا شكّ في أنّ الكتابة بالفرنسية أسهل طريقا إلى الأذهان الغربيّة من الكتابة بالعربيّة، فتجد الوردي جمهورها بلا عناء.
يخلص المؤلّف بزاينيّة أن لا شيء يثبت هذا من حيث المنهجُ في الأقلّ، وأن هالة الوردي لم تستوعب الضروري من علم التاريخ، إذ عملت بعكس نصائح جعيّط العلميّة في الفصل المذكور آنفا، إذ يقول جعيّط في مؤلّفه "تاريخية الدّعوة المحمّدية في مكّة": "يجب تنبيه الباحث العربي ألاّ يتجاوز القرن الثالث أو على الأكثر الرّابع، وأنّ اعتماد مصادر متأخّرة ليس من المنهج التّاريخي في شيء...ويجب أن يقال نفس الشيء بالنسبة للتفاسير حيث لا يصلح منها في هذا المجال إلاّ تفسير الطّبري".

منطلقات غير صلبة

يرى د. بزاينيّة أن المنطلقات غير الصّلبة للوردي جعلت باقي خطواتها في مهبّ المزالق، إذ تقول في الخلاصة (Epilogue): "إنّ استكشاف الحلقة الأخيرة من حياة النّبي تضعنا إزاء عقبة- مخيّبة للآمال أحيانا- تحول دون رسم ملامح متناسقة للإنسان الذي كان. إنّ كلّ حدث من حياة محمّد، وكلّ صفة من صفاته تبدو كأنّها غارقة في غمر عجيب من الرّوايات المتباينة، بل المتناقضة". وهذا بحسب بزاينية بيان الغرق في الرّوايات والأخبار، فالوردي تودّ أن تبحث عن "حقيقة" محمّد من خلال الرّوايات، لكن تلك الروايات مختلفة ومتناقضة...

الرّوايات ليست بوثائق

يُلمِع المؤلّف بزاينيّة إلى مواقف كبار العلماء من الأخبار إلى عدم حجيّة الروايات. فقد ذكر نولدكه (Th. Noldeke) في "تاريخ القرآن" أنّ الوثائق الموثوق بها هي الوثائق الصّرف (المعاهدات والعهود...)، أمّا الوثائق السّرديّة (الرّوايات) فليست بوثائق. وأوّل من انتقد الرّوايات الإسلاميّة في أواسط القرن التّاسع عشر هو المستشرق النمساوي – الإنجليزي شبرنغر (توفّي سنة 1893)، إذ سعى كما يقول نولدكه إلى تدمير السير التمجيدية، وعلى دربه سار جمهور المستشرقين من أمثال كيتاني في "حوليّات الإسلام" والمجري غولدتسهر. وعلاوة على ذلك يرى إسماعيل أدهم (1936) أنّ "الأحاديث وثيقة تاريخيّة هامّة لتطوّر الفكرة الدّينية الإسلاميّة، وليست بمصدر لحياة الرّسول ونشأة الإسلام". وهو ما لم تعمل به مؤلفة "أيّام محمّد الأخيرة"، يضيف بزاينيّة.

في ذات السياق، يشير بزاينيّة إلى أن الوردي تغرق في لجّة الرّوايات الإسلامية في الفصل السادس "بعث أسامة"، فتسرد الأخبار السنيّة والشيعيّة لترجيح رغبة الرّسول في استخلاف علي بن أبي طالب بابتعاث أبي بكر وعمر مع أسامة بن زيد. وعلى هذا السّمت تبقى الوردي أسيرة المعارك السياسيّة والكلاميّة القديمة، فتنخرط من حيث لا تعلمُ في جدل قديم لا يفيد العلم. وكذلك فعلت في الفصل السابع "البنيان يتصدّع"، إذ لا نظفر بغير الروايات الإسلامية عن مدّعي النبوّة: مسلمة الحنفي، وطليحة والأسود العنسي وهم من أعداء الدّعوة طبعا، فكيف نطمئنّ إلى ما تذكره عنهم المصادر الإسلاميّة دون تقليب نظر ونقد؟

حظّ "أيّام محمّد الأخيرة" من التّاريخ

تكثر الوردي من استعمال عبارة "مؤرِّخ" (مؤرِّخة)، وتعتبر نفسها كاتبة للتاريخ. وقد ورد الاصطلاح في كتابها ثلاثا وعشرين مرّة في سياقات مختلفة كوصف كاتب، أو الإشارة إلى مشاكل الكتابة التاريخية إذ تقول في أحد المواضع إنّ المؤرّخ الذي يتصدّى لسيرة النبي محمّد يصطدم بعائق آخر عظيم.. في الوقت الذي بيّن بزاينية أنّ 'هالة الوردي لا تمتلك آلة المؤرّخين، فلم تعيّر المصادر، واكتفت بحشدها بصدد الحدث الواحد دون تمييز بين المتقدّم والمتأخّر الذي يجتزئ بالاستنساخ.

وكتبت فضلا عن هذا بمعزل عن جهود الباحثين السابقين في الجامعة التونسية (هشام جعيّط) والجامعات العربية (جواد علي). ولم تعقد صلة علميّة حقيقيّة بالتقليد العلمي الفرنسي إذ لم تُفد من السّيرة النّقديّة التي حررها بلاشير (1952)، ولا من كتاب ديمومبين الضخم في السيرة: "محمّد" (1957)، ولا من رسالة جاكلين الشابي "ربّ القبائل" (1957)، بل اكتفت بجرد هذه المصنفات في الببليوغرافيا المنتقاة التي أثبتتها أخر الكتاب! وهكذا يخلص بزاينيّة إلى أن الوردي لم تتخذ لعملها أساسا، فجاء متهافتا من وجوه..

عدم تعيير المصادر التاريخية

يخلص الدكتور حسن بزاينيّة في خاتمة مؤلّفه: "فتنة السيرة ومعارج الإبهار: أيّام محمّد الأخيرة لهالة الوردي أنموذجا" إلى أن الدكتورة هالة الوردي مؤلّفة كتاب "الأياّم الأخيرة لمحمّد"، كانت "زلوقا في أمور لا تُعد، إذ دفعتها العجلة في إصدار ثلاثة كتب في ثلاث سنوات، وهي غير المختصّة بالتاريخ ولا الحضارة الإسلامية إلى عدم تعيير المصادر التاريخية، فلم تفرّق بين المتقدّمة والمتأخّرة، ولا بين الدينيّة كمسلم وابن حنبل، والتّاريخيّة كالطّبري، وما يقع بينهما كـ "طبقات" ابن سعد..

ويضيف الدكتور بزاينيّة أنّ الوردي عمدت إلى تكديس المصادر ولم تلتزم من التاريخ بالضروري، فقفزت على مساهمات المجموعة العلمية الفرنسية، ولم تعبأ بجهود زملائها في الجامعة التونسية، واستعجلت الحكم في مسائل أشبعها كبار المستشرقين والعلماء بحثا، كجزمها بأنّ اسم "محمّد" لم يكن معروفا على عهد الرسول، في حين تفنّد النقوش الجاهليّة زعمها...وفي ذات السياق فإنّ الوردي ركنت في مسائل إلى مراجع غير علميّة كفعلها في "استنساخ صورة عليّ وفاطمة من "لامنس" الذي عرف بنزعته التبشيرية وبتحامله على النبي وآل بيته.

وفضلا عن ذلك انحرفت هي نفسها انحرافا خطرا إلى بعض الإسقاطات التاريخية كتدخلها في الأحداث، وتعليقها على أسر خالد بن الوليد لأكيدر بن مالك بدومة الجندل (9 هجرية)، إذ قالت: "كيف له أن يؤمن بديانة صعاليك.."، وهو ما جعل بزاينية يعتبر ذلك "نوعا من أحكام غير تاريخية وإيديولوجيّة، وفيه أيضا استرضاء لدوائر إسلاموفوبيّة فرنسيّة تنتهج في الجملة منطقا استعلائيّا واختزاليّا في تدبّر الثقافة العربيّة الإسلاميّة".

عَرضُنا لزبدة أفكار "فتنة السيرة ومعارج الإبهار: أيّام محمّد الأخيرة لهالة الوردي أنموذجا"، لمؤّلفه الدكتور حسن بزاينية، والذي انتهى خلاله إلى أنّ الدكتورة هالة الوردي، مؤلفة كتاب "الأيّام الأخيرة لمحمّد"، إنّما أعادت تكرار الروايات الإسلاميّة القديمة دون أن تأتي بالجديد، كما قامت بإسقاطات تاريخيّة فضحت عدم إحاطتها بأولويّات التاريخ وتطوّر البحث في السّيرة، إنّما يندرج في إطار إيلاء الأهمية البالغة لجملة البحوث والكتابات الأكاديمية المتقصّية لقضايا السيرة النبويّة. كما أنّ كتابات الدكتورة هالة الوردي ورغم ما أثارته من لغط داخل تونس وخارجها، فإنّها تعمّق النّقاش في كتب السيرة الجديدة وتقييمها.