كتب

إصلاح الأمم المتحدة يصطدم بمصالح القوى العظمى (2 من 2)

استمرار المساعي الدولية لإصلاح منظمة الأمم المتحدة (الأناضول)

الكتاب: الإصلاح القانوني والإداري لمنظمة الأمم المتحدة
الكاتب: الدكتور فاضل عباس علي النجادي
الناشر: دار العرّاب للدراسات والنشر والترجمة ـ دمشق، الطبعة الأولى 2021.
(266 صفحة من القطع الكبير).

الهيمنة الأمريكية على المنظمة الدولية بعد نهاية الحرب الباردة

شكل مبدأ سيادة القانون أو مبدأ المشروعية منذ مطلع القرن العشرين الأساس الذي انطلقت منه جميع القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين الدول، هذا المبدأ الذي أقرته المجموعة الإنسانية في مقدمة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي يمثل جوهر القوانين والاتفاقيات، التي تفتقر إلى مبدأ المشروعية ولا تنسجم مع مجموعة القيم والقواعد والمثل، التي تمثلت واستقرت في ضمائر الناس، والتي تطورت كنتيجة لتراكم تطور الإنسان، تصبح خالية من أية قيمة أو مسوغ حقيقي للالتزام بها.

بدأت أمريكا تظهر على الساحة الدولية منذ الحرب العالمية الأولى 1918م، أاطلقت في البدء شعارات براقة زائفة لقيادة العالم المتمدن وتمسكها بمبادئ مونرو وويلسون، وصورت لدول العالم أنها غير راغبة في التدخل بالشؤون الداخلية للدول، وغير مكترثة بزعامة العالم وهمها الوحيد هو حماية السلم والأمن في العالم، وخلق حالة من الاستقرار ومحاربة الشيوعية، وكف العدوان ونشر الديمقراطية في العالم.

لقد افتقرت الساحة الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1989م إلى القوة العالمية القادرة على الفعل، والرؤى الموحدة والتصورات المشتركة تجاه ملفات وقضايا تمس حاضر العالم ومستقبله، الأمر الذي حدا بالولايات المتحدة الأمريكية لتبني سياسة دولية جديدة واضحة، قائمة على الهيمنة والإقصاء بذريعة النظام الدولي الجديد أحادي القطبية، مما أدى إلى تفردها بالسياسة الدولية وتسخير مجلس الأمن وهيئاته، والتعامل مع القضايا الدولية بازدواجية والكيل بمكيالي،ن والانحياز في سياستها وقراراتها لخدمة مصالحها ومصالح حلفائها. 

 

أغلب وقائع الأحداث والتقارير التي جاءت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وقيام النظام الدولي الجديد، تفيد بأن الكونغرس الأمريكي من خلال الإدارة الأمريكية، كان يملي على مجلس الأمن والأمم المتحدة اتخاذ القرارات التي يريدها، وبما يخدم مصالح أمريكا وأهدافها.

 



قررت أمريكا السير في مشروعها الإمبراطوري لحكم العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فأطلقت في البدء النظريات السياسية والاقتصادية من عولمة وسواها، ولكن وجدت التطبيق أنها بحاجة إلى زمن طويل، والزمن لا يؤمن له لما فيه من متغيرات. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي في العام 1989م وجدت أمريكا أن محاذير استعمال القوة العسكرية المباشرة قد سقطت، وباتت وحدها القوة العالمية العظمى التي تستطيع أن تتحرك في العالم، دون أن تخشى اي مواجهة عسكرية فعلية مع أحد.

ظهرت مؤشرات كثيرة على تصميم الولايات المتحدة على الهيمنة والانفراد باتخاذ القرار في النظام الدولي، خصوصا بعد وصول المحافظين الجدد بقيادة جورج دبليو بوش إلى السلطة، مما أدى إلى ظهور أزمة ثقة، كان لها تأثير مهم في تعميق الفجوة بين أوروبا والولايات المتحدة حول الموقف من المسألة العراقية في فصلها الأخير.

خرق ميثاق الأمم المتحدة واحتلال العراق

طبقت الولايات المتحدة الأمريكية هذه السياسة بالعدوان على العراق عام 1991م واحتلال أفغانستان عام 2001م والعراق في عام 2003م، الذي استوفى أركان العدوان كافة، وبدأت عصرا جديدا في نمط العلاقات الدولية الذي تسوده القوة وشريعة الغاب.

يقول الدكتور فاضل النجادي: "تتكشف نوايا النظام الدولي الجديد منذ انتهاء ما سمي بحرب (تحرير الكويت)، وحتى بداية الأزمة التي انتهت بما سمي بحرب ( تحرير العراق). إن احتلال العراق قد خطط له من قبل أزمة الكويت عام 1990م، من قبل دوائر المخابرات الأجنبية وبتوجيه ودعم من الصهيونية العالمية، التي تسيطر على الإدارة الأمريكية وبعض الدول في الجماعة الأوروبية ولا سيما بريطانيا، وان مجلس الأمن منظمة غير محايدة؛ إذ تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه من الكونغرس"، (ص 205 من الكتاب) .

تعرض العراق إلى احتلال عسكري من قبل القوات التابعة للولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، وإن مجلس الأمن بقراره المرقم 2003/1483م قد خضع للأمر الواقع بتوصيف هاتين الدولتين القائمتين بالاحتلال، لانتهاكهما، بالغزو والعدوان والاحتلال العسكري، لقاعدة دولية آمرة، وهي: عدم استخدام القوة في العلاقات الدولية حسب أحكام الفقرة الرابعة من المادة (2) من ميثاق الأمم المتحدة. 

لأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة تقوم دولتان عضوان من أعضائها باحتلال دولة ثالثة عضو. ثم تشرع عن الأمم المتحدة هذا الاحتلال وتخول الحاكم المدني الأمريكي المسؤولية الكبرى في إدارة شؤون البلاد ما دامت السيادة العراقية معلقة، وهي قد علقت فعلا بالقرار 1483، وعلى الرغم من صدور القرار 1500 و1511، فإنَّ الأسس التي وضعها القرار 1483 لا زالت سارية المفعول، وهي أن سيادة العراق معلقة حتى إشعار آخر.

فرض قرارات الكونغرس الأمريكي على مجلس الأمن

أغلب وقائع الأحداث والتقارير التي جاءت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وقيام النظام الدولي الجديد، تفيد بأن الكونغرس الأمريكي من خلال الإدارة الأمريكية، كان يملي على مجلس الأمن والأمم المتحدة اتخاذ القرارات التي يريدها، وبما يخدم مصالح أمريكا وأهدافها.

تناول الباحث إملاءات الولايات المتحدة الأمريكية على مجلس الأمن والمجتمع الدولي، عندما بدأت تعمل ضد حكومة العراق الشرعية وتسوق مبرراتها بعد عام 1991م، وتدخلها بشؤونه الداخلية خلافا لنص الفقرة السابعة من المادة (2) من ميثاق الأمم المتحدة، وظل المجتمع الدولي عاجزا عن اتخاذ أي قرار ينصف العراق وينقذه من العدوان الامريكي .

 

لأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة تقوم دولتان عضوان من أعضائها باحتلال دولة ثالثة عضو. ثم تشرع عن الأمم المتحدة هذا الاحتلال وتخول الحاكم المدني الأمريكي المسؤولية الكبرى في إدارة شؤون البلاد ما دامت السيادة العراقية معلقة

 



لقد فرضت القوات الأمريكية مع القوات البريطانية والفرنسية منطقة آمنة في شمال العراق في نيسان 1991م، في أعقاب إخماد السلطات العراقية الاضطرابات التي قامت بعد وقف إطلاق النار. فقد اتخذ هذا الإجراء من دون أي تفويض من الأمم المتحدة بفرض حظر جوي على الطائرات العراقية في شمال العراق ومن ثم في جنوبه، تحت شعار (حماية الأكراد) ووقف عمليات (قمع السكان الشيعة)، بعد أن زار مجموعة المعارضة الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يخالف المادة (2) الفقرة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة، التي لا تسوغ للأمم المتحدة والأعضاء أن تتدخل في الشؤون الداخلية لدولة ما. 

وكان الهدف الأمريكي هو خلق الفوضى وتقسيم العراق وإضعاف السلطة المركزية، وحصرها في الوسط والضغط عليها بغارات شبه يومية، تحت شعار زائف هو: (إلزام العراق تنفيذ قرارات مجلس الأمن). في الوقت الذي كان فيه العراق يتعاون مع فرق التفتيش، على الرغم من علمه؛ أن العملية مسيسة وتهدف لسيادة العراق واستقلاله وتقسيمه؛ لأن بعض المفتشين هم جواسيس وتجاوزوا المهام الأساسية التي حددها لهم مجلس الأمن.

يقول الدكتور فاضل النجادي: "أصدر الكونغرس الأمريكي قانون تحرير العراق 1998م بعد تصاعد الموقف الأمريكي وتنوعت وسائله، فقد جندت الولايات المتحدة الأمريكية عددا كبيرا من العملاء والمناوئين والمجرمين، ودعمتهم بالمال وجعلت منهم عملاء لها، ووعدتهم بالمناصب والمغانم عند إسقاط النظام الوطني، وكان الذي يقودهم وينسق مواقفهم السفير الأمريكي زلماي خليل زادة، وعقدوا لهم أكثر من مؤتمر في صلاح الدين ولندن وواشنطن، وهذا خرق صريح للمادة (2) من ميثاق الأمم المتحدة (ص 218 من الكتاب).

مطالب إصلاح المنظمة الدولية بعد احتلال العراق

ظهرت مؤشرات كثيرة على تصميم الولايات المتحدة على الهيمنة والانفراد باتخاذ القرار في النظام الدولي، خصوصا بعد وصول المحافظين الجدد بقيادة جورج دبليو بوش إلى السلطة، مما أدى إلى ظهور أزمة ثقة كان لها تأثير مهم في تعميق الفجوة بينها وبين الولايات المتحدة حول الموقف من المسألة العراقية في فصلها الأخير.

مما لاشك فيه، أن إصلاح مجلس الأمن مطروح على جدول الأعمال منذ وقت طويل، لكن النقطة الوحيدة التي تشكل إجماعا داخل الأمم المتحدة، هي أن الوضع الحالي غير مرضٍ على الإطلاق، في عصر لا نظير له، مليء بأكثر القضايا قسوة مثل قضايا الفقر والمرض والحروب والظلم. 

ويتساءل الكثير من الأمريكيين: لماذا يجب على الشرعية الدولية أن تمنح لبلدان ليس لها مسؤوليات  في مجال الأمن الشامل مثل الكاميرون، والمكسيك، أو إنغولا (كل هذه البلدان الثلاثة كانت أعضاء في مجلس الأمن في وقت الحرب على العراق)، أو إلى بلدان غير ديمقراطية مثل الصين؟ وهناك بلدان غنية وكثيرة السكان مثل اليابان وألمانيا، اللتين تتمتعان بمزايا وأفضليات أكثر من بريطانيا وفرنسا، اللتين تعود عضويتهما الدائمة في مجلس الأمن إلى نتائج الحرب العالمية الثانية، التي انتهت منذ ستين سنة. ومن جانب آخر، يرفض المواطنون في أفريقيا وأمريكا اللاتينية أن يكون السلم والأمن الدوليان مقررين من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبعض البلدان الأوروبية بإطلاقية.

 

مما لا شك، فيه أن إصلاح مجلس الأمن مطروح على جدول الأعمال منذ وقت طويل، لكن النقطة الوحيدة التي تشكل إجماعا داخل الأمم المتحدة، هي أن الوضع الحالي غير مرضٍ على الإطلاق، في عصر لا نظير له، مليء بأكثر القضايا قسوة مثل قضايا الفقر والمرض والحروب والظلم.

 



في آذار (مارس) 2004، قدم الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي أنان تقريرا استعرض فيه المبادئ الأساسية للإصلاح الشامل لمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وأصر كوفي أنان في حينه على أن مجلس الأمن الدولي، الذي يضم اليوم كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، كأعضاء دائمي العضوية، وعشرة أعضاء يتناوبون كل سنتين، لن يحظى بالاحترام، ولاسيما من قبل بلدان العالم الثالث، إلا إذا تغيرت تركيبته.

وإذا تقرر إنشاء مقاعد دائمة جديدة، فهناك عدد من المنافسين الأقوياء الذين يستحقون شغلها. وليس سرا أن كوفي أنان قد عبر عن تأييده لكلا الخيارين، الأول: وتدعمه مجموعة الأربع المتكونة من اليابان وألمانيا والهند والبرازيل، ويأمل في وصول ستة أعضاء جدد دائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي (مجموعة الأربع + دولتين أفريقيتين غير محددتين أيضا)، إضافة إلى أربعة أعضاء جدد غير دائمي العضوية. وفي هذا الخيار، سينتقل العدد الإجمالي لأعضاء مجلس الأمن من 15 إلى 25. 
أما حق النقض، فسيظل حكرا على الأعضاء الدائمين الخمسة الحاليين. ولم يلق هذا الخيار الإجماع.

 

الثاني: وتدعمه مجموعة من البلدان متكونة من إيطاليا، باكستان، كوريا الجنوبية، إسبانيا. وتطالب هذه المجموعة بتوسيع مجلس الأمن إلى 25 عضوا، ولكن بزيادة الأعضاء غير الدائمين فقط (10)، مختارين من مجموعة (30)، ولكن بزيادة فترة صلاحياتهم من سنتين إلى أربع سنوات. بالنسبة للمدافعين عن هذا الخيار، ستتجنب هذه المقاربة ضرورة اختيار عضو دائم في مجلس الأمن من بين المتنافسين الإقليميين، مع إمكانية إفساح في المجال لبلدان مهمة أن تكون حاضرة كثيرا في المجلس من بلدان صغيرة جدا.
  
من الملاحظ أن أيا من الخيارين لا يراعي تخويل أعضاء المجلس الجدد حق النقض "الفيتو". ولهذا من الضروري الإصرار على أوسع وفاق ممكن بين الأعضاء بهذا الشأن. ويبدو أن مثل هذا الوفاق معدوم حتى الآن؛ إذ أصر ممثلو البرازيل والهند واليابان، وهذه الدول من أقوى المنافسين على المقاعد في القوام الموسع لمجلس الأمن الدولي. وهذا مفهوم لأن الخيار الثاني يحرم هذه الدول من الحضور الدائم في مجلس الأمن. والإشكالية أنه في حال انضمام الهند أو اليابان إلى عداد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن في سياق عملية الإصلاح المرجوة، فإنه في مثل هذه الحالة سيطرح السؤال التالي: ما الموقف من ألمانيا أو إيطاليا أو البرازيل؟  

وإذا قبلت البرازيل ممثلة عن أمريكا اللاتينية، فستبرز حتما مسألة المكسيك والأرجنتين، وإذا قبلت مصر ممثلة عن أفريقيا، فستثار مسألة جمهورية جنوب أفريقيا وغيرها. ويتطلب كل إصلاح في مجلس الأمن بالضرورة موافقة الخمسة أعضاء الدائمين، إضافة إلى ثلثي أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، أي 128 من أصل 191 عضوا. ثم إن صعوبة تجميع مثل هذا الدعم، ستحدث أيضا نشاطا قويا للوبيات داخل الأمم المتحدة. وهناك دولتان تمتلكان حق النقض، هما الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، ستؤديان دورا نقديا إن لم نقل مصيريا في النقاشات المقبلة. حيال هذا الوضع، إنه من السذاجة توقع ظهور وفاق سريع بشأن أي من الخيارين.

 

اقرأ أيضا: إصلاح الأمم المتحدة يصطدم بمصالح القوى العظمى (1 من 2)