إعلان الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب عن إقامة منطقة آمنة في
سوريا، جاء ليخلط الأوراق على طاولة الأزمة السورية التي تقترب من إتمام عامها السادس.
الإعلان الأمريكي المفاجئ، جاء بعد رفض إدارة أوباما مرارا وتكرارا لمقترحات إقامة منطقة حظر طيران، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن الدور الأمريكي في سوريا، وهل هناك سياسية جديدة تستدرك أخطاء إدارة أوباما، وتعيد رسم الدور الأمريكي في الملف السوري.
فقد أدت سياسات إدارة أوباما إلى تسلّم
روسيا وإيران لزمام الأمور في هذا الملف، فضلا عن تمدد التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش.
المشروع الأمريكي الجديد يأتي في وقت بدأت روسيا تجني ثمار مشروعها، بعد تدخلها العسكري القوd لصالح نظام الأسد أواخر أيلول/ سبتمبر من العام قبل الماضي.
فموسكو أتمت الهدنة في حلب، وبعدها اتفاق لوقف إطلاق النار في عموم البلاد يستثني داعش وجبهة النصرة، ونجحت في جلب النظام والمعارضة لمباحثات أستانة، وتجري لقاءات مع كل أطراف الأزمة بغية بلورة حل سياسي، بل وصل الأمر إلى أبعد من ذلك، عبر إعداد مسودة مشروع دستور جديد لسوريا أعده خبراء روس.
ورغم أن الإعلان الأمريكي لم يكشف عن تفاصيل أو خطوات لإقامة المنطقة في بلد تعج سماؤه بالطيران، سواء الروسي أو التركي أو طيران التحالف الدولي، إلا أن الخطوة تعد أول اختبار حقيقي للعلاقات الأمريكية- الروسية، التي قيل إنها ستشهد شهر عسل في عهد ترامب، في ظل علاقات وثيقة وإعجاب متبادل بين بوتين وترامب، وحديث عن تدخل روسي في الانتخابات الأمريكية.
الرد الروسي على الإعلان الأمريكي جاء متحفظا، حيث أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لم تشاور روسيا قبل أن تعلن خطة إقامة مناطق آمنة للنازحين في سوريا. وأضاف بسكوف أنه من المهم ألا تفاقم الخطة الوضع بالنسبة للنازحين، وينبغي على الأرجح بحث كل العواقب.
تركيا، البلد الذي طالب كثيرا بإقامة منطقة آمنة، بل وشرعت فعليا فيها عبر تدخلها أواخر آب/ أغسطس الماضي في عملية درع الفرات، جاء ردها على الإعلان الأمريكي متحفظا هي الأخرى، حيث عبرت أنقرة عن انتظارها لنتائج تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإقامة مناطق آمنة في سوريا.
وأشار المتحدث باسم الخارجية إلى أن إقامة مناطق آمنة أمر تدعمه تركيا من البداية، وأفضل مثال جرابلس، في إشارة واضحة إلى أن تركيا تدعم إقامة منطقة أمنة تسيطر عليها المعارضة السورية المدعومة تركيا، وليس أي أطراف أخرى مثل الأكراد.
مراقبون يرون أن الخطوة الأمريكية ربما تكون بمنزلة تحفيز للجانب التركي للابتعاد عن روسيا، في ظل تقارب تركي روسي تجلى في هدنة حلب ثم مباحثات أستانة، وأخيرا التنسيق بينهما في العمليات ضد تنظيم داعش في الشمال السوري، حيث تسعى واشنطن لاستعادة حليفها القديم وترضيته بعد التفاهمات التركية الروسية، وتلميحات أنقرة بإغلاق قاعدة إنجرليك الجوية.
إيران اللاعب المهم في سوريا لم تبد أي رد فعل حيال خطط ترامب الجديدة. فعلى ما يبدو أن طهران تتحسس أقدامها مع ترامب في ظل تلويح بإلغاء الاتفاق النووي، وحديث عن تحجيم دورها في سوريا والعراق الذي تنامي في عهد أوباما.
أما نظام الأسد، الذي لا يكف عن الحديث عن السيادة، فلم يصدر منه أي رد فعل تجاه الطرح الأمريكي. وعلى ما يبدو أنه ينتظر ما سيصدر عن طهران وموسكو ليبلور موقفا واضحا له.
مقترح ترامب الذي لم تتكشف تفاصيله بعد، سيعيد صياغة المشهد المتأزم في سوريا، إلا أن التوقعات تشير إلى أنه في حال شروع واشنطن فعليا في تطبيق مشروع ترامب، فإن كل الأطراف الفاعلة ستسعى لخلق واقع جديد على الأرض، لا سيما أن خطة ترامب قد يستغرق تنفيذها شهورا.