كتب

ملامح القوى البحرية في حوض البحر المتوسط.. قراءة في كتاب

للبحر المتوسط أسماء كثيرة ومتعددة: فقد أسماه الرومان (مارنوسترم) أي بحرنا (بحر الروم)، كما سمي (المتوسط) لأنه يقع بين ثلاث قارات وعرف أيضاً (بالبحر الكبير).
الكتاب: "القوى البحرية في حوض البحر المتوسط من القرن السادس عشر حتى منتصف القرن السابع عشر"
تأليف:  د. عبد اللطيف عبد الغني مشرف
عدد الصفحات: (464)
الناشر: دار البشير للثقافة والعلوم، الطبعة الأولى، 2022م

شكل البحر المتوسط أهم منطقة تاريخية في العالم، فقد قامت على ضفافه أعظم حضارات في التاريخ، ابتداءً من الحضارة السورية القديمة والفراعنة وكذا شهدت تاريخ حافل للرومان والفينيقيين والأمازيغ. وعرف البحر ظهور وانتشار الديانات الثلاثة، وأزهرت فيه الحضارة الإسلامية والأوروبية الحديثة، فتاريخ المتوسط حافل ومتنوع، فكان بحق صانعا للشعوب المقيمة على شواطئه، وبرزت منهم أمجاد عديدة، فقد سهل حركة التجارة بين الشعوب، وكان السبيل نحو بناء المستعمرات، كما كان شاهداً على الكثير من الحروب ومازال، بالإضافة لثرواته الطبيعية وكنوزه التي لا تعد ولا تحصى، وهذا ما جعله في الأخير يختزن عصارات عدة من تجارب حضارية وبشرية.

للبحر المتوسط أسماء كثيرة ومتعددة: فقد أسماه الرومان (مارنوسترم) أي بحرنا (بحر الروم)، كما سمي (المتوسط) لأنه يقع بين ثلاث قارات وعرف أيضاً (بالبحر الكبير).

يقول (خلف الميري) أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس" تجربة الدولة العثمانية تجربة إسلامية فريدة من نوعها، لم تتكرر، ولا يوجد نماذج مثيلا لها في التاريخ المعاصر، فلا يكاد المرء يصدق أنه كان في فترة من فترات التاريخ:  توجد في هذه البقعة من الأناضول دولة (حضارة) إسلامية بلغت من العظمة والسؤدد والرقي ما لم تبلغه حضارة أخرى في التاريخ، حضارة احترمها وقدرها حق قدرها القاصي والداني.. وتبارى الغرب في إرسال السفارات يلتمسون صداقاتهم، لعدة اعتبارات أهمها:

المكانة الدولية المهمة التي وصلت إليها الدولة الإسلامية فى القرن السادس عشر، بالإضافة لأنها أصبحت من القوى الدولية المؤثرة في الأحداث العالمية أنداك، وكانت قوى دولية عالمية في البر والبحر. (ص7)

انتقل مركز ثقل الأحداث السياسية من البحر المتوسط إلى المحيط الأطلسي مع قيام حركة الكشوف الجغرافية في القرن الخامس عشر الميلادي، لتنتقل مرة أخرى إلى المحيط الهادئ، إلا أن حوض البحر المتوسط مازال له أهميته الاستراتيجية كونه يمثل الجزء الشرقي الذي يعد الساحة التى أثبتت القوة العسكرية للشرق الأوسط، بجميع مساراته، يمتلك صلة الوصول إلى طرق التجارة المتنوعة كطريق الحرير، وقناة السويس: بأهميتها، وبعدها الإقليمي والدولي، فهي تمثل المنفذ الصناعي الواصل بين البحر المتوسط بالبحر الأحمر، التي تفصل بين أسيا وافريقيا.

أولت الدول العظمى للبحر المتوسط أهمية كبيرة، لمكانته ووضعه الجيوسياسية المتميز وتأثيره على التجارة الدولية والمواصلات العالمية في سياق ما سمي بالتوازن الدولي
موقع البحر المتوسط له بعده الاستراتيجي لكل الدول المطلة عليه؛ فهو الرابط بين ثلاث قارات، وبين محيطين، وعلى ضفافه: قامت دول عظمى لها تاريخها، فمن أشهر الصراعات بداخله تاريخياً، فترة سيادة الإمبراطورية الرومانية الأعظم بالتاريخ وحروبها المتعددة، خاصة حروبهم مع قرطاجة، الإمبراطورية الفتية التي هزمت الرومان عبر البحر المتوسط بقيادة (هانبيال) قبل أن يرد الرومان بسحق القرطاجيين، وتدمير حضارتهم في عام (202 ق .م)، وحتى حروب الدولة العثمانية مع دول أوروبا في الحرب العالمية الأولى والثانية، وصولاً إلى حرب فجر أوديسا ضد ليبيا عام (2011م).

تبحث هذه الدراسة في الأسباب الحقيقية للصراعات الدولية، وظهور قوى واختفاء أخرى؛ لما تملكه من قوة بحرية تستطيع بها السيطرة وحسم معركة بحرية مع قوة بحرية أخرى، خلال القرن السادس عشر وحتى منتصف القرن السابع عشر.

يعد موقع البحر المتوسط بضفتيه الغربية والشرقية الواقعتين بين حضارتي الشرق والغرب: ساحة للصدام, والصراع الحضاري ويندرج هذا الصدام في البحر المتوسط في اطار الصراع الحضاري بين الإسلام والمسيحية، فهو مجرد حلقة ضمن سلسلة طويلة عرفت تاريخياً بالحروب الصليبية وأنتجت تجاذبات قوية على المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية أدت في الأخير إلى تغيير واضح مس بالخريطة السياسية على سواحل البحر المتوسط وفي غرب أوروبا وجنوبها الشرقي (ص52).

دور القوة في العلاقات الدولية:

يتحدد دور ووزن أي دولة من الدول في المجال الدولي بجحم مواردها المالية أو البشرية التي تضعها في خدمة عملها الدبلوماسي الاستراتيجي،  يقول (الكاتب):" من واجب الدول أن لا ترسم لنفسها أهدافاً (لا تستطيع مواردها تحقيقها)، ولقد تبدل دور القوة الأن، لأن اهداف الدولة تبدلت بدورها، فهدف الدولة كان في وقت مضى يتمثل في الحصول على موقع يتفوق فيه نسبياً على الدول المجاورة، وعلى مكاسب اقتصادية، ولكن الدولة اليوم أكثر اهتماماً بموضوع المكاسب الاقتصادية المطلقة التي تمكن مواطنيها من التمتع بمستوى أعلى من الحياة، هذا التقدم الاقتصادي يتطلب عالماً مستقراً يكون التعاون الاقتصادي الدولي فيه ممكناً"، لذلك فإن أهم عناصر القوة للدول الكبرى هو (التحالف مع الأقوياء)، وهذه التحالفات من مصادر القوة في العلاقات الدولية، من هنا يأتي دور الدولة الضعيفة بالاستفادة من تجارب الدول الكبرى في الاتحاد والتعاون، ووضع استراتيجية شاملة لإقامة تحالفات مع الدول الصاعدة والدول القوية، والبحث عن كيفية الإفادة من هذه التحالفات. (ص28)

الأساطيل البحرية للقوى الدولية في البحر المتوسط:

تعددت الأساطيل البحرية في البحر المتوسط، وتنوع نشاطها التجاري والحربي، ولعل أهم تلك الأساطيل، الأسطول البحري العثمانية: الذي يعد من أقوى الأساطيل بتلك الفترة، يرجع الفضل في تعزيز الأسطول العثماني إلى السلطان (محمد الفاتح) أولاً، وقيام السلطان (سليمان القانوني) بشراء العديد من السفن حتى وصلت نحو (ثلاث مئة) " ولكن الدولة أهملت الأسطول في أواخر القرن السادس عشر فزادها ضعفها، وتضاءل عدد قطعه اسطوله واقتصر نشاطه على خفر السواحل تقريباً، وفي عهد الإصلاحات والتنظيمات حاول السلطان (محمود الثاني) النهوض بالبحرية فبنى السفينة المحمودية التي كانت طيلة سنوات مضت أكبر سفينة حربية في العالم " ومن ثم حاول السلطان (عبد العزيز الأول) احياء البحرية العثمانية من جديد وزيادة قطعها، فبنى اسطولا كان الأكبر في العالم بعد أساطيل بريطانيا وفرنسا، وحصل من بريطانيا على أول غواصة حربية من نوعها. (ص91)

كما أولت الدول العظمى للبحر المتوسط أهمية كبيرة، لمكانته ووضعه الجيوسياسية المتميز وتأثيره على التجارة الدولية والمواصلات العالمية في سياق ما سمي بالتوازن الدولي، والذي فرض هذا التوزان: الدول التي تمتلك بحرية حربية، وبرز ذلك في صراع القرن السادس عشر بين القوى البحرية العثمانية والقوة البحرية الإسبانية وكذلك الصراع الأوروبي الأوروبي في معركة الأرمادا بين أسبانيا وإنجلترا، وفي الوقت الحالي تفرضه القوى الدولية من بحرية روسيا والأسطول الأمريكي السادس في البحر المتوسط. (ص116)

أنواع السفن التجارية والحربية:

1 ـ غليون: سفينة شراعية كبيرة مربعة الشكل بها ثلاث صوراي أو اكثر، استخدمها الإسبان للتجارة والحرب، وهي متعددة الأسطح, استخدمت لأول مرة كناقلة بضائع مسلحة، واعتمدتها لاحقاً الدول الأوروبية يقول (الكاتب)" كانت هذه السفن هي الدعامة الأساسية للتجارة البحرية حتى أوائل القرن التاسع عشر، وصنفت كسفينة حربية، وكذلك الدعامة المحورية للأساطيل المتنافسة معظم سنوات (ال150) من عصر الاستكشاف"، وبها هزم البريطانيون عام (1588م) الأسطول الاسباني الذي لا يقهر وعليها وضعت التكتيكات المدفعية من مسافة طويلة، ولكنها عملت لاحقاً كسفينة حربية.(ص144)

2 ـ سفن القوادس: هي نوع من السفن المزودة بمجاديف لدفعها, استخدمت في الحرب, والتجارة, والقرصنة, منذ الألفية الأولى قبل الميلاد، وهيمنت القوادس على الحرب البحرية في البحر المتوسط منذ القرن الثامن الميلادي حتى تطوير السفن الحربية الشراعية المتقدمة في القرن السادس عشر، حاربت القوادس في حروب آشور، والفينيقيين القديمة، واليونان وقرطاج وروما حتى القرن الرابع بعد الميلاد، كما استخدمها المسلمون ضمن أسطولهم البحري.

3 ـ سفينة فاسا أو اسا: سفينة حربية شراعية سويدية تم بناؤها ما بين عامي (1626-1628م)، والتى غرقت أثناء رحلتها الأولى في (10 أغسطس 1628م)، وتم اكتشاف موقعها في الخمسينات من القرن الماضي، ومن ثم انتشالها سليمة إلى حد كبير عام (1961م)، ووضعت في متحف اللوفر عام (1987م)، وقد انتقلت بعد ذلك إلى متحف فاسا في استوكهولم، وتعتبر السفينة اليوم واحدة من مناطق الجذب السياحي في السويد, فقد اطلع عليها أكثر من (29 مليون زائر) منذ عام (1961م).

الترسانة العثمانية:

قام السلطان (سليم الأول) بإجراء تعديلات أساسية في ترسانة إسطنبول البحرية، ليكون قوياً في البحر, والبر، وقد تم الانتهاء من بناء الترسانة البحرية التي بدأت في المنطقة الممتدة من جالاتا  إلى نهر كاجيتان, تحت إشراف (الأدميرال جعفر) عام (1515م) بالإنفاق على بنائها (50000) قطعة نقدية لكل قسم، بالإضافة إلي بناء (150) سفينة، وبهذه الطريقة تم انشاء ترسانة بحرية عظيمة ( القرن الذهبي، إسطنبول). (ص147)

حول التنافس التجاري في البحر المتوسط يشير (الكاتب)" إلى أنه في بادئ الأمر لم تكن للدولة العثمانية تطلعات بحرية، ومن ثم وانطلاقاً من امارة صغيرة تقع في الشمال الغربي من بلاد الأناضول، استولى العثمانيون على إقليم بورصة وعلى الأقاليم البيزنطية الواقعة في الأناضول... وشنوا غارات على البلقان، وبعد فترة قصيرة من الزمن نقلوا عاصمتهم من بورصة إلى أدرنة، وبعد الاستيلاء على مدن أخرى من بينها صوفيا ونيش وسلانيك خاض العثمانيون معركة قوصوة عام (1389م)، كوسوفو حالياً، فهذه المعركة أنهت سلطان الصرب في البلقان. (176)

بعد انهيار الحكم الإسلامي في غرناطة عام (1492م)، تعرضت التجارة عبرة البحر لانتكاسة كبيرة، لا سيما أن المسلمين واليهود كانوا قد أكرهوا على الاختيار بين اعتناق المسيحية أو مغادرة الأندلس والهجرة إلى بلدان أخرى، فبعد أن طرد اليهود من الاندلس استطاعوا أن يلجؤوا الى جنوب ايطالياً، وإلى البرتغال ومنهم استقرا في شمال افريقيا وفي الأقاليم الواقعة في الطرف الشرقي من البحر المتوسط وفي الدولة العثمانية مارس اليهود السفارديم التجارة ومختلف المهن الحرفية. (178)

في هذه الفترة ظهرت شركة الليفانت كشركة انجليزية منافسة للقوى الدولية في مجال تجارة البحر المتوسط؛ فقد كانت أشهر الشركات الإنجليزية المنافسة في منطقة البحر المتوسط التي تعد امتداد للتنافس الإسباني الإنجليزي على تجارة البحر المتوسط والسيطرة على أوروبا، لذلك أرسلت انجلترا (جوزيف كليمنتس) كمبعوث انجليزي للقسطنطينية عام (1575م) بدعم من (الملكة اليزابيث) لمقابلة السلطان العثماني (مراد الثاني) وبالفعل رد السلطان في رسالة مؤرخة بتاريخ (15/3/1579) أن البلدان العثمانية ستظل مفتوحة للتجارة الانجليزية"، كما طلبت الملكة العون من السلطان العثمانية والتحالف ضد الإسبان (ص186)، بعد هذه الرسالة بدأ التجار الانجليز بالتوافد إلي القسطنطينية ومن أشهرهم التاجر (هاربورن) الذي نجح في الحصول على صك أمان من السلطان العثماني عام (1580م)، ومن ثم منح السلطان: الإنجليز الامتيازات الأجنبية التي حكمت العلاقة بين الدولة العثمانية وانجلترا، وبذلك تمكنت شركة الليفانت من احتكار تجارة الشرق لمدة (سبع سنوات) استطاعت من خلالها السيطرة على تجارة المنسوجات وخصوصا الصوف، واسفر هذا التعاون عن هزيمة الارمادا الاسبانية عام (1588م) ، في الوقت الذي اشتد التنافس التجاري بين اسبانيا وانجلترا, وكان لمكانة شركة الليفانت دور كبير في هذه المواجهة لسيطرتها على تجارة الشرق, وحوض البحر المتوسط، تلك الإمتيازات كانت نقمة على الدولة العثمانية مهدت الطريق للتدخل في شؤونها الداخلية واقتطاع مساحات من أراضيها، والسيطرة على مواردها، والتمهيد للاستعمار الأوروبي للشرق العربي. (ص192)

أما المواجهة البحرية المباشرة بين القوى الدولية، فتضمنت الجوانب السياسية والعسكرية للقوى الدولية في حوض البحر المتوسط  بوصفه مركز الساحة الدولية فقد شهد البحر المتوسط خلال القرن السادس عشر عدة صراعات بين الشرق والغرب كان أبرزها صراعات التوسع والسيطرة بين الدولة العثمانية واسبانيا ولكن استراتيجية التوسع والسيطرة الأكثر كانت للدولة العثمانية  (ص240).

ربما سيشهد حوض البحر المتوسط معارك أخرى، فكلما ازدهرت وزادت ثرواته، زادت أطماع الدول, فالقادم في المتوسط معقد، لذلك يفضل فيها الدبلوماسية عن الحروب الدامية، التي تهلك الشعوب, وتدمر اقتصادها.
استعرض (الكاتب) المشهد السياسي للبحر المتوسط بداية القرن السادس عشر، إذ شهد الشمال الافريقي قيام دول كبرى في فترة العصور الوسطى مثل: المرابطين والموحدين عبرت في مجملها عن وجود كيانات مستقلة في المغرب الإسلامي أطلق عليها المؤرخون: المغرب الأقصى والمغرب الأوسط والمغرب الأدنى أو افريقية، انتابها ومن ثم انهيارها، حالة من التفكك كانت كفيلة لتزايد الصراعات البحرية، لافتقار منطقة المغرب الإسلامي إلى سلطة قوية تفرض نفوذها وهيبتها، بعدما أصبح التناحر والفرقة والفوضى: سمة يتصف بها هذا المجال الجغرافي الواسع والاستراتيجي، بالرغم من وحدة اللغة والعرق والدين، ومن ثم شهدت كيانات مستقلة، كل واحد يحاول فرض سيطرته على حساب ما حوله، مما سبب أحداثاً سياسية متأزمة وأحداثاً داخلية غاية في التعقيد، ما لبثت تلك الدول من عقد معاهدات مع اسبانيا سمحت بسيطرتها على السواحل البحرية كمعاهدة عام (1512م) التي اعترفت بموجبه الدولة الزيانية بسلطة إسبانيا على سواحل الجزائر مما دلل على حجم ضعف تلك الكيانات السياسية في الشمال الافريقي عموماً، وفي الجزائر خصوصاً، الأمر الذي ساهم في زيادة التحرشات الأوروبية على السواحل الجزائرية ، لتستولي اسبانيا بعدها على أهم الموانئ باحتلالها: المرسى الكبير ووهران وبجاية وباقي الموانئ كدلس والجزائر. (ص241)

زاد الصراع السياسي للقوى الدولية حول سواحل المتوسط لدول المغرب العربي خصوصاً بعد القضاء على آخر معاقل الإسلام في الأندلس، وسقوط غرناطة عام (1492م)، إذ حدث تغيير في موازين القوى بين الممالك المسيحية الأوروبية، وممالك المغرب، فبدأت التحرشات الإسبانية تطال السواحل الجزائرية: باحتلال موانئها ويضيف (الكاتب) هنا" صدمت برجال البحر العثمانيين الذين تصدوا لهذه الهجمات بمعاونة أهالي المغرب العربي، ولكن هناك دوافع وأسباب محركة للقوى الأوروبية، وكذلك القوى العثمانية نحو سواحل البحر المتوسط، من نقطة استراتيجية تتمثل في سواحل المغرب العربي القريبة من أوروبا، والممتدة على مضيق مهم وهو جبل طارق، وتتحكم في كثير من طرق التجارة الدولية" (ص255)

أرجع (الكاتب) تلك الدوافع والأسباب بمجملها لمحاولة إسبانيا القضاء على قوة المسلمين الاقتصادية، وتغيير وجه الخريطة العالمية من الناحية التجارية، خاصة بعد انهيار النظامين الاجتماعي والاقتصادي الإسلاميين في بلاد إسبانيا، ثم أن الوازع الديني كان حاضر في الحملات التوسعية" فقد كان يخفي أطماعه الكبيرة في السيطرة على كل مسالك التجارة، وكان محور الصراع الخفي والظاهر هو الصراع الديني، والدليل على ذلك ضرب الحصار على البلدان المغاربية"، وكذلك الرغبة في احتلال موانئ دول المغرب الإسلامي واجبار سكانها على دفع الضرائب, والتحكم في خيرات البلاد، بالإضافة إلي المساعي الإسبانية لإنشاء امبراطورية واسعة الأرجاء عبر احكام سيطرتها على الحوض الغربي للمتوسط. (ص257).

وفي إطار استشراف المستقبل يقول (الكاتب): ربما سيشهد حوض البحر المتوسط معارك أخرى، فكلما ازدهرت وزادت ثرواته، زادت أطماع الدول, فالقادم في المتوسط معقد، لذلك يفضل فيها الدبلوماسية عن الحروب الدامية، التي تهلك الشعوب, وتدمر اقتصادها.

ختم (الكاتب) دراسته بمجموعة من التوصيات أهمها: ضرورة " انشاء معاهد دبلوماسية حوارية لدول المتوسط تكون مسؤولة عن لغة الحوار بين دول المتوسط, والتقارب بينها بطرق ودية ودبلوماسية, تحت مظلة دولية كبيرة, ومنظمة الأمم المتحدة تكون مسؤولة عن عقد الاتفاقيات والمعاهدات الملزمة لكافة الدول من اجل الحفاظ على ثروات وحقوق كل دولة متوسطية في مياه المتوسط وخيراته, وحفظ حقوق, وثروات الدول الضعيفة من هيمنة وأطماع القوى الدولية الكبرى، بالإضافة إلي انشاء مراكز بحوث للدراسات البحر المتوسطية تربط الاحداث التاريخية بالسياسية واستشراف الصراعات القادمة داخل المتوسط وتقديم حلول علمية وواقعية قادرة على حل الصراع الدولي في ساحة المتوسط قبل حدوثها.

حرص (الكاتب) في دراسته على تضمينها عدة وثائق ارشيفه, ومخطوطات عربية, وعثمانية, وإسبانية أثرت المادة العلمية، فأخرج (مشرف) مادة ثرية، عن خبايا الصراعات الأوروبية على تقويض الدولة الإسلامية في المغرب العربي والأندلس، لينتقلوا بعدها في صراع مستميت مع الدولة العثمانية التي وقفت لهم بالمرصاد، وما يميز هذا الدراسة أن الكاتب مزج بين التاريخ والتحليل السياسي، فأعطى الدراسة بعدها التاريخي والسياسي والاقتصادي.