كتب

دراسة تكشف ضعفا إعلاميا في الدفاع عن الأطفال الفلسطينيين

منذ بداية انتفاضة الأقصى قتلت سلطات الاحتلال آلاف الأطفال وأصابت عشرات الآلاف الآخرين..
الكتاب: "الفضائيات بين التضليل والتأثير.. انتهاكات حقوق الطفل الفلسطيني نموذجا"
المؤلفة: ولاء داود بطاط
الناشر: الأهلية للنشر والتوزيع، 2023


هذا الكتاب هو دراسة بحثية مطولة لأستاذة الإعلام المتخصصة في قضايا الطفل ولاء بطّاط، وهو حصيلة تجربة امتدت لأكثر من عقد من الزمن، جمعت فيه الباحثة خلاصات علمية وعملية بتحليل مضامين مجموعة من وسائل الإعلام في معالجتها للانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الطفل الفلسطيني. الباحثة تؤكد على دور الإعلام البارز في إظهار حقيقة ما يجري على الأراضي الفلسطينية من جرائم يرتكبها الاحتلال، وعلى دوره الكبير كذلك في طمس الحقائق أو تجاهلها أو التعامل معها باعتبارها أحداث عابرة، في الوقت الذي يقوم الاحتلال بتسخير كافة إمكانياته الإعلامية للترويج لروايته المضللة والزائفة. بطاط ترى أن أهمية الدور الذي يمارسه الإعلام تنشأ من قدرته على رفع الوعي الجماهيري في مختلف القضايا، وبخاصة قضايا الطفل، وباعتباره أداة تغيير أساسية تعمل على طرح أفكار سياسية واجتماعية وثقافية وتروج لها، ما يقود عادة إلى تغيير اجتماعي ملموس.

تتوقف بطاط في الفصل الأول من كتابها عند اتفاقية حقوق الطفل والمواثيق الدولية وما ورد فيها بخصوص دور الإعلام في الدفاع عن هذه الحقوق، والتصدي لانتهاكاتها، وتشرح الأدوار المتعددة للقنوات الفضائية في تغطية هذه الانتهاكات، ووظائفها المختلفة في التوعية بحقوق الأطفال بشكل عام، سواء كانت أدوارا إخبارية، أو تثقيفية، أو تعبوية. مستندة في بحثها هذا على تحليل مضامين مجموعة من القنوات العربية والأجنبية؛ مثل قنوات البي بي سي العربية، والجزيرة، وقناة فلسطين، وروسيا اليوم، ومن خلال استطلاع آراء إعلاميين عاملين في هذه القنوات. في هذا السياق أيضا تستعرض بطاط واقع الطفل الفلسطيني الصعب، حيث تترك الانتهاكات الاسرائيلية تأثيرا مدمرا على حياة ونفسية آلاف الأطفال الفلسطينيين.

فعلى سبيل المثال منذ بداية انتفاضة الأقصى قتلت سلطات الاحتلال آلاف الأطفال وأصابت عشرات الآلاف الآخرين، وتسببت للكثيرين منهم بصدمات نفسية نتيجة معايشتهم أحداث مروعة، إضافة إلى اعتقال ما يزيد عن ثلاثة آلاف طفل خلال الانتفاضة، وما زال أكثر من ثلاثمائة منهم يقبعون في السجون ومراكز الاعتقال في ظروف غير إنسانية، علما أنه في السنوات الأخيرة من 2014-2020 تزايدت هذه الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأطفال بشكل ملحوظ.

وبحسب تقارير المؤسسات الحقوقية فإن الأطفال المعتقلين يتعرضون للتنكيل والتعذيب وسوء المعاملة والإهمال الطبي، وتتراوح معظم أعمارهم ما بين 12-15 عاما، بينما وثقت الكثير من الفيديوهات اعتقال وتعذيب أطفال أعمارهم دون العشر سنوات. تقول بطاط أن وسائل الإعلام الفلسطينية الرسمية تخصص مساحة إعلامية للطفل تشمل جانبي الترفيه والتعليم، تقدم معلومات من شأنها رفع وعي الطفل الفلسطيني تجاه قضية بلاده وتؤكد على حق الفلسطيني بالعودة إلى أرضه، وتدعمه أيضا نفسيا، لكن الاحتلال يجرم وسائل الإعلام هذه، لمجرد أنها تقدم معلومات تاريخيةعن فلسطين، وتقوم باجتزاء المقاطع التي تعتبرها تحريضية وتقديمها للمجتمع الدولي كمادة تدين الإعلام الفلسطيني.

بحسب بحثها وجدت بطاط أن الفضائيات التي تناولتها الدراسة اهتمت بشكل عام بمعالجة الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الطفل الفلسطيني في الحياة والحماية، لكنها لم تظهر اهتماما وافيا بحقه في الحرية، كما لم تهتم نهائيا بالانتهاكات الإسرائيلية لحقوقه في المعرفة وحرية الرأي والتعبير. فركزت على موضوعات القتل والإصابات والتدمير، وأهملت مواضيع أخرى مثل الصحة، وعرقلة العملية التعليمية، والاحتجاز والاعتقال. كما لم تهتم هذه القنوات بإبراز المستوطنين والمحققين كطرف أساسي في ارتكاب الانتهاكات، رغم فظاعة الجرائم التي يرتكبونها بحق الأطفال، عدا عن أنها بشكل عام فشلت في إبراز موقف القانون الدولي في معالجة موضوعات الانتهاكات.

أشكال القتل

تقول بطاط أنه رغم أن إسرائيل هي أحد الأطراف الموقعة على اتفاقية حقوق الطفل بكافة بنودها إلا أنها تستمر في انتهاك هذه الحقوق بشكل يومي، فبالإضافة إلى ما تقوم به قوات الاحتلال من القتل المباشر للأطفال الفلسطينيين دون مبرر، فإنها تقتلهم أيضا دون اكتراث عندما تقصف بيوت وسيارات نشطاء المقاومة، أو عندما تترك خلفها بعد كل عملية إعادة انتشار عبوات ناسفة أو أجسام خطرة، فضلا عن أن العديد من الأطفال يموتون على الحواجز بعد منعهم من الوصول إلى المستشفيات. وفي غزة يتواصل تدهور الأوضاع الصحية للسكان ومن ضمنهم الأطفال، جراء النقص المستمر في الأدوية والمستلزمات الطبية، الوضع الذي يؤدي إلى فقدان المزيد من الأرواح بسبب الحصار المفروض على مدن وقرى قطاع غزة.

وفي سياق انتهاك حرية الأطفال الفلسطينيين تذكر بطاط أنه بحسب إحصائيات الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في فلسطين، فقد اعتقلت قوات الاحتلال بين عامي 2008-2020 نحو 3261 طفلا، حيث يتعرض هؤلاء في المعتقلات الإسرائيلية للمارسات غير قانونية ، فلا يسمح للأهل بحضور التحقيقات معهم، ويمنعون من الاستشارة القانونية، كما يتم إرغامهم على التوقيع على إفادات مكتوبة باللغة العبرية دون توفير أي ترجمة لمضمونها. بالإضافة إلى مساومتهم وابتزازهم لقبول الاتهامات في مقابل الإفراج عنهم، وفي حال رفضهم يتم تهديدهم باعتقال ذويهم. عدا عن تعرضهم للضرب أثناء الاعتقال والتحقيق، وتقييدهم، وتوجيه الشتائم لهم، وتهديدهم بالقتل والعنف الجنسي.

رغم أن إسرائيل هي أحد الأطراف الموقعة على اتفاقية حقوق الطفل بكافة بنودها إلا أنها تستمر في انتهاك هذه الحقوق بشكل يومي، فبالإضافة إلى ما تقوم به قوات الاحتلال من القتل المباشر للأطفال الفلسطينيين دون مبرر، فإنها تقتلهم أيضا دون اكتراث عندما تقصف بيوت وسيارات نشطاء المقاومة
على جانب آخر تذكر بطاط أن الأمم المتحدة وثقت في العام 2018 نحو 111 تدخلا إسرائيليا في التعليم في الضفة الغربية، بمعدل يزيد عن انتهاكين في الأسبوع الواحد. أكثر من نصف هذه الانتهاكات تخللها استخدام للذخيرة الحية، والغاز المسيل للدموع، وقنابل صوتية تم إطلاقها داخل أو حول المدارس من قبل القوات الإسرائيلية، تسببت بقتل العديد من الطلبة والمعلمين. كما يقوم الاحتلال في الكثير من الحالات بحصار المدارس، أو تعطيلها نتيجة فرض حظر التجول، او اقتحامها وتحويلها إلى ثكنات عسكرية.

معالجة قاصرة

ترى بطاط أن معالجة القنوات الفضائية العربية للانتهاكات الإسرائيلية تتفاوت في خصائصها وحجمها بحسب مواقفها السياسية، ورغم أنها بالإجمال معالجة جيدة إلا أنها ليست كافية مقارنة بفظاعة هذه الانتهاكات. أما القنوات الأجنبية فإنها وتحت عنوان الحيادية في الطرح تخفق كثيرا في تخصيص المساحة المناسبة لتغطية هذه القضية ومعالجتها بالشكل اللائق.

وهي في معظمها منحازة لإسرائيل نظرا لتؤثرها بالمواقف السياسية للدول التي تتبع لها. وتشير بطاط إلى أن هناك ضعف واضح لدى القنوات العربية والأجنبية على حد سواء في توظيف موقف القانون الدولي من هذه الانتهاكات، لافتة إلى أن القنوات الأجنبية يمكنها، في حال قدمت معالجة موضوعية للاعتداءات الإسرائيلية الكبيرة على حقوق الطفل الفلسطيني وعدم الانحياز للرواية الإسرائيلية، أن تحدث فرقا كبيرا وأثرا مهما في مواقف المجتمع الدولي. وتذكر هنا أن الفضائيات (عربية وأجنبية) غطت في السنوات الأخيرة الانتهاكات الإسرائيلية بشكل أفضل، حيث يرجح الكثير من الإعلاميين أن سبب ذلك دور مواقع التواصل الاجتماعي ونشاطها اللافت في نقل الأخبار وبث الفيديوهات سريعا، وحجم التفاعل الذي يحققه كل ذلك على مستوى واسع. ومع ذلك فإن معالجة الفضائيات لقضايا حقوق الطفل الفلسطيني ظلت موسمية، تعتمد على وقوع أحداث كبرى، أو ما قد يثار بين وقت وآخر على مواقع التواصل الاجتماعي.