صحافة دولية

كيف تفاقم مساعدات الاتحاد الأوروبي للبنان أزمة اللاجئين السوريين؟

سياسي: دعاية من بروكسل إلى بيروت دون ضمان الحكم أو التحقيق في الفساد- إكس
سياسي: دعاية من بروكسل إلى بيروت دون ضمان الحكم أو التحقيق في الفساد- إكس
قرر الاتحاد الأوروبي منح الحكومة اللبنانية مبلغ مليار يورو لمساعدة البلاد على التعامل مع الأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين، وسط تخوفات من أن يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية ويزيد من الهجرة غير النظامية.

وسرعان ما أصبح هذا الترتيب لا يحظى بشعبية في الأوساط اللبنانية، وزاد من التوتر والغضب لدى الشعب بعد وقت قصير من الإعلان عن الصفقة الأسبوع الماضي بين الاتحاد الأوروبي ولبنان.

ونشرت صحيفة "دويتشه فيله" تقريرًا، ترجمته "عربي21"، نقلت فيه عن جبران باسيل، أحد السياسيين المعارضين في لبنان، قوله في مقابلة: "اللبنانيون.. الشعب ليس للبيع ولا للإيجار"، كما اشتكى سياسيون من ائتلاف معارض في بيان لهم من أن "المجلس العسكري الحاكم بادل أمن اللبنانيين واستقرارهم ومستقبلهم بـ 30 قطعة من الفضة".

وقال حليم القعقور، السياسي الذي شارك في الاحتجاجات المناهضة للفساد في عام 2019 قبل انتخابه لمنصب الرئاسة، على وسائل التواصل الاجتماعي: "إنها دعاية من بروكسل إلى بيروت، دون ضمان الحكم أو التحقيق في الفساد".

اظهار أخبار متعلقة


لماذا أثار الاتفاق الأوروبي اللبناني الغضب؟
وذكرت الصحيفة أنه تم الإعلان عن الصفقة الخميس الماضي خلال زيارة قامت بها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس إلى بيروت، وهي تتألف من حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو للبنان، تبدأ هذا العام وتستمر حتى عام 2027. وتهدف معظم الأموال - حوالي 736 مليون يورو - إلى مساعدة لبنان على رعاية اللاجئين، ومعظمهم من السوريين، والباقي هو مساعدة لبنان على تحسين مراقبة الحدود والهجرة.

وأفادت الصحيفة أن لبنان لديه واحدة من أكبر نسب اللاجئين للفرد في العالم؛ حيث يستضيف لبنان، الذي يبلغ عدد سكانه أكثر من 5.2 ملايين نسمة، ما يقدر بنحو 1.5 مليون سوري، فر معظمهم من سوريا المجاورة خلال الحرب الأهلية في بلادهم التي بدأت في عام 2012، ومنذ تلك البداية كانت هناك توترات بين اللبنانيين الأصليين والنازحين السوريين، ولم تؤد الأزمات الاقتصادية والسياسية الأخيرة التي شهدها لبنان إلا إلى تفاقم هذا الوضع.

ووفق الصحيفة؛ فقد دعا السياسيون الشعبويون إلى طرد السوريين غير المسجلين، وأفادت جماعات حقوق الإنسان أن قوات الأمن اللبنانية تعيد المهاجرين السوريين قسرًا إلى وطنهم عن طريق التقاطهم من الشارع، ثم إسقاطهم على الحدود، وفي سوريا؛ من المرجح أن تقوم القوات الموالية للديكتاتور السوري بشار الأسد بسجن أو تعذيب أو قتل العائدين، أو تجنيدهم في الجيش السوري.

ونتيجة لهذه التوترات المتزايدة وعمليات الترحيل، يحاول المزيد من السوريين مغادرة لبنان، وقد وصلت أعداد قياسية إلى قبرص، أقرب الأراضي الأوروبية، لطلب اللجوء، وفي الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، سجلت قبرص 2000 وافد جديد عن طريق البحر، بينما في نفس الفترة من العام الماضي كان هناك 78 وافدًا، ومن المفترض أن تساعد حزمة المساعدات الأوروبية في معالجة هذه المشكلة، لكن في الواقع، يقول مراقبون لـ"دويتشه فيله"، إنه من المرجح أن يجعل الأمور أسوأ.

اظهار أخبار متعلقة


رشوة أوروبية؟
وأشارت الصحيفة إلى أنه بداخل لبنان؛ تشير اتهامات رشوة الاتحاد الأوروبي إلى حقيقة أن بعض اللبنانيين يعتقدون أن الاتحاد الأوروبي يدفع لإبقاء السوريين غير المرغوب فيهم في بلادهم، في الواقع؛ تفاقم الجدل إلى درجة أن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، بعد أيام قليلة من زيارة الأوروبيين، نفى علنًا أن بلاده تتلقى "رشوة" خلال مقابلة تلفزيونية.

وبينت الصحيفة أنه يمكن - في بعض النواحي - تفهُّم لماذا يفكر اللبنانيون بهذه الطريقة؛ وفقًا لرأي فيليب دام، مدير منظمة هيومن رايتس ووتش في الاتحاد الأوروبي ومقرها بروكسل، الذي أوضح أنه "قد يكون هناك القليل من الحقيقة في ذلك عندما تنظر إلى نهج المعاملات الذي يتبعه الاتحاد الأوروبي تجاه الهجرة غير الشرعية ويدفع بشكل أساسي لدول أخرى لإبقاء الناس بعيدا"، مشيرًا إلى صفقات مماثلة أبرمت مع تركيا وتونس.

وبحسب دام فإنه بالإضافة إلى ذلك؛ لا تزال تفاصيل الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي ولبنان غير واضحة، وهو ما يسبب التوتر أيضًا. وقد تكون هناك بعض الخطوات الإيجابية في الصفقة؛ مثل دعم الخدمات الأساسية في لبنان.

وتابع دام: "لكن [فون دير لاين] قالت أيضًا بعض الأشياء الإشكالية للغاية"، مبينًا: "لقد أعلنت دعمها لقوات الأمن اللبنانية في مجال الهجرة وإدارة الحدود، الأمر الذي قد يكون إشكاليًّا. لأن هؤلاء الأشخاص هم الذين يمارسون الترحيل القسري للسوريين".

وأشار إلى أنها "تحدثت أيضا عن نهج منظم للعودة الطوعية وأشارت إلى دعم السوريين الذين يعيشون في سوريا بطريقة تفضل العودة على الحماية الحقيقية"، في إشارة إلى حقيقة أن المنظمات الحقوقية، بما في ذلك منظمته، تشعر بالقلق من أن هذا قد تكون خطوة نحو الاعتراف بأجزاء من سوريا آمنة للعودة إليها.

ولفتت الصحيفة إلى أن حكومات ألمانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا قالت في بيان مشترك في آذار/مارس: "الحرب في سوريا لم تنته بعد"، ويضيف البيان: "شروط العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين إلى سوريا، بدعم من المجتمع الدولي، لم يتم استيفاؤها بعد".

اظهار أخبار متعلقة


صفقة "خطيرة" للاجئين السوريين
ونقلت الصحيفة عن كيلي بيتيلو، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن الأمر لم يكن يتعلق أبدًا بدعم اللاجئين السوريين، حيث تقول: "يتعلق الأمر أولَا وقبل كل شيء بمنع الهجرة إلى قبرص وإلى بقية أوروبا".

واعتبرت بيتيلو أن إعطاء الأموال للجيش اللبناني "يعني المزيد من انعدام الأمن للاجئين السوريين. فهم يواجهون المزيد من الضغوط للمغادرة بمفردهم أو يتم ترحيلهم"، ووفقًا لها فسيؤدي ذلك إلى عكس ما تريد فون دير لاين تحقيقه على ما يبدو، مما سيخلق المزيد من الضغط على السوريين للتحرك نحو أوروبا.

ويوافق على ذلك ويليم ستيس، مسؤول سياسة الشرق الأوسط في منظمة 11.11.11 ومقرها بلجيكا، والتي تضم 60 منظمة غير حكومية وحقوقية، والذي أشار إلى استطلاع أجرته منظمته في أواخر نيسان/أبريل على السوريين في لبنان، والذي أظهر أن الغالبية العظمى من المشاركين يشعرون بالقلق الشديد من ترحيلهم وسط تدهور الوضع الأمني للسوريين في لبنان، وقال 88 بالمئة إن ذلك كان له تأثير مباشر على قرارهم بمحاولة الوصول إلى أوروبا.

الاتفاق اللبناني "مدفوع بمخاوف انتخابية"
وتابعت الصحيفة نقلًا عن ستيتس الذي قال: "إن [الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي ولبنان] هو في الواقع نوع من الألعاب الأولمبية الغبية، فبدلًا من اتخاذ إجراءات فعالة ضد عمليات الترحيل هذه، ستمنح فون دير لاين الجيش اللبناني المزيد من الأموال وتزيد من قدرته على انتهاك القانون الدولي".

وأضاف ستيتس أنه من غير الممكن أن يؤدي ذلك إلى تحسين حياة اللاجئين السوريين أو حتى المواطنين اللبنانيين، وقال في تصريحات لـ"دويتشه فيله": "هذه الصفقة خطيرة وستؤدي إلى المزيد من الوفيات والمزيد من العنف والمزيد من الهجرة غير الشرعية، وهي مؤشر على سياسات أوروبية إشكالية تحركها فقط المخاوف الانتخابية، وليس الحقائق على الأرض".

واختتمت الصحيفة التقرير بالقول، إن الخبراء اتفقوا على أن الشيء الجيد الوحيد المحتمل في الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي ولبنان هو حقيقة أنه يجدد التركيز على مشاكل لبنان، حيث يقول ستيس: "إن تحرك الاتحاد الأوروبي طال انتظاره"، مبينَا أن الخطة الفائزة ستتضمن قيام لبنان بإنهاء عمليات الترحيل القسري، ومنح المزيد من السوريين إقامة مؤقتة وتصاريح عمل. وفي الوقت نفسه، يستطيع الاتحاد الأوروبي تسهيل المزيد من الهجرة القانونية إلى أوروبا ووضع حزمة اقتصادية لمساعدة الشعب اللبناني.
التعليقات (0)