تتسارع التطورات منذ أشهر باتجاه النظام السوري: الأسد يقوم بجولة
ثلاثية شملت عُمان وموسكو وأبوظبي، فيما يتصاعد التحرك العربي باتجاه إعادة
سوريا
إلى الجامعة العربية.
فجأة، تدخل
السعودية على الخط علنا بعدما كان تحركها لسنوات مضمرا..
تُعلن أنها بصدد إعادة
العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، موقف سمح لاحقا
باستقبال المملكة لوزير خارجية النظام فيصل المقداد في جدة عشية الاجتماع التشاوري
في جدة الذي ضم دول مجلس التعاون الخليجي وكل من والأردن ومصر والعراق واليمن،
لمناقشة الوضع السوري، لتعقبها استقبال الأسد لوزير الخارجية السعودي فيصل بن
فرحان في دمشق، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ أكثر من 12 عاما.
أشارت جميع المعطيات التي سبقت هذا الاجتماع بأن الدول المجتمعة
ستتخذ قرارا بإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية وطي صفحة النزاع معه.
لكن، اجتماع جدة انتهي وسط مفاجآت لم تكن متوقعة: الأردن ـ عراب
الانفتاح الإقليمي على دمشق ـ يرفض إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية،
وتزداد المفاجأة حين تنضم مصر إلى هذا الموقف مع اليمن والكويت والمغرب، كل
لأسبابه الخاصة.
بدا هذا واضحا من خلال البيان الختامي للاجتماع الذي لم يتضمن أية
إشارة إلى عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ولا إلى حضورها قمة الرياض، ولم يشر
البيان إلى القرار الدولي 2254 باعتباره المرجعية القانونية للحل السياسي في سوريا.
الموقف الأردني
بحكم الجوار الجغرافي والتأثيرات السلبية المترتبة عن ذلك، يصر
الأردن على أن الانفتاح على النظام السوري يجب أن يأتي ضمن شروط محددة على النظام
السوري تنفيذها، لا سيما الشروط الخاصة بالأردن: توقيف تهريب الكبتاغون، والبدء
بعودة اللاجئين السوريين من أراضيها ضمن خطة زمنية يتم التوافق عليها.
الرفض الأردني لإعادة النظام إلى الجامعة العربية دون حل هاتين
المسألتين، يعني من وجهة نظر عمان أن هاتين المشكلتين ستتحولان إلى مشكلتين
محصورتين بين الدولتين، وهذا ما يرفضه الأردن في ظل افتقاده لأدوات الضغط على
النظام السوري.
ووفقا للمقاربة الأردنية للحل في سورية، لا بد من اتباع سياسة الخطوة
الخطوة في إنهاء الأزمة والسماح في نهاية المطاف لسوريا بالعودة إلى جامعة الدول
العربية.
الموقف المصري
وإذا كان الموقف الأردني مفهوما، فإن الموقف المصري بدا غريبا في ظل
الحراك الذي قامت به القاهرة خلال السنوات السابقة لإعادة النظام إلى المنظمة
العربية، وفي ظل العلاقات الأمنية وربما السياسية المضمرة التي لم تنقطع منذ
انقلاب السيسي عام 2013.
لكن القاهرة التي صنعت "منصة القاهرة" السورية ودفعت
لإدخالها إلى "الهيئة العليا للمفاوضات" التابعة للمعارضة من جهة، وبحكم
ارتباطاتها الدولية مع الولايات المتحدة ودول أوروبية من جهة أخرى، تريد أن تكون
عودة النظام السوري ضمن مسار سياسي، حتى وإن كان طويلا، لحل الأزمة السورية وفق
الشرعة الدولية المتفق عليها الآن.
إن عودة النظام السوري إلى الحاضنة العربية ليست عملية مقتصرة على مقعد يتم ملؤه، بل يتعلق الأمر بدور إقليمي كانت تقوم به سوريا سابقا، وهذا الدور غير ممكن الآن، ولا تستطيع دمشق القيام به في ظل العقوبات والحصار السياسي والقانوني الغربي، إذا ما ظلت متمسكة بعدم تقديم أية تنازلات سياسية وقانونية.
تكمن المقاربة المصرية من موقع مصر الجغرافي الذي يفرض عليها رؤية
الأمور من منظار مختلف عن باقي الدول العربية: إن إعادة النظام إلى المجموعة
العربية لا يحل الأزمة السورية التي أصبحت ثقلا عربيا كبيرا، وبالتالي لا بد من حل
للأزمة عبر إشراك المعارضة الكبيرة في الحل، وإيجاد حل لمشكلة اللاجئين السوريين،
ليس وفق تفاهمات سياسية متغيرة، وإنما وفق قوانين واتفاقيات.
إن عودة النظام السوري إلى الحاضنة العربية ليست عملية مقتصرة على
مقعد يتم ملؤه، بل يتعلق الأمر بدور إقليمي كانت تقوم به سوريا سابقا، وهذا الدور
غير ممكن الآن، ولا تستطيع دمشق القيام به في ظل العقوبات والحصار السياسي
والقانوني الغربي، إذا ما ظلت متمسكة بعدم تقديم أية تنازلات سياسية وقانونية.
الموقف اليمني
يظهر الموقف اليمني غريبا بعض الشيء، فالحكومة الشرعية اليمنية لا
تستطيع اتخاذ موقف مثل هذا دون موافقة السعودية، والأصح أن الرياض هي التي طلبت من
اليمن اتخاذ هذا الموقف.
بعيد الاتفاق السعودي ـ الإيراني، جرى التفاهم على حلحلة الملفات
الإقليمية العالقة، خصوصا الملفين اليمني والسوري، لكن الرياض التي التزمت بذلك
وقامت بخطوات واضحة تجاه دمشق، لا تبدو مستعجلة على تقديم أوراقها لإيران دون
الحصول على مقابل، ولذلك أوعزت إلى اليمن إلى اتخاذ هذا الموقف، ناهيك عن عدم
رفضها لقرار قطر القديم ـ الجديد الرافض إلى إعادة النظام إلى الجامعة العربية
قبيل إزالة الأسباب التي أدت عام 2011 إلى طرده منها.
الموقف الكويتي
اتخذت الكويت منذ انطلاق الثورة السورية موقفا حياديا في عدم تقديم
أي دعم لطرف ضد طرف آخر، سواء سياسيا أو ماليا أو عسكريا، وارتكز دورها على تقديم
المساعدات الإنسانية فقط.
وإذا كانت الكويت قد أعلنت مؤخرا أنها لن تخرج على الإجماع العربي
حيال سوريا، إلا أنها أكدت على أهمية وضرورة أن تسير هذه العملية وفق الأسس والأطر
السليمة واحترام قرارات جامعة الدول العربية التي من بينها أهمية اتخاذ النظام
السوري خطوات حقيقة وملموسة نحو إجراءات بناء الثقة، بما في ذلك إطلاق سراح السجناء
والمعتقلين، والكشف عن مصير المفقودين، وتسهيل عودة اللاجئين والنازحين، وتسهيل
عملية وصول المساعدات الإنسانية لكافة المحتاجين في مختلف المناطق السورية،
واستئناف أعمال اللجنة الدستورية وصولا إلى المصالحة الوطنية.
بعد كل ذلك، ألا يجب علينا طرح هذا السؤال المحوري: إذا كانت الدول
العربية هذه تشترط هذه الشروط قبل عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، فلماذا
أقدمت على خطوات أحادية الجانب تجاه دمشق، والمقصود هنا السعودية؟
أليس من الأصح ـ من الناحية السياسية ـ أن يقوم النظام أولا بتقديم
خطوات لبناء الثقة، باعتباره الطرف الأضعف.
لا يبدو لي أن ثمة إجابة واضحة لهذا السؤال، وإن كان يظهر المراهقة
السياسية لكثير من الدول العربية من جهة، ويظهر بالمقابل أن العمل الجماعي العربي
الموحد والمنظم ما يزال غائبا.