اقتصاد عربي

توقعات بـ"رفع قياسي" لأسعار الوقود في تونس.. ما تداعياته؟

رفعت تونس أسعار الوقود 5 مرات خلال العام الماضي - جيتي
بدأت الحكومة التونسية تخطط لإلغاء الدعم عن الوقود في إطار إصلاح منظومة دعم المحروقات استجابة لطلبات صندوق النقد الدولي للحصول على قرض تعوّل عليه تونس من أجل الخروج من أزمتها الاقتصادية، ما يثير مخاوف بشأن تأثر قطاعات أخرى برفع أسعار الوقود.

وتتفاوض الحكومة التونسية مع خبراء صندوق النقد الدولي حول خطة إصلاحية متوسطة الأمد، حيث أوصى الصندوق بتعديل أسعار مواد البنزين العادي والغازوال والبنزين الخالي من الرصاص لتبلغ أسعارها الحقيقية المتداولة في السوق العالمية، في غضون سنة، على أن يطبق التعديل الآلي للأسعار خلال الأشهر المقبلة.

ويتوقع تقرير إطار الموازنة متوسط المدى الذي نشرته وزارة المالية التونسية أن يتم بلوغ الأسعار الحقيقية للمحروقات في تونس في أفق عام 2023، في الوقت الذي يتوقع فيه أن يتم رفع الأسعار بنسبة 7 بالمئة على الأقل في المرحلة الأولى.

 ويبلغ سعر برميل النفط الخام حاليا حوالي 79 دولارا، أي أقل من الفرضية التي بُنيت عليها موازنة الدولة للعام الجديد (89 دولارا).

ونهاية العام الماضي، أصدرت وزارتا الصناعة والطاقة والمناجم، والمالية قرارا مشتركا يتعلق بتنقيح القرار المتعلق بضبط تركيبة وسير اللجنة الفنية المكلفة بضبط ومتابعة أسعار بيع منتجات النفط الجاهزة الموردة والمكررة محليا.

وذكر القرار المنشور في الرائد الرسمي (الجريدة الرسمية) أنه لا يمكن أن تتجاوز قيمة التعديل الشهري لسعر البيع للعموم بالترفيع أو بالتخفيض نسبة 7 بالمائة من سعر البيع الجاري به العمل منذ آخر تعديل، علما أن هذه النسبة كانت في حدود 3 بالمئة قبل أن يتم الترفيع فيها إلى 5 بالمئة العام الماضي.

أسعار جديدة


وبناء على خطة الإصلاح الاقتصادي التي تقدمت بها الحكومة التونسية لخبراء صندوق النقد الدولي، فإنه من المتوقع بلوغ الأسعار الحقيقية نهاية الربع الثالث من سنة 2023.

وأمام توصيات صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يشمل التعديل أسعار البنزين الرفيع الخالي من الرصاص ليصبح سعره بين 4.1 و4.3 دنانير (1.33 و1.39 دولار)، مقارنة بـ2.525 دينار (78 سنتاً) للتر الواحد حاليا.

كما يتوقع أن يبلغ سعر الغازوال (السولار) بدون كبريت "الممتاز" 2.7 و2.9 دينار (78 و94  سنتاً)، مقارنة بسعره الحالي البالغ 2.2 دينار (71 سنتاً).

جدير بالذكر، أن مدير عام المحروقات بوزارة الصناعة والمناجم والطاقة، رشيد بن دالي، توقع خلال العام الماضي أن تصل الأسعار الحقيقية للمحروقات في تونس إلى 4.5 دنانير (1.46 دولار).

وخلال العام الماضي، أقرت تونس رفعا في أسعار المحروقات 5 مرّات،  بزيادة 3 بالمئة في شهر شباط/ فبراير، و3 بالمئة في شهر آذار/ مارس، و5 بالمئة في نيسان/ أبريل، و3.9 بالمئة في منتصف أيلول/ سبتمبر، و5.5 بالمائة في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر، ليرتفع ثمن بيع الوقود بنسبة 20.4 بالمئة إجمالا.

وخلال الزيادة الأخيرة، قالت وزارة الطاقة التونسية في بلاغ إن القرار جاء بسبب "ما تشهده السوق العالمية للطاقة من اضطرابات تتعلق بتقلص الإمدادات وارتفاع كلفة التزود بالمواد البترولية منذ بداية السنة ليرتفع معدل السعر بالنسبة لخام برنت ومن المنتظر أن يبلغ مستوى الـ100.5 دولار للبرميل موفى سنة 2022".

وأضاف البلاغ أن رفع أسعار الوقود يأتي في إطار "السعي لتغطية مختلف حاجيات السوق المحلية من هذه المواد بصفة منتظمة وتفادي أي اضطرابات في التزويد".

وتضمن قانون الموازنة الذي أقرته الحكومة نهاية العام الماضي بعض الإصلاحات الاقتصادية التي تم الاتفاق عليها مع خبراء صندوق النقد الدولي بما في ذلك رفع الدعم، حيث تسعى تونس إلى مراجعة تكلفة الدعم بـ3.2 مليارات دينار (مليار دولار).

"رؤية غير واضحة"


وفي تعليق، قال الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي رضا الشكندالي إن رفع الدعم سيشمل 3 قطاعات حيوية تتمثل في المحروقات، بتكلفة 2 مليار دينار (650 مليون دولار) والمواد الأساسية بتكلفة 1.2 مليار دينار (390 مليون دولار) والنقل.

وفي تصريح لـ"عربي21"، اعتبر الشكندالي أن هذا المبلغ كبير جدا بالنسبة لرفع الدعم خلال فترة عام واحد، مشددا على أن رفع الدعم بسرعة كبيرة عن المحروقات خلال 2023 سيكون له تداعيات مباشرة على أسعار الوقود.

وأضاف: "كما سيكون لقرار رفع الدعم عن قطاع المحروقات تداعيات غير مباشرة على كل المواد الأساسية لارتباطها بقطاع الوقود، حيث سيتسبب في رفع أسعار عدة مواد هامة مثل الزيوت والحبوب، التي تمثل أبرز مكونات المنتجات المتوفرة في السوق التونسية".

وتابع الخبير الاقتصادي قائلا: "إذا، رفع الدعم عن قطاع المحروقات سيتسبب في رفع أسعار المواد الأساسية، المشمولة أصلا بقرار رفع الدعم، شأنها شأن قطاع النقل، حيث من المتوقع أن نشهد زيادة في تعريفة وسائل النقل، سواء كانت عمومية أو خاصة".

واعتبر الأستاذ الجامعي في الاقتصاد أنه "ليست هناك رؤية واضحة تطابق برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، الذي أوصى بتوجيه الدعم إلى مستحقيه من العائلات الفقيرة ومتوسطة الدخل".

وقال: "لم يتم توجيه مليم واحد لمستحقي الدعم. في الحقيقة برنامج إصلاح الدعم وتوجيهه إلى مستحقيه بدأ منذ عامين، لكن المعنيين به الآن ليسوا هم أنفسهم الذين استحقوه في الماضي باعتبار أن الطبقة الوسطى في تونس ازدادت بفعل الأزمة الاقتصادية"، خاتما بالقول إن "برنامج الإصلاح هذا لا جدوى منه".


ومن جهة أخرى، قال تقرير إطار الموازنة متوسط المدى إن الحكومة ستعمل على إرساء التعديل الدوري لتسعيرة الكهرباء والغاز إلى غاية بلوغ حقيقة الأسعار المتوقعة في نهاية سنة 2026 مع مراعاة الأسر الفقيرة وضعيفة الدخل إضافة إلى مواصلة دعم النقل العمومي كإجراء لدعم الأسر والفئات الاجتماعية ضعيفة ومتوسطة الدخل.

كما تتضمن إجراءات إصلاح منظومة دعم المحروقات التي قررتها الحكومة، تشجيع استثمار القطاع الخاص في إنتاج الكهرباء وخاصة في مصادر الطاقة المتجددة وسيقع إنشاء هيئة تعديلية لحوكمة القطاع ومراقبته في نهاية الثلاثي الأول من 2023، وفق التقرير.