اقتصاد عربي

ما تبعات قرار مصر بتحرير سعر الصرف ورفع الفائدة؟

قال خبراء إن الحكومة المصرية تخطط إلى طلب قرض من صندوق النقد الدولي- جيتي

قرر البنك المركزي المصري، في اجتماع استثنائي الخميس، اعتماد سعر صرف مرن للجنيه مقابل العملات الأجنبية، ورفع أسعار الفائدة، في قرارات يرجح مراقبون أنها مدفوعة بمطالب صندوق النقد الدولي، وسط مخاوف من تأزم كبير لأوضاع المصريين.

تلك القرارات تبعها بنحو 3 ساعات الإعلان عن توصل موظفي صندوق النقد الدولي والسلطات المصرية إلى اتفاق بشأن السياسات الاقتصادية الشاملة والإصلاحات التي سيتم دعمها بترتيب تسهيل الصندوق الممدد (EFF) لمدة 46 شهرا، بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي، وفق موقع "الوطن" المحلي.

وقررت لجنة السياسات النقدية رفع أسعار الفائدة على عائدي الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية1ن بواقع 200 نقطة أساس ليصل 13.25 بالمئة و14.25 بالمئة و13.75 بالمئة، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم واقع 200 نقطة أساس لـ13.75 بالمئة.

وقال المركزي إنه قرر تحقيق سعر صرف قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية، وتركها لقوى العرض والطلب في إطار نظام سعر صرف مرن، وهو الأمر المرتبط في أذهان المصريين بانهيار العملة المحلية وزيادة التضخم، كما حدث في التعويم الأول تشرين الثاني/ نوفمبر 2016.

وأكد البنك أنه سيعمل على بناء وتطوير سوق المشتقات المالية؛ بهدف تعميق سوق الصرف الأجنبي، ورفع مستوى السيولة بالعملة الأجنبية.

وأشار إلى أن سعر الصرف سيعكس قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية الأخرى بواسطة قوى العرض والطلب في إطار سعر صرف مرن، مع إعطاء أولوية للهدف الأساسي للبنك المركزي المتمثل في تحقيق استقرار الأسعار.

كما قرر الإلغاء التدريجي لنظام الاعتمادات المستندية في عمليات تمويل الاستيراد، والتي يجري العمل بها منذ شباط/ فبراير الماضي، حتى إتمام الإلغاء الكامل لها في كانون الأول/ ديسمبر المقبل، ما يعني العودة للنظام القديم عبر "مستندات التحصيل".


"مقدمات التعويم"

قرار اعتماد سعر صرف مرن للجنيه، يأتي قبل أيام من قدوم وفد صندوق النقد الدولي مطلع نوفمبر المقبل، لمراجعة توجيهاته بشأن حصول مصر على قرض من الصندوق، تأخر كثيرا بعد طلب القاهرة له منذ آذار/ مارس الماضي.


أيضا، هذا القرار يأتي بعد يوم واحد من إقرار الحكومة المصرية علاوة 300 جنيها لموظفي الدولة وأصحاب المعاشات، ورفع الحد الأدنى للأجور بنفس القيمة، ما يعني وفق مراقبين أن الزيادة الضعيفة تلك كانت تمهيد لتلك القرارات التي ستلهب الأسواق.

ويجيء كذلك، بعد أيام من حديث محافظ البنك المركزي حسن عبدالله، عن إنشاء "مؤشر الجنيه المصري" لقياس مستوى سعره أمام العديد من العملات الأخرى والذهب، وذلك خلال كلمته ضمن فعاليات المؤتمر الاقتصادي الأحد الماضي.

 

لكن قرار رفع سعر الفائدة جاء بعد قرارات سابقة متتالية من المركزي المصري بتثبيتها، والتي كان آخرها في أيلول/ سبتمبر الجاري، عندما أبقى على أسعار الفائدة دون تغيير.

"ردود فعل السوق"

وفي أول رد فعل للسوق، واصل الدولار ارتفاعه مقابل الجنيه، مسجلا بعد نحو ساعة من القرار نحو 22.25 جنيها كأعلى مستوى له على الإطلاق، وتراجع تاريخي للجنيه يمثل خسارة له بنحو 15 بالمئة.

ومنذ آذار/ مارس الماضي، خسر الجنيه المصري الكثير من قيمته أمام الدولار، ليرتفع من معدل 15.60 جنيها إلى 19.77 الخميس، لكنه في السوق السوداء كان يتراوح بين 23 إلى 24 جنيها، حتى أمس الأربعاء.

وتدور التوقعات الآن بعد التعويم الكامل لسعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار حول وصوله سعره في أيام قليلة إلى 24 أو 25 جنيها رسميا، وفي السوق السوداء إلى معدل أكبر.

"لهما ما بعدهما"

وحول أسباب اتخاذ المركزي المصري قراره بتحرير سعر صرف الجنيه وآخر استثنائيا برفع سعر الفائدة، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب، إن رفع أسعار الفائدة بحسب بيان البنك، لأجل دعم هدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط".

وأضاف لـ"عربي21": "في اعتقادي أنها خطوة كانت مؤجلة بعد تعيين قائم بعمل محافظ البنك المركزي"، لافتا إلى أن القرار الثاني بإقرار سعر صرف مرن يعد تحريرا فعليا وكاملا للجنيه.

وبشأن دلالة القرارين، وعلاقتهما بقرض صندوق النقد الدولي، يعتقد أنهما "وحتى المؤتمر الاقتصادي (عقد من الأحد إلى الثلاثاء)، كانوا من ضمن آليات التحضير لاستكمال متطلبات توقيع الاتفاق للحصول على قرض صندوق النقد الدولي".

وأكد أن للقرارين تأثيرهما على السوق المصري، موضحا أن "الأثر على السوق المحلي سيختلف باختلاف الإجراءات التنفيذية لهذين القرارين، لكن المؤكد أنه سيكون هناك ارتفاع في أسعار السلع والخدمات".

 

اقرأ أيضا: ردود فعل غاضبة بمصر بعد هبوط تاريخي للجنيه

"زيادة الأعباء"

 

وفي رؤيته، قال الخبير الاقتصادي المصري عبد الحافظ الصاوي، إن "كل ما اتخذه البنك المركزي من قرارات اليوم، وبالفترة السابقة، منذ تعيين حسن عبدالله قائما بأعماله 18 آب/ أغسطس الماضي، هو ترتيب لأجندة مصر للحصول على قرض صندوق النقد الدولي".

الصاوي، أعرب في حديثه لـ"عربي21" عن أسفه من أن "هذه الإجراءات مسكنات، ولن ترقى أبدا لعلاج مشكلة مصر الاقتصادية والمالية".

وبين أنها "لا تنتج ولن تحل مشاكلها إلا بزيادة ناتجها المحلي الإجمالي عبر مصادر إنتاجية لتوفير السلع والخدمات بموارد محلية مصرية/ وإنتاج يقلل الاعتماد على الخارج/ حتى تنضبط معادلة مصر مع العالم، وتقل المدفوعات بالدولار، وتزيد التدفقات الدولارية".

وأكد أن "رفع سعر الفائدة اليوم سيمثل عبئا على المنتجين المصريين، ويرفع تكلفة الإنتاج هذه واحدة، وثانيا: فإن معدل التضخم سيكون أعلى بكثير من سعر الفائدة المعروض عند 13.25 بالمئة، وبالتالي لن يكون محفزا للمدخرين على إيداع أموالهم بالبنوك

ولفت إلى أن "البنوك في آب/ أغسطس الماضي، طرحت شهادات بسعر فائدة 18 بالمئة، وهناك أكثر من سعر فائدة"، مشيرا إلى أن "اللعب على وتر سعر الفائدة يثبت فشل الحكومة بتوفير مناخ استثمار قادر على سحب مدخرات المصريين وتوفيرها لمشروعات استثمارية بالقطاع العام أو الخاص".

وقال الخبير المصري، إن "المصريين فقدوا الثقة في قدرات الحكومة وأدواتها ومشروعاتها؛ لذا فتلك القرارات تعني مزيدا من الأعباء على المصريين، ورفع تكلفة الإنتاج، ورفع سعر السلع والخدمات في ظل ثبات دخول المصريين".

وألمح إلى أن "الزيادة التي قررتها الحكومة الخميس بدخول الموظفين لا تعبر عن معادلة عادلة للعلاقة بين الأجور والأسعار؛ لأن الفارق بينهما كبير، ولو نظرنا للحد الأدنى للأجور عند 2700 جنيه حينما كان سعر الصرف 15.60 جنيها، فإنه أفضل بكثير من الحد الجديد عند 3 آلاف جنيه بسعر صرف 19.77 حتى أمس".

وختم الصاوي، حديثه بالقول: "نحن أمام معادلة تعكس حالة تخبط الإدارة الاقتصادية، والإصرار على حلول آلية ومسكنات، والفشل في تحقيق الوصول إلى معالجة جذرية لمشكلة مصر الاقتصادية".

"إلى عجز وتضخم"

 وقال أكاديمي مصري، فضل عدم ذكر اسمه في حديثه لـ"عربي21": "قام البنك المركزي بتحرير سعر صرف الجنيه تنفيذا للاتفاق مع صندوق النقد الدولي، لأن من أهداف برامج الإصلاح الاقتصادي الصادرة من الصندوق تحرير سعر صرف العملة".

وأضاف: "وكذلك تركها لقوى العرض والطلب، حتى يعبر سعر الصرف عن القيمة الحقيقية للجنيه"، مبينا أن "قيمة الجنيه تتحدد بناء على إنتاج السلع والخدمات، وبمعنى آخر كلما زاد الإنتاج كلما ارتفعت قيمة الجنية، والعكس صحيح".

أستاذ الاقتصاد بإحدى الجامعات المصرية، أكد أنه "يترتب على تحرير سعر صرف الجنيه طبقا لقرار البنك المركزي ارتفاع أسعار السلع والخدمات المستورة، ما يؤدي إلى عجز ميزان المدفوعات".

وأشار إلى أن "الاقتصاد المصري يستورد أكثر مما يصدر، وفي العام الماضي وصل عجز ميزان المدفوعات ما يزيد على 60 مليار دولار، ما يعني ارتفاع معدل التضخم، وانعكاس ذلك على الطبقات محدودة الدخل (أكثر من ثلث سكان مصر)".

وبخصوص سعر الفائدة، قال إن "من أهداف برنامج الإصلاح الاقتصادي تحرير الأسعار وبينها أسعار الفائدة، فالبنك المركزي يعتقد أن سبب ارتفاع معدل التضخم زيادة الطلب، ولكن يوجد جزء كبير يرجع إلى تضخم التكاليف، ورفع سعر الفائدة يعمل على مزيد من رفع التكاليف، وبالتالي ارتفاع قيمة المنتج النهائي".

وأوضح أنه بشكل عام، فإن "انعكاسات تحرير سعر صرف الجنيه ورفع سعر الفائدة على الأسعار في مصر، وهي جوهر برنامج الصندوق والبنك الدوليين، الذي يركز على إلغاء الرقابة على الأسعار، والتدخل الحكومي في الأسواق، وإلغاء الدعم، وزيادة أثمان السلع والخدمات".

ويرى أنه "طبقا للاتفاق مع صندوق النقد الدولي تقوم الحكومات بزيادة أسعار الطاقة (البنزين، الغاز، البوتاجاز... إلخ)، كما يتم فرض ضرائب جديدة، وزيادة الرسوم على الخدمات العامة (الصحة، التعليم، الاتصالات، الكهرباء، المياه، البريد... إلخ)، وكل ذلك للوصول للأسعار العالمية".