الكتاب: فجر الصحافة العربية وتحديات العصر.
المؤلف: د. عواطف عبد الرحمن.
الناشر: العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، 2021.
لم تزل د. عواطف عبد الرحمن تناضل، على مدى ستة عقود ونصف العقد، على الجبهات الثلاث: الوطن؛ الحريَّات؛ والصحافة.
في العام 1960، التحقت للعمل بيومية "الأهرام" القاهرية، وحين صدرت فصليَّة "السياسة الدولية"، عن مؤسسة "الأهرام"، قبل نحو 58 سنة، كانت عبدالرحمن ضمن أهم الباحثين فيها. إلى مطلع العام 1972، بعد أن نالت الدكتوراه في "الصحافة"، ما أهَّلها للانتقال إلى سلك التدريس الجامعي، إلى يومنا هذا، بعد أن غدت عميدة لكلية الإعلام، في جامعة القاهرة. ومنذ نحو عشرين عاما، وهي أستاذة زائرة في الجامعة نفسها.
انعكس توزُّع نضالها هذا على كتاباتها؛ فأصدرت 29 كتابا في الصحافة والإعلام، و8 كتب حول القضية الفلسطينية، وكتابين عن أفريقيا، فضلا عن مذكراتها، التي حملت عنوان "صفصافة".
عدا السجن، الذي تعرَّضت له، نراها حازت على سبع جوائز، هي: جائزة التحرُّر الوطني (منديلا)، 1995؛ جائزة سلطان العويس في العلوم المجتمعية والمستقبلية، 1996؛ الجائزة التقديرية لكلية الإعلام – جامعة القاهرة، 1997؛ الجائزة الأولى من مركز بحوث المرأة والطفل، (البحرين)، 1998؛ جائزة الدولة للتفوق العلمي لجمهورية
مصر العربية، 1999؛ جائزة الجامعة العربية عن مجمل أعمالها عن المرأة العربية، 2008؛ الجائزة التقديرية من جامعة القاهرة، 2012؛ جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية، 2014؛ وجائزة التميُّز في العلوم الاجتماعية من جامعة القاهرة، 2017.
عالج كتابها هذا إشكالية تاريخية ومعاصرة، تمثَّلت في علاقة الصحافة العربية بالسلطة، علاوة على تداعيات التبعية الشاملة للغرب، وتأثيرها على أدوار الإعلام العربي. وقد تميَّزت نشأة الصحافة العربية بالطابع الرسمي، ولم تظهر الصحافة الشعبية إلى الوجود، إلا بعد صدور دستور 1908 العثماني. وقد تصدَّر النموذج اللبناني هذه الصحافة الشعبية.
عالج الفصل الأول إسهام الصحافة العربية الشعبية في مناهضة السلطة. وتجلَّت الصحافة الثورية في صحافة كل من الثورة الجزائرية، والمقاومة الفلسطينية.
بينما استعرض الفصل الثاني الجهود والإبداعات الصحفية النسائية، واتضاح تأثير الرؤى الغربية على بعض المجلات النسائية. وتوزَّعت الصحافة النسائية ما بين التيار التقليدي، والتيار الاجتماعي المستنير، والتيار المتغرِّب، المتأثِّر بالمنظور النسوي.
لقد ارتبط ازدهار الصحافة ورواجها، بمدى اتِّساع هامش الحريات الديمقراطية.
تناول الفصل الثالث "الإعلام العربي من الاستقلال إلى التبعية"، في المجالين، التطبيقي والأكاديمي، ومخاطره.
اهتم الفصل الرابع بأمر الصراع بين الصحافة والسلطة الحاكمة، عبر التشريعات المقيِّدة لحرية الصحافة.
تعامل الفصل الخامس مع التعدُّديَّة الإعلامية في الوطن العربي، وعمّا إذا كانت هذه التعدُّديَّة استجابة للظروف الداخلية، أم تحت الضغوط الأمريكية، دون أن تُهمل المؤلِّفة تأثير الثورة التكنولوجية، في هذا الصدد، وعمّا إذا كانت التعدُّديَّة انعكاسا للتعدُّديَّة السياسية والثقافية، أم ظاهرة فوقية معزولة عن البيئة المجتمعية العربية.
اهتم الفصل السادس بـ "الإعلام وثقافة المجتمع المدني"، مُلقيا الضوء على موقف الحكومات العربية من مؤسسات المجتمع المدني. وتساءلت عبدالرحمن، مُحِقَّة، عمّا إذا كان يمكن قيام مجتمع مدني فعَّال، تحت وطأة الأوضاع السائدة في الوطن العربي، لعل أبرزها غياب بنية ثقافية، تتأسَّس على المساواة، والعدالة، وحرية التعبير، وتكفل المشاركة لشتَّى القوى الاجتماعية. كما لاحظت المؤلِّفة غياب الوعي الإعلامي والاتصالي لدى معظم منظمات العمل الأهلي.
عن "الصور الإعلامية المتبادَلة بين العرب والغرب"، جاء الفصل السابع، ليُناقِش الأسباب التي تُشكِّل الصورة السلبية بين العرب والغرب، وفي مقدِّمها الهجرة العربية، فضلا عن القضية الفلسطينية، والصراع العربي ـ الصهيوني، وقضية الإرهاب، التي يبذُل الإعلام الغربي قُصارى جهده لإلصاقها بالإسلام، والمسلمين.
إلى ذلك، دعت عبدالرحمن إلى إعادة هيكلة الإعلام العربي؛ حتى يقدِّم صورة حقيقية عن الواقع العربي والتحديات التي تواجهه، عبر استراتيجية إعلامية جماعية مشتركة.
نأتي إلى الفصل الثامن، الذي تناول أبعاد المعركة المتعدِّدة الجبهات التي تخوضها الثقافة العربية، راهنا، في مواجهة الثقافة الاستهلاكية العولمية، وثقافة "التطبيع" مع الكيان الصهيوني. ولاحظت المؤلِّفة أنه مما يُضاعف خطورة المرحلة الراهنة، تلك الشبكة القوية من المصالح المشتركة، بين النُخب العربية، السياسية والاقتصادية، التي تلتقي مع ركائز الهيمنة الأجنبية، وتُسهِّل لها إمكانية التغلغُل، والرسوخ، على أرضية العداء للحقوق الوطنية للجماهير العربية.
ما جعل عبدالرحمن تؤكِّد أن محاولات العولمة الثقافية والإعلامية، في إطار التفوُّق الساحق لدول الشمال في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، قد أسفرت عن فقدان الإعلام العربي للدور النقدي المنوط به، حتى بات يُدرِّس بمناهج وظيفية وضعيَّة، وليست نقديَّة، مما أعاق مسيرته المعرفية.
عن سؤال "ما العمل؟" طرحت المؤلِّفة في الفصل الثامن من كتابها، مجموعة أولويات للنهوض بالإعلام العربي، فكريا، ومهنيا، وأخلاقيا، تنص على ضرورة التزام الإعلاميين العرب برصد الواقع العربي وتحليله، بصراعهِ المديد، وتشابكاتهِ مع المؤسسات العولمية، والتعبير عن كل ذلك بمنظور نقدي، دون إهمال التراث العالمي.
رصد الفصل التاسع محاولات الاختراق الصهيوني لمصر، ابتداء من الفترة اللاحقة على "وعد بلفور" (1917). واعتمدت الدعاية الصهيونية في مصر، في بداية القرن العشرين على الصحافة المصرية الموالية للاحتلال البريطاني، والسراي (المقطَّم، الأهرام، الشعب، والاتحاد). وما إن أسَّست المنظمة الصهيونية العالمية فرعا لها في مصر، العام 1918، حتى سارعت إلى إصدار صحف تنطق باسم الصهيونية (إسرائيل، والشمس). ثم صدرت "الاتحاد الإسرائيلي"، و"الفجر"، و"المجلة الصهيونية"، و"إسرائيل". وفوجئ الرأي العام المصري بأسلوب دعائي صهيوني جديد، تمثَّل في صدور مجلة مصرية، ذات طابع ثقافي، ضمَّ نخبة من المثقفين المصريين، وبتمويل صهيوني، هي مجلة "الكاتب المصري"، في تشرين الأول/أكتوبر 1945. ولم تتوقَّف إلا بعد الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني، في أيار/مايو 1948.
مع ثورة 1952 المصرية، اتَّخذ الاختراق الصهيوني صورة العدوان المسلَّح على مصر (1956/ 1967). وعلى الرغم من "اللا نصر واللا هزيمة"، في حرب 1973، فإن توقيع السادات على اتفاقية "كامب ديفيد"، خريف 1978، و"معاهدة السلام مع إسرائيل"، ربيع 1979، عنى تسليم السادات بالحل الصهيوني، والتزمت الصحف الحكومية بوجهة نظر الحُكم؛ فروَّجت لـ"التطبيع"، وتزيين الصلح مع الكيان الصهيوني، بينما تولَّت الصحف الحزبية (الأهالي، الشعب، الوفد، والأحرار) مواجهة محاولة الاختراق الصهيوني لمصر. كما أصدرت نقابة الصحفيين المصريين قرارها الشهير، في آذار/مارس 1980، الذي نصَّ على مقاطعة أشكال "التطبيع" كافة مع الكيان الصهيوني، حتى يتم استرجاع كل الأراضي العربية المحتلة. كما أكَّدت النقابة نفسها على قرار المقاطعة، في مؤتمراتها اللاحقة، في العامين 1985، و1995.
وبعد، فإن كتاب د. عواطف عبدالرحمن هذا، سينضم إلى ترسانة كُتبها، في مواجهة الامبريالية العالمية، وفي مقدِّمتها الامبريالية الأمريكية، وركائزها في وطننا العربي.