مدونات

سوريا: مستقبل التعليم القهري

آلاء فاعور- كاتبة فلسطينية

انحطاط المنظومة التربوية التعليمية وتخلي المدرسين عن الطبيعة الحقيقية لوظيفتهم التربوية، ستكون له تبعات مستقبلية كارثية على الصعيد النفسي والاجتماعي لطلبة المدراس في سوريا، خاصة وأنه لا حلول قريبة في الأفق.

فالجوانب القهرية للتربية متوفرة في كافة مناطق الصراع، ولا تخص شريحة مجتمعية بعينها، فما كتبته الحروب بادٍ كيفما توفرت شروط الحياة في سوريا، والتي تبدو بائسة أينما ولت الأعين.

يقضي الطفل معظم ساعات يومه بين الصفوف التعليمية في المدرسة بغية حصوله على أحد أهم حقوقه في الحياة ألا وهو حق التعليم، بيد أن ما يعايشه الطفل السوري داخل أو خارج المدرسة بعيد كل البعد عن مسمى التعليم، فممارسات العنف والقهر النفسي تنوعت بأساليبها سواء داخل البيئة التعليمية أو خارجها والتي انعكست بدورها ضمن أروقة المدرسة.

فالإقصاء الاجتماعي الناتج عن الصراع السوري والذي يتجلى في حياة معظم السوريين بات يدلي بثماره على البيئة التعليمية، والتي بدورها لم تكن أقل تأثرا بالصراع المستمر وبالتالي انعكس ثمار هذا الصراع على مستوى طلبة المدارس، ويتجلى ذلك بوضوح من خلال التالي:

الرفض وتعدد أشكاله:

على الرغم من أن البشر كائنات اجتماعية بفطرتها وتميل إلى العيش ضمن مجموعات تنتمي إليها اجتماعيا ونفسياً وعاطفياً، إلا أن ذلك لا يبدو حاضراً وجلياً في أوساط البيئة المدرسية، فشبح الرفض والنبذ بات يهدد كيان التلميذ السوري والذي لم يعد مقتصراً على رفص الأقران، وإنما تعدد بأشكاله ليطال الطالب نصيبه من الهيئة التعليمة نفسها وخاصة المعلمين، فبات الطالب يعاني الأمرّين نتيجة تعرضه للرفض والاستبعاد عن سير العملية التعليمية الصحيح بعدة طرق مثل التنمر والسخرية والتعليقات السلبية، أو من خلال التجاهل الصامت وحرمانه من مكانته الطبيعية في منظومة التعليم.

وهذا ما ينعكس سلباً على الحالة النفسية، كعدم قدرة الطالب على تكوين علاقات اجتماعية وعاطفية بشكل طبيعي وسليم، وانخفاض القيمة الذاتية للطالب وتدني نظرته لنفسه، وفقدان البهجة والنظرة الإيجابية في الحياة بشكل تدريجي.

العنف والعنف النفسي:

تعد ظاهرة العنف بشكل عام والعنف المدرسي بشكل خاص من أكثر الظواهر انتشاراً في المجتمع السوري، والسبب في ذلك يعود إلى طبيعة الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد. فما يراه ويعايشه الطالب في حياته اليومية من صراعات وبنادق مُصطفّة على طول الطرقات لا يشكل إلا جزءا من معاناته. فالمدرسة والتي تخلت عن دورها الطبيعي في كونها بيئة تعليمية آمنه، رسمت خطوطاً إضافية للمعاناة في حياتهم، فطبيعة التعنيف التي تمارس في حق الطالب لا تقل بتأثيرها عما يدور خارج المدرسة من صراع، بل وتفننت في أساليبها من الإساء اللفظية كالشتم والذم، والتعديات الجسدية كالعقوبات التي تعمد على إلحاق الألم والاأذى في الجسد، مما يجبر الطالب على معايشة حرب لا نجاة منها.
وهذا وبطبيعة الحال يؤدي إلى أضرار مباشرة (أضرار أكاديمية مثل تغيب الطالب عن المدرسة والتسرب منها، التشتت وضعف التركيز)، وأضرار غير مباشرة (مثل الانفصال بشكل تدريجي عن المجتمع والانغلاق على الذات). فكلما زادت نسبة التعنيف قلت نسبة ارتباط الطالب بعملية التعليم الأكاديمي في المراحل المتقدمة.

تهميش وتهميش:

تهميش الطفل وسلبه حقه الطبيعي في حرية التعبير والإصغاء له من شأنه أن يؤدي إلى انعكاسات داخلية تبرز في العديد من النواحي النفسية، ومنها فقدان الطفل ثقته بنفسه ونمو بذور الشك في قدراته وإمكانياته.

والتهميش بطبيعته كممارسة لا يعدو غريباً عن الحياة الطبيعية للطالب في المدارس السورية بل وقد يعتبر ممارسة جماعية، في حين قد يحتوي الصف الواحد بمعظم الأحيان على ما لا يقل عن خمسين طالباً، إلا أن النظرة الحقيقة للمعلمين لا تستوعب أكثر من أعداد قليلة في أحسن الأحوال، فهؤلاء الصفوة المختارة ينعمون بامتيازات خاصة لا يحلم بها بقية الطلبة؛ تبدأ من الابتسامة في وجههم وتنتهي بامتيازات خاصة في درجاتهم، وهو ما يمكن أن نصفه بوجود علاقة خاصة أو تحذيرية للمعلم من هذا الصنف.

إن ما يعاني منه المجتمع السوري أعمق بكثير من حرب استنزفت قوى الناس وطاقاتهم، فالحرب أصبحت جزءاً من كينونة الشعب السوري وباتت تتجلى بوضوح بإلحاق الضرر البالغ في البيئة التعليمية المقدسة.

* روائية فلسطينية مقيمة في تركيا (صدرت لها الرواية الأولى العام الماضي وتستعد لإصدار الرواية الثانية قريبا)