نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للكاتبة فيها نسرين مالك، تقول فيه إن الشعب السوداني يحتاج إلى إيصال رسالة مفادها بأن القتل والاغتصاب لم يؤديا إلى قمع ثورتهم.
وتقول مالك في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إن "أسبوعين مرا على قيام المليشيا سيئة السمعة المعروفة بالجنجويد بحملة وحشية لفض الاعتصام، وقمع الانتفاضة الشعبية ضد الرئيس المعزول عمر البشير والحكومة العسكرية، ولا يزال البلد في حالة صدمة، والأجواء في الخرطوم متوترة في الوقت الذي يتم فيه عد القتلى والمغتصبات والمعتدى عليهم، وتملأ وجوه المختفين الذين يتوقع أنهم قتلوا منصات التواصل الاجتماعي، وتهيئ عائلاتهم نفسها لرؤيتهم وقد انتفخت جثثهم وألقى بها النيل على ضفته، حيث لا تزال ضحايا الجنجويد تلقى".
وتشير الكاتبة إلى أن "حجم الأهوال التي وقعت لا يزال يتكشف، وفي الوقت الذي بدأ فيه تناول الفيديوهات الرهيبة، التي تظهر مشاهد العنف، فإن الحكومة قامت بإغلاق الإنترنت، فأغرقت الحكومة البلد في الظلام، في الوقت الذي يستمر فيه عناصر الجنجويد في حملتهم للسيطرة على الدولة، ولا يزال رجال المليشيات المتبجحين يجوبون شوارع الخرطوم المصابة يطعنون ويفتحون النار ويسرقون ويضايقون كما يشاءون".
وتقول مالك إن "الفارق بين هذا وما كانت عليه البلد قبل فترة قصيرة، عندما كانت الخرطوم مركز اعتصام ضخم ومركزا ثقافيا ومركز تصالح وطني، مؤلم جدا، وهذا هو عذابي الذي لم أستطع تجاوزه، فحقيقة أن ذلك حصل بسرعة بالغة، حتى أن صرخة السودان بالثورة تم خنقها في الحنجرة، واختلط الطلاء الذي استخدم في رسم جداريات مرتجلة بدم المحتجين ليشكل لوحة عظيمة من الأمل".
وتستدرك الكاتبة بأن "السرعة التي تم فيها قمع المظاهرات قد تكون هي من ستنقذ الثورة السودانية، فلم تكن هناك فترة فراغ ولا فترة انتقالية ولا أي فترة شعر الناس فيها بأن هناك تغيرا حقيقيا، يمكن لهم أن يشعروا فيه بأن تغيرا ما قد تحقق ليجعلهم يركنون إلى شعور خادع بالأمان، ولم يكن هناك أي تنازل لإعطاء الجيش والمليشيات فرصة غرس نفسهما مرة ثانية، لكن هذه المرة -كما حصل في مصر السيسي- ودون نية للسماح لأي هفوات أمنية تسمح للمتظاهرين بتكوين زخم منذ البداية، وقد أضاع النظام فصلا كاملا من كتاب الثورة المضادة، وهو ذلك الفصل الذي يؤدي إلى تشويه حركة التحرر بنجاح".
وتؤكد مالك أن "عدم صبر الجيش والجنجويد، ونقص التخطيط التكتيكي، دفعاهم إلى الاستعجال في استخدام الأداة السياسية الوحيدة التي يعرفون: ارتكاب مذبحة، فلم يكن هناك جهد مخصص لغرس الخلافات ببطء بين المتظاهرين لتوليد الفصائلية، ولم يكن هناك جهد للقيام بعملية دعائية لتصوير الثورة على أنها مدعومة من الخارج، كما لم يتم منح أي حكام مدنيين فرصة للحكم وارتكاب الأخطاء، ليذهب الناس ثانية إلى أحضان الجيش".
وتلفت الكاتبة إلى أن "النتيجة هي أنه بالرغم من مقتل المئات وظهور قائد الجنجويد الجنرال محمد حمدان دقلو، والمعروف بحميدتي، على أنه يشق طريقه نحو العرش، إلا أن برميل البارود الغاضب لا يزال موجودا، وهو أكثر فعالية من أي وقت مضى، ولم يصدق أحد المحاولة القذرة بإلقاء اللوم على المتظاهرين لرد الفعل العنيف بسبب تصرفات (لا أخلاقية) مزعومة، وقد يبدو أن عملية القمع كانت ناجحة، لكن لم يتم القضاء على الثورة، بل إن الثوار يعيدون تجميع صفوفهم في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة إعادة البلد إلى الحياة الطبيعية".
وتقول مالك: "لأن التطبيع عدو الثورات، فإن ذلك ما تحاول الحكومة وحلفاؤها تحقيقه، ولذلك فإن من الضروري أن يركز الانتباه على السودان، بألا يقع في الأخطاء ذاتها التي وقع فيها المرة الماضية عندما كانت هناك محاولة عالمية لجلب الانتباه لانتهاك حقوق الإنسان والتطهير العرقي في دارفور، فواضح كيف يختلف العالم الآن، ففي بدايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كانت أمريكا تميل كثيرا للتدخل كجزء من (الحرب على الإرهاب)، ولم تكن المؤسسات مثل محكمة الجنايات الدولية والأمم المتحدة قد كشفت تماما لعدم فعاليتها في حرب العراق، والمعايير المزدوجة في التعامل مع جرائم الحرب وانتهاك حقوق الإنسان، وكانت دول الخليج مجرد شريكة تابعة تنصاع لأمريكا وغير متورطة في الكثير من الاشتباكات الإقليمية، ولم يكن هناك إعلام اجتماعي ليعكس أصوات وتجارب السودانيين، سوى عن طريق شبكات التأييد".
وتنوه الكاتبة إلى أن "البنية التحتية لحقوق الإنسان، التي يدعمها الغرب القوي، لم تعد قائمة. ويقود أمريكا زعيم متلون، وأستطيع أن أراهن أنه لا يعرف أين يقع السودان على الخارطة، وبريطانيا منشغلة في حروب بريكسيت الداخلية، في الوقت الذي تعاني فيه أوروبا من مخاوفها المتعلقة بأزمة اللاجئين، حتى أنها توصلت إلى اتفاق مع زعماء السودان العنيفين المسيطرين اليوم، وعرضت عليهم تمويلا لإيقاف مرور اللاجئين عبر السودان، وحتى لو كانت ماكينة حقوق الإنسان لا تزال تعمل بقوة، فقد يثبت أنها غير فعالة، فعقوباتها ضد الحكومة السودانية في وقتها، من خلال العقوبات الاقتصادية، لم تفعل شيئا سوى أنها أضرت بالشعب وعززت من قوة الديكتاتور".
وتستدرك مالك بأنه "في عالم اليوم، فإن القوى في الشرق الأوسط، مثل السعودية والامارات، هي التي تتحكم في الأمور، وتقوم بخنق الديمقراطيات أمام عيون أمريكا، وليس هناك أي منقذ خوفا على حقوق الإنسان".
وترى الكاتبة أن "الأمور ليست كلها مظلمة، فإن التشهير لا يزال يعمل، وإلا لما قامت حكومة السودان بوقف الإنترنت، ولذلك علينا أن نفضح العالم ليقوم بالضغط على النظام ويكبح القوى الخليجية التي تدعمه، وبالنسبة لمن يسألون، كيف يمكنهم مساعدة السودان فإن الجواب هو بمنع مشروع التطبيع مع النظام، ومساعدة الشعب السوداني في إيصال صوته للخارج خلال فترة التعتيم، وإرسال رسالة تبين بوضوح بأن القتل والاغتصاب لم يأتيا بنتيجة، ومع أنهما لا يزالان مستمرين، فإن الشعب لن يعاني عبثا، وتضخم أصوات الناس على الأرض، ودعم الحملات الطبية الموثوق بها، ونشر شهادات الصحافيين الذين يغطون الأحداث الأليمة".
وتختم مالك مقالها بالقول: "يجب علينا عدم الاعتماد على شبكة المؤسسات الدولية للرقابة، التي خذلت السودان لفترة طويلة جدا، لقد وصل الشعب السوداني إلى هذه المرحلة وحده؛ فيجب مساعدته بالشهادة معه، ورفع صوته حتى يستطيع التغطية على صوت دعاية النظام، وحملة التضليل لحلفائه العرب".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
NYT: هذا ما يفعله المحتجون لمواجهة قمع العسكر بالسودان
FP: ما هو دور التحالف السعودي الإماراتي بانقلاب السودان؟
الغارديان: حميدتي يبرز في السودان.. ولهذا تدعمه الرياض