أطلق الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عدة تصريحات متناقضة منذ إعلان قراره بشأن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا. وأثارت تلك التصريحات علامات استفهام كثيرة حول حقيقة هذه الخطوة. وانقسم المحللون بين من يرى أن الولايات المتحدة ستسحب قواتها من سوريا، ومن يذهب إلى أن قرار ترامب مجرد مناورة لعرقلة العملية العسكرية التي يستعد الجيش التركي للقيام بها لتطهير مناطق شرقي الفرات من عناصر وحدات حماية الشعب الكردي.
ترامب، قال في تغريدة عبر حسابه بموقع "تويتر"، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أبلغه بأنه سوف "يقضي على ما تبقى من داعش في سوريا"، مضيفا أن أردوغان "هو الرجل الذي يستطيع فعل ذلك". وبعد أيام من ثنائه على الرئيس التركي وإبداء ثقته فيه، عاد وهدد تركيا بــ"التدمير اقتصاديا" إن شنت هجوما ضد الأكراد بعد انسحاب القوات الأمريكية من سوريا. وبعد اتصال هاتفي مع أردوغان، تراجع عن لغة التهديد هذه، ليؤكد وجود إمكانية كبيرة لتوسيع التعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة وتركيا.
رجال فرقة مهتار التركية الشهيرة، التي كانت ترافق الجيش العثماني في حروبه، لهم مشية متميزة، وهي أنهم يتقدمون بخطوتين ثم يقفون ليلتفتوا إلى اليمين، وبعد ذلك يتقدمون بخطوتين، ثم يقفون ليلتفتوا إلى اليسار. ويبدو أن القوات الأمريكية سوف تنسحب من سوريا بمشية مهتار التركية.
ومنذ أن تولى ترامب رئاسة الولايات المتحدة، يمارس بكل مهارة سياسة ابتزاز دول الخليج الغنية. وفي قرار الانسحاب من سوريا يطبق ذات السياسة؛ لأنه يعرف جيدا أن تلك الدول سوف تعترض على قراره المفاجئ، وتطلب من واشنطن إبقاء قواتها في الأراضي السورية.
منذ تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة، يمارس بكل مهارة سياسة ابتزاز دول الخليج الغنية. وفي قرار الانسحاب من سوريا يطبق ذات السياسة؛ لأنه يعرف جيدا أن تلك الدول سوف تعترض على قراره المفاجئ
الأمير السعودي تركي الفيصل، في تصريحات قبيل زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للرياض، قال إن "الانسحاب العسكري الأمريكي من سوريا سيكون له أثر سلبي، وسيعزز الوجود الروسي والإيراني وحكم الرئيس
بشار الأسد"، مضيفا أن "الخطوة الأمريكية ستؤدي إلى زيادة الوضع تعقيدا بدلا من علاجه". وتشير هذه التصريحات بوضوح إلى أن الرياض ضد قرار الانسحاب. وهنا يقول ترامب للسعودية وغيرها من تلك الدول: "إن كنتم تريدون بقاء قواتنا في سوريا، فعليكم أن تدفعوا أكثر".
السعودية والإمارات وغيرهما من الدول التي تدعو الإدارة الأمريكية بإلحاح إلى عدم الانسحاب من سوريا، مستعدة لدفع الفاتورة وأكثر، ولكن المشكلة أن ترامب عازم على سحب القوات الأمريكية من سوريا، وهو في الوقت نفسه يريد أن يقبض الثمن، كما أنه يريد أن يرضي إسرائيل، وأن لا تتدهور العلاقات التركية الأمريكية، وأن لا يذهب الدعم السخي الذي قدمته وزارة الدفاع الأمريكية إلى وحدات حماية الشعب الكردي هباء منثورا. وكل هذه الأهداف المتناقضة التي يستحيل جمعها؛ هي التي تؤدي إلى الاضطراب في تصريحات الرئيس الأمريكي.
الولايات المتحدة سوف تنسحب من سوريا
عاجلا أم آجلا، كما أن ترامب سيمضي قدما بهذا الاتجاه. إلا أن خطة الانسحاب وما بعده غير مكتملة، بل ستتشكل حسب المفاوضات والردود. ولذلك، تسعى الإدارة الأمريكية لجس النبض وتقييم الوضع، ومعرفة الردود المحتملة للأطراف المعنية. ويمكن قراءة الزيارات التي يقوم بها بومبيو للعواصم العربية في هذا الإطار.
رفض تمكين وحدات حماية الشعب الكردي في سوريا على رأس تلك الثوابت. ولا يمكن أن تتراجع أنقرة عن قرار تطهير مناطق شرقي الفرات من الإرهابيين
هناك ثوابت ومتغيرات في الموقف التركي من الملف السوري، ويأتي رفض تمكين
وحدات حماية الشعب الكردي في سوريا على رأس تلك الثوابت. ولا يمكن أن تتراجع أنقرة عن قرار تطهير مناطق شرقي الفرات من الإرهابيين، وأما سبل ذلك، فقد تتغير حسب الظروف والمعطيات والمفاوضات مع الولايات المتحدة
وروسيا وإيران.
الرئيس الأمريكي تحدث عن إمكانية
إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري، وكان ذلك اقتراح تركيا لحماية المدنيين منذ بداية الثورة في سوريا، وهي اليوم مستعدة لإقامة تلك المنطقة بالتنسيق مع الجيش السوري الحر وبترحيب من السكان، بعد أن حشدت حوالي 80 ألف جندي على الحدود السورية. ومن المؤكد أنها لن تسمح بعد كل هذه التعزيزات العسكرية باستمرار سيطرة وحدات حماية الشعب الكردي على المناطق الحدودية، كما لن تقبل إقامة منطقة آمنة، سواء بغطاء أمريكي أو عربي، هدفها المستور حماية الإرهابيين من الغضب التركي.