لم تتوقف دموع الشابة الأردنية أميرة (اسم مستعار) عن الانهمار وهي تروي قصة اغتصابها على يد رَب عملها،
اغتصاب نتج عنهم حمل؛ ليزوج الجاني بالضحية تحت سلطة القانون، ويفلت من العقاب والملاحقة القانونية.
تروي أميرة 22 عاما جزءا من معاناتها: "لمّا حدثت الجريمة، وتبين أنني حامل/ كان همّ أهلي أن يستروا الفضيحة بسرعة، فزوجوني الجاني.. لكن زواجنا لم يستمر أكثر من ستة أشهر... رأيت الذل ونجوم الظهر، وتحملت كي أثبت نسب ابني.. لكنه أجبرني على طلب الطلاق، ولم يسجل الطفل باسمه.. الآن هو حر، وأنا خسرت كل شيء".
"اغتصب و تزوج" تحت سلطة القانون
تتيح المادة مادة 308 من قانون العقوبات الأردني "إعفاء مرتكب جريمة الاغتصاب من الملاحقة القانونية في حال زواجه من الضحية".
نص قانوني ترى فيه منظمات مجتمع مدني "عقابا للضحية ومكافأة للجاني"، وتخوض ما يقارب 52 منظمة مجتمع مدني أردني حملة إعلامية لإسقاط المادة 308 من قانون العقوبات ضمن حملة 16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة.
المحامية هالة عاهد المستشارة القانونية لاتحاد المرأة الأردنية تقول لصحيفة "
عربي21" إن "المادة 308 تتحدث عن وقف الملاحقة أو وقف تنفيذ العقوبة (تعليقها) في حال عقد الزواج وفي الجرائم الجنسية إذا كانت الجريمة من نوع جناية يجب أن يستمر الزواج خمس سنوات، وفي حال أنه كان من درجة الجنحة يجب أن يستمر الزواج ثلاث سنوات حتى تسقط الملاحقة القانونية".
إلا أن حالات الزواج التي تتم بين الجاني والضحية، لا يستمر بعضها أشهرا معدودة، كما هو الحال مع الضحية أميرة، ومع ذلك تسقط الملاحقة القانونية؛ بسبب ضعف التنسيق بين المحاكم الشرعية والتنفيذ القضائي، رغم عدم وجود سبب مشروع للطلاق.
وتنص المادة 308 على أنه "إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب أي من الجرائم المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة، والمتعلقة بأن كل من خدع بكرا تجاوزت 18 عاما بوعد الزواج وبين المعتدي عليها، أوقفت الملاحقة، وإذا كان قد صدر حكم بالقضية علق تنفيذ العقاب الذي فرض على المحكوم عليه".
"وتستعيد النيابة العامة حقها في ملاحقة الدعوى العمومية، وفي تنفيذ العقوبة، وتستعيد المعتدى عليها حقها في متابعة شكواها قبل انقضاء خمس سنوات إذا انتهى الزواج بالطلاق بإرادة الزوج أو بإتباع أساليب الضغط والخداع والتهديد لإرغام الزوجة على طلب الطلاق بالتراضي، وذلك بناء على معلومات دائرة قاضي القضاة، أو بناء على إخبار من أي جهة كانت بعد التحقق من صحة الإخبار".
تطالب المحامية عاهد بإلغاء المادة كاملة من قانون العقوبات؛ "لمخالفتها المبادئ المرعية دوليا لحماية الضحايا وإفلات الجاني من العقاب، كما أن الجاني لن يكون لديه سجل جرمي، ما يسمح له تهديد ضحايا أخريات".
و تتابع عاهد بأن "إشكالية المادة تكمن أيضا في مسألة المساواة، فعندما يكون لديك أكثر من خصم معتدي في الجريمة ذاتها أمام القضاء، فمن الذي سيتزوج الفتاة"، متسائلة: "ما هي فلسفة القانون عندما تضع هكذا مادة! قانون العقوبات يجب أن يحقق الردع العام و الخاص، وليست وظيفته الإصلاح المجتمعي".
62% من الأردنيين: الجاني يعرض الزواج للإفلات من العقاب
وبينت دراسة لمعهد تضامن أن 62.5% من الأردنيين يعتقدون أن الأسباب التي تدفع بالجاني عرض الزواج من الضحية، ليحصل المغتصب على الإعفاء من الملاحقة القضائية أو المحاكمة أو تنفيذ العقوبة.
أما السبب الثاني فكان لتلافي الوصمة الاجتماعية عليه بنسبة بلغت 15%، وكانت النسبة الأعلى بين الأردنيين في الفئة العمرية 56 عام فأكثر، وبنسبة بلغت 26%. واحتل سبب الزواج تعبيرا عن ندم الجاني السبب الثالث وبنسبة 9%.
مستشارة جمعية تضامن الوزيرة السابقة أسمى خضر تقول لصحيفة "
عربي21" إن "الدراسة التي أجراها معهد تضامن تبين أن الأردنيين في غالبيتهم العظمى ضد هذه المادة، ويجرمون الأفعال التي تعتبر جرائم جنسية، ويريدون أن يكون هناك حماية للضحايا بعيدا عن الإكراه على الزواج وإنشاء جيل من مجهولي النسب الذين يعانون في المستقبل نتيجة الجريمة التي ارتكبها هذا الشخص غير المسؤول".
وحسب خضر، "استمدت نصوص المادة 308 أحكامها من قانون العقوبات العثماني الذي استند على القانون الفرنسي لعام 1810 وبقيت حتى يومنا، بينما ألغيت نصوص مشابهة في القانون الإيطالي في الثمانينات، كما ألغيت في بعض الدول العربية مثل المغرب ومصر".
من جهته، يؤكد عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب الأردني النائب عبدالجليل العبادي لصحيفة "
عربي21" أن "هناك جدلا حول شطب المادة بالكامل أو تعديلها، ويفضل عدم حذف المادة بالكامل، بل تعديلها لتتناسب مع بعض الحالات، خصوصا عندم ينجم عن الاغتصاب أطفال، ولا يوجد حل لحفظ حق الأطفال ونسبهم إلا بهذه المادة، كما أن بعض الحالات تتم بالتراضي لوضع الأهل تحت الأمر الواقع والقبول بالزواج".
وحول هذا الموضوع، تقول خضر: "إذا كانت واقعة العلاقة بين الطرفين بالرضا فليس هناك جريمة، وبالتالي يجب أن تنطبق عليهم مواد أخرى، وبذلك لا يكون الفاعل في هذه الحالة جانيا معرضا لقانون العقوبات، ولا مبرر للإبقاء على المادة إلا اذا كنا نريد من المادة أن تحتال على القانون".
وتظهر الإحصائيات الصادرة عن إدارة المعلومات الجنائية، التي نشرها معهد تضامن أن هناك تزايدا مطردا للجرائم الجنسية، وتلك المرتبطة بها خلال الأعوام 2009-2013، والتي ارتكبت في الأردن، سواء أكان من ارتكبها أو ضحاياها من الأردنيين أو العرب والأجانب.
فخلال عام 2009، ارتكبت 118 جريمة اغتصاب مقابل 155 خلال عام 2013، وارتكبت 77 جريمة خطف عام 2009 مقابل 179 عام 2013، كما ارتكبت 675 جريمة هتك عرض عام 2009 مقابل 780 خلال عام 2013.