نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا حول الوثيقة التي كشفت عنها القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي تعرض تفاصيل الأبحاث التي أجريت حول الضربات الجوية لقوات
التحالف الدولي بكل من
سوريا والعراق، والتي خلفت دهشة في الأوساط الإعلامية.
وقالت الصحيفة في هذا التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إن هذه الوثيقة تعرض نتائج 45 تحقيقا داخليا حول الضربات الجوية التي شنها التحالف الدولي ضد
تنظيم الدولة في سوريا والعراق، والتي يرجح تسببها في مقتل مدنيين، خلال الفترة الفاصلة بين أيلول/ سبتمبر 2014، وأيار/ مايو 2015.
ونقلت لوموند تعقيب كريس وود، مدير إحدى المنظمات غير الحكومية التي تضم عددا من الصحفيين والباحثين، حول هذه الاكتشافات الجديدة: "نحن متفاجئون للغاية لرؤية مثل هذه الوثيقة منشورة للعلن، في سياق لا يزال الصراع فيه على أشده، فلم يسبق أن حصل ذلك من قبل، علاوة على أنها تكشف عن معطيات محرجة للدول المشاركة في التحالف، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وغيرها من الدول".
وأفادت الصحيفة بأنه وفقا لهذه الوثيقة، وغيرها من الوثائق السرية، فإن القيادة المركزية لم تعترف سوى بعدد قليل من الأبحاث التي أجريت، فيما اعتبرت أن البقية لا يمكن الأخذ بها لأنها لا تزال منقوصة.
كما ذكرت أن واحدا من هذه التحقيقات، كان قد فتح استنادا على معلومات نشرت على المواقع الاجتماعية، من منظمات سورية، حول ضربة جوية أقدمت عليها القوات الأمريكية في منطقة الحريم، في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، وأفضت إلى مقتل العديد من الأطفال.
وقد أشارت الوثيقة التي أصدرتها القيادة المركزية الأمريكية بالشرق الأوسط، عن "احتمال مصداقية" التحقيق الذي فتح بهذا الشأن، معترفة بمقتل طفل جراء هذه الغارة الجوية، فيما صرح الجيش الأمريكي بمقتل طفلين. وقالت الصحيفة إنهما الضحيتان الوحيدتان المعترف بسقوطهما من قبل التحالف الدولي، منذ أن بدأ ضرباته في كل من سوريا والعراق، وقد كان التحالف قد اعترف كذلك بمقتل وجرح مدنيين في ثلاث حالات أخرى.
من جهة أخرى، أشارت الصحيفة إلى أن الوثيقة أتت على ذكر فرنسا، على خلفية غارة جوية شنتها شمال غربي مدينة الموصل بالعراق، في الثالث من شباط/ فبراير الماضي، تم التحقيق فيها من إحدى وكالات المخابرات الداخلية.
وأقر التحقيق بإمكانية سقوط طفل كان قد شوهد من قبل السكان قبل 19 دقيقة من استهداف الغارة للموقع، قبل أن يختفي عن الأنظار. غير أن التحقيق انتهى إلى الجزم بأن المتضررين من هذه الضربة الجوية هم من المقاتلين فحسب، استنادا إلى المعلومات التي تحصلت عليها أجهزة الاستخبارات.
من ناحيته، يرى كريس وود أن الشكوك لا تزال تحوم حول إمكانية سقوط مدنيين في هذه القضية وغيرها، حيث إن منهجية التحقيق التي اعتمدها التحالف الدولي، لا تخلو من العديد من مواطن القصور.
وفي السياق ذاته، نقلت لوموند عن وود قوله: "إن التقييمات المعتمدة بهذا الصدد تستند على مصادر استخباراتية جوية فحسب، دون معاينة مباشرة لموقع الحادثة، كما أن التحقيقات غالبا ما تغلق بعد 24 أو 48 ساعة من الواقعة، وهي فترة قصيرة للغاية، فليس من اليسير استكمال تحقيق في مناطق صعبة مثل
العراق وسوريا، إذ إن الأمر يتطلب عدة أسابيع".
وفي تقرير نشر في آب/ أغسطس الماضي، أصدرت القيادة الجوية الأمريكية لائحة بـ 57 حادثة في سوريا والعراق، معترفة بسقوط مدنيين في الغارات التي شنتها قوات التحالف الدولي، قبل أن تعلن عن سقوط ما لا يقل عن 540 قتيلا في كلا البلدين، جراء ما يزيد عن 85 حادثة "موثقة".
وقالت الصحيفة إن كريس وود يعترف بصعوبة النزول للميدان والتأكد من صحة المعلومات في العراق وسوريا، إذ يوضح أن مجموعته التي تضم عددا من الصحفيين والباحثين، تبني تقديراتها على المعلومات المتاحة في الأوساط العمومية، والتقارير التي توثق موقع الغارات الجوية للتحالف الدولي.
وذكرت الصحيفة أن المجموعة تعتمد على باحثين، يسعى كل منهم إلى جمع المصادر من بغداد ولندن، كما أنها تستند على المعلومات التي توفرها وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع الدولي.
من جهته، ذكر مسؤول في سلاح الجو الأمريكي أن كندا هي الوحيدة الملتزمة بتوفير تفاصيل حول الغارات الجوية التي تنفذها، معربا عن أسفه لامتناع فرنسا عن ذلك، فبعد أن كانت تمد الجهات المعنية بتقرير يومي، أصبحت تسلم تقاريرها كل أسبوع، ثم باعدت بين المدة الفاصلة بينها، لتبلغ الشهرين.
وفي السياق ذاته، لفت كريس وود إلى امتناع فرنسا عن تقديم تفاصيل حول ضرباتها في العراق، مما يزعج قوات التحالف الدولي، التي "تسعى لتوفير القدر الأدنى من الشفافية"، بحسب تعبيره.
وقالت الصحيفة إنه وفقا لوود، فإن ذلك "لا ينفي واقع مقتل الكثير من المدنيين، يفوق عددهم الإحصائيات التي ينشرها التحالف".