قال السفير الأمريكي السابق في كل من العراق وأفغانستان
زلماي خليل زاد، إن السعوديين اعترفوا بقيامهم بدور في تمويل التشدد، حيث جاء كلام السفير بعد زيارة نظمها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى للسعودية، وقابل فيها مسؤولون امريكيون سابقون، أو ممن لهم علاقة بمراكز صنع القرار، مسؤولين سعوديين، واطلعوا على خطط الإصلاح الجارية في البلاد.
ويقول خليل زاد في مقالته، التي نشرتها مجلة "بوليتكو": "في زيارة قريبة إلى
السعودية تم الترحيب بي باعتراف أدهشني، ففي الماضي عندما كنا نطرح موضوع تمويل
التطرف الإسلامي مع السعوديين، كل ما كنا نحصل عليه هو النفي، وفي هذه المرة، وخلال لقاءات مع الملك سلمان وولي العهد نايف (محمد بن نايف)، ونائب ولي العهد محمد بن سلمان، وعدد آخر من الوزراء، اعترف لي مسؤول كبير قائلا: (لقد ضللناكم)، ووضح قائلا إن دعم السعودية للمتطرفين بدأ في الستينيات من القرن الماضي؛ لمواجهة الناصرية الأيديولوجية السياسية الاشتراكية، التي كانت من نتاج أفكار جمال عبد الناصر، الذي هدد السعودية، وقاد حربا بين البلدين على طول الحدود اليمنية، وسمح لهم هذا التكتيك باحتواء الناصرية، وتوصل السعوديون إلى نتيجة مفادها أن الإسلامية وسيلة نافعة، ويمكن استخدامها على نطاق أوسع".
ويضيف السفير السابق في المقالة، التي ترجمتها "
عربي21": "بموجب سياسة الصراحة غير المسبوقة، فإن القيادة السعودية شرحت لي بأن دعمهم للتطرف كان وسيلة لمواجهة الاتحاد السوفييتي، وعادة بالتعاون مع الولايات المتحدة، وفي مناطق مثل أفغانستان في الثمانينيات من القرن الماضي، وفي هذا التطبيق يقولون إنها نجحت، وفي مرحلة لاحقة تم نشره ضد الحركات الشيعية المدعومة من
إيران في التنافس الجيوسياسي بين البلدين".
ويشير الكاتب إلى أنه مع مرور الزمن فإن السعوديين يقولون إن دعم التطرف تحول ضدهم، وانتقل إلى مرحلة صار فيها تهديدا على المملكة وعلى الغرب، وخلقوا "وحشا" بدأ يفترسهم، ونقل عن مسؤول بارز قوله: "لم نعترف بالأمر بعد 9/11؛ لخشيتنا من تخليكم عنا، أو خوفا من أن تعاملونا بصفتنا أعداء"، وأضاف: "كنا في حالة إنكار".
ويتساءل خليل زاد قائلا: "لماذا هذه الصراحة الجديدة؟"، ويجيب: "أولا: من العدل التساؤل عن المدى الذي ستذهب إليه هذه السياسة، فمن الواضح أنه ستظل هناك أسئلة حول جماعات سنية متطرفة في سوريا، مثل جبهة النصرة، وفيما إن ظلت تتلقى دعما سعوديا، وكما وصف لي السعوديون، فإن النهج الجديد، والتصارع مع الماضي، هما جزء من جهود القيادة السعودية لصناعة المستقبل، بما في ذلك مشروع إصلاح اقتصادي واسع".
ويلفت الكاتب إلى أن السعوديين ينظرون في ضوء هذا التفكير الجديد إلى التطرف الإسلامي على أنه واحد من تهديدين يواجهان المملكة، والثاني هو إيران، ويرى أن هناك تواصلا في الموضوع الإيراني، ويقول: "أتذكر عندما طلب مني الملك عبدالله أن أنقل إلى جورج دبليو بوش في عام 2006، أن هناك حاجة لقطع (رأس الأفعى)، والهجوم على إيران، والإطاحة بالنظام هناك، وتلوم القيادة الحالية كسابقتها إيران على غياب الاستقرار الإقليمي، والنزاعات العديدة التي تشهدها المنطقة".
ويضيف خليل زاد: "يبدو، وبعبارات أخرى أن القيادة السعودية تقوم بالتخفيف من الأيديولوجية لصالح الحداثة، وفي الحقيقة، قال مسؤول سعودي بارز وبشكل واضح إن المملكة تقوم بثورة تحت غطاء الإصلاح، ما يعني أن التحديث هو المحرك وراء السياسة السعودية".
ويتساءل الدبلوماسي السابق: "هل يمكن أن تنجح عندما لم يتغير إلا القليل سياسيا في بلد لا يزال يدار بطريقة استبدادية على يد آل سعود؟، وأكبر الأشياء المعوقة هي إغراءات الماضي، سواء القيادة السعودية المتحدة خلف برنامج جديد، أو فيما إن حاول من استفادوا من النظام القديم عرقلة أجندة الإصلاح، وبالتالي زعزعة استقرار البلد، وربما جاءت المعارضة من داخل المؤسسة الدينية القوية، التي ترفض فتح مراكز ترفيه، وإصلاح المؤسسات الدينية، وحتى التعليم المحدود، وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل".
وينوه خليل زاد إلى برامج الإصلاح، التي تم الإعلان عنها في السعودية، التي كانت تتلاشى دون أن تترك أثرا، ويقول إن "الحداثة تضعف من أعمدة الشرعية السياسية السعودية؛ مصادقة المؤسسة الوهابية والتقليدية التي تقوي الحكومة الملكية، ومثلما تخلق الحداثة وضعا اقتصاديا غير واضح لمن ينتفعون من النظام الحالي غير الفعال، فربما نتج عن هذا وضع اقتصادي مضطرب، ويظل السؤال مفتوحا حول استعداد السعوديين، وبشكل كاف، وعلى المستويات كلها المتعلقة بالتعليم والمهارات للتنافس في عالم الاقتصاد، وما يحتاجونه في الاقتصاد الحديث، وإن لم يحدث، فقد يظهر توتر اجتماعي، واضطرابات بين غير الراغبين في التنافس".
ويقول السفير السابق: "هذه ليست المرة الأولى التي أزور فيها السعودية، فأنا أذهب إلى هناك منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما كنت أعمل في وزارة الخارجية، وتعرفت أكثر على القيادة السعودية عندما كنت سفيرا في العراق، في الفترة ما بين 2005 إلى 2007، وزرت المملكة، وأقمت علاقات ودية مع الملك عبدالله والمسؤولين الكبار، ولسنوات عدة تعودت على غموض وإبهام المسؤولين السعوديين، أما اليوم، فمن نقابلهم واضحين في نقاشاتهم، وكمن يتحدث عن صفقات وهم يتحدثون عن خطط الماضي والحاضر، وكان الانطباع الذي كونته خلال العقود الماضية هو أن السعوديين لا يعملون بكد كبير، واليوم هناك فريق من الوزراء المتعلمين الشباب الذين يعملون ما بين 16إلى 18 ساعة في اليوم، على تشذيب وتطبيق خطة تحويل البلاد، والخطة هي من بنات أفكار محمد بن سلمان، وتركز على الجبهتين الداخلية والإقليمية".
ويعلق خليل زاد قائلا: "تشهد المجتمعات ذات الغالبية المسلمة معركة قائمة بين الحداثة والإسلامية، وتتعامل الرياض مع الحداثة على أنها عربة تستطيع من خلالها الدولة السعودية وأخيرا مواجهة التطرف وهزيمته، وتقوية القطاع الخاص، والسيطرة على التحديات الاقتصادية التي تلوح في الأفق".
ويشير السفير السابق إلى البرنامج السعودي للإصلاح، الذي يشمل تحديد سلطة الشرطة الدينية، واعتقالها للمعارضين، وتطهير المتطرفين من الحكومة، وبذل جهود كبيرة لمراقبة تأثيرهم في المؤسسات الأمنية، وتعيين قيادات دينية لمواجهة التطرف الإسلامي عبر الرؤية الدينية الصحيحة، وتغيير رابطة العالم الإسلامي، وهي المنظمة الرئيسة التي تدعم من خلالها السعودية الحركات الإسلامية في الخارج، بالإضافة إلى قرار وقف دعم المدارس الدينية في الخارج.
ويلفت خليل زاد إلى رؤية 2030 على الصعيد الاقتصادي والبرنامج الوطني للتغيير، وتهدف إلى فطم الدولة عن الاعتماد المبالغ فيه على النفط، وتخفيف حجم البيروقراطية، ورفع الدعم، وتوسيع القطاع الخاص، واجتذاب المستثمرين من الخارج، من خلال التأكيد على المحاسبة والشفافية، مشيرا إلى أن الرؤية تشمل تحويل شركة النفط العملاقة "أرامكو"، وطرح بعض أسهمها للاكتتاب، وجمع ما يقرب من تريليوني دولار؛ من أجل تخفيف الاعتماد على النفط، ومن أجل تشجيع السعوديين على إنفاق أموالهم في داخل بلدهم، فإن الحكومة تخطط لبناء مراكز ترفيه، واجتذاب أسماء مهمة من الولايات المتحدة، وتخطط لزيادة نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل.
ويقول الكاتب: "زرت مدينة الملك عبدالله، المدينة التي خططت ومولت من القطاع الخاص، وهنا يدرس فيها الأولاد مع البنات، وتم بناء مؤسسات لتناسب الشركات الأجنبية، واحدى نتائج تركيز السعودية على تنظيم الدولة هو الموقف المتنور للرياض من
إسرائيل، وتشترك السعودية وإسرائيل في التعامل مع التهديد المشترك القادم من إيران وتنظيم الدولة، والعداء القديم لا يعني عدم التعاون بينهما".
ويبين خليل زاد أن "السعوديين عبروا بصراحة مباشرة عن أنهم لا يعدون إسرائيل عدوا، وأن المملكة ليست لديها خطط عسكرية طارئة لمواجهة إسرائيل عسكريا، لكنهم أكدوا أهمية حدوث تقدم في موضوع القضية الفلسطينية، لكن نبرتهم حول هذا الموضوع أقل عاطفية مما عهد عليهم في السابق، فالأولوية التي يركزون عليها هي تنظيم الدولة، وموازاة إيران من موقع القوة".
ويذهب السفير السابق إلى أن "الخطط الإصلاحية تبدو على بعض المستويات واعدة أكثر منها في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط، ولدى السعودية احتياطي للنفط، ولا تعاني من مشكلات، وجئت من زيارتي للسعودية مقتنعا بأن قطاعا من القيادة السعودية جادا بشأن خطط التحديث، ويحاولون تحقيقها بحماس ومهنية".
ويستدرك خليل زاد بأنه "مع ذلك، فإن هناك الكثير من الأسباب التي تدعو إلى التشكيك بإمكانية تحقيق النجاح النهائي، لكن لو نجحت جهود الإصلاح، فإن السعودية تصبح أقوى من الماضي، وستؤدي دورا مهما في الدينامية الإقليمية، بما في ذلك موازاة قوة إيران، وربما التفاوض معها حول إنهاء الحروب الأهلية في المنطقة".
ويخلص السفير الأمريكي إلى القول إن "تغيرا حقيقيا في سياسة السعودية بدعم التطرف الإسلامي، سيكون نقطة تحول في جهود هزيمته، ونظرا للدور الذي تؤديه السعودية، فإن نجاحها قد يقدم نموذجا لبقية العالم العربي السني والعالم الإسلامي للبحث عن الإصلاح والنجاح، وسيساعد هذا بدوره على نشر عملية التغيير الملحة، فالمنطقة وبقية العالم لديهم مصلحة في نجاح السعوديين، وعلينا تشجيعهم ودعمهم في طريقهم الجديد".