سياسة دولية

يوسي ميلمان: علاقات إسرائيل وتركيا لن تعود لسابق عهدها

المعلق الإسرائيلي قال إن أردوغان حينما جاء تغير مسار تركيا وتوجهها- عربي21
قال يوسي ميلمان المعلق الإسرائيلي المختص بالشؤون الأمنية والإستخباراتية، السبت، إن المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا وما تلاها من أحداث كان لها تأثير قوي على العلاقات الإسرائيلية التركية، حيث كان من تداعيات ذلك تجميد عملية المصالحة بين البلدين بشكل كامل.

وأوضح أن "الحكومة التركية منهمكة الآن في إحكام قبضتها على المجتمع من خلال قمع وتطهير المؤسسة العسكرية وجهاز المخابرات وعمليا جميع الدوائر الأمنية والهياكل المدنية للدولة، من أعدائها، سواء كانوا حقيقيين أم متوهمين، أما على المستوى الخارجي، فأردوغان مشغول في تسعير مزيد من الحرب ضد الأكراد وفي إصلاح علاقاته مع بوتين. ومن الواضح أن نطاق اهتماماته الضيق لا يتسع لإسرائيل".

ونقل ميلمان عن مسؤول في الخارجية الإسرائيلية، أنه "لا شيء يحدث على جبهتنا الآن، سواء خيرا أم شرا. فعلى الأقل لم يعد أردوغان يقرعنا ويهاجمنا كما كان يفعل من قبل. وبينما توجه وسائل الإعلام التركية التي تسيطر عليها الحكومة اتهاماتها إلى كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، فإن أي اتهامات لا توجه إلى إسرائيل بأنها متورطة من قريب أو بعيد بحركة التمرد التي وقعت هناك".

ومضى المصدر في الخارجية الإسرائيلية يقول: "العلاقات الآن مجمدة ولم تنفذ الاتفاقية التي تم التوصل إليها بين الطرفين. ولكن في الوقت نفسه تفيد الرسائل الواردة من أنقرة باستمرار، بأن شيئا لم يتغير وأنهم ملتزمون بالاتفاقية".

ما بعد سفينة مافي مرمرة

وعرج الخبير الإسرائيلي على حادثة مقتل ناشطين أتراك على يد جنود إسرائيليين كانوا على متن سفينة إغاثة تركية متجهة إلى غزة عام 2010، بالقول إنه "بعد مرور أكثر من ستة أعوام على تدهور العلاقات بين البلدين بسبب الأحداث المأساوية المرتبطة بالسفينة "مافي مرمرة"، فقد توصل ممثلون عن البلدين في نهاية شهر حزيران/ يونيو 2016 إلى التوقيع في أحد فنادق روما على اتفاقية مصالحة بينهما".

إلا أن مصادر المخابرات الإسرائيلية زعمت أن "إي ها ها" كانت تهرب أسلحة لصالحة جماعات إرهابية ترتبط بتنظيم القاعدة. وكانت وزارة الخارجية الأمريكية في عام 2010 قد أعربت عن قلقها الكبير بشأن ما بين هذه المجموعة وكبار المسؤولين في حركة حماس من روابط، وفقا للخبير الإسرائيلي.


وأشار ميلمان إلى أن تركيا خضعت للضغط الإسرائيلي ووافقت على إغلاق مكتب أسسه "عز الدين القسام" الجناح العسكري لحركة حماس. وكما كشف فيما بعد مسؤولون في المخابرات الإسرائيلية في تقرير لهم، فقد كان نشطاء حماس يستخدمون هذا المكتب لتوجيه الأوامر وإرسال الأموال وإدارة العمليات الإرهابية ضد إسرائيل وضد السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.

وتمكنت وكالة الأمن الإسرائيلية، التي تعرف أيضا باسم شين بيت، في عام 2015 من إحباط عدد قليل من المحاولات من هذا النوع، كانت أكبرها قبل عام واحد تقريبا عندما ألقي القبض على العشرات من أعضاء "حماس" وتم اكتشاف مخازن للسلاح، حسبما ذكر ميلمان.

ولفت إلى أن "النجاح الآخر الذي حققته الحكومة الإسرائيلية من الاتفاق مع تركيا هو أن الحصار المفروض على غزة لم يرفع. وعلى النقيض مما يدعيه أردوغان ويتفاخر به فإن المساعدات الإنسانية التركية المتجهة إلى غزة سترسل عبر ميناء أشدود الإسرائيلي".

وبحسب مقال ميلمان نشره في موقع "مديل إيست آي"، فإن "إسرائيل جنت بعض الفوائد الأمنية من الاتفاق جرى تجاهلها أو لم تحز على اهتمام إعلامي بها، ومن ذلك على سبيل المثال أن البرلمان التركي سوف يسن تشريعات تحظر مقاضاة الضباط أو المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في حادثة مافي مرمرة داخل المحاكم التركية".

علاقات استخباراتية تاريخية

وبشأن العلاقات التاريخية بين تركيا وإسرائيل، قال ميلمان: "بدأت العلاقات الأمنية والإستخباراتية الخاصة بين البلدين في النصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين. فبتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا شكلت أجهزة المخابرات الإسرائيلية (الموساد) والإيرانية (السافاك) والتركية (إم آي تي) فيما بينها كيانا استشاريا ثلاثيا بات يعرف باسم حلف "ترايدنت".

وأضاف: "كان رؤساء الأجهزة الثلاثة يجتمعون سنويا ويتبادلون المعلومات حول أعدائهم المشتركين (مصر، وسوريا، والعراق). وصلت العلاقات بينهم إلى ذروتها في الخمسينيات، ثم انتهت مشاركة إيران بعد اندلاع ثورة 1979، ووصل ذروة العلاقات الإسرائيلية- التركية في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، ثم ما لبث أن انتهى بعد أن قرر أردوغان الانسحاب".

وأصبحت تركيا سوقا مهما تقدر قيمة مبيعات المنتجات العسكرية والأمنية الإسرائيلية إليه بعدة مليارات من الدولارات. لقد باعت المؤسسات الصناعية الأمنية الإسرائيلية طائرات من غير طيار ومعدات تجسس وساهمت في تحديث الطائرات الحربية والدبابات التابعة للجيش التركي، حسبما ذكر الخبير الإسرائيلي.

وزودت تركيا إسرائيل آنذاك  بالمعلومات التي حصلت عليها حول سوريا والعراق وإلى درجة ما حول إيران من جواسيسها ومن مواقع التنصت التي أقامتها الولايات المتحدة الأمريكية. وبالمقابل، طلبت تركيا وحصلت على معلومات توفرت لدى المخابرات الإسرائيلية حول المنظمات الكردية وخاصة ما تعلق منها بحزب العمال الكردستاني.

وكان مسؤولو الموساد يلتقون بشكل دوري مع زملائهم في جهاز المخابرات التركي إما في أنقرة أو في إسطنبول أو في تل أبيب. وفي بعض هذه اللقاءات شعر كبار المسؤولين في المخابرات التركية ممن كانوا مكلفين برصد تحركات عناصر حزب العمال الكردستاني بنوع من الأريحية والحميمية لدرجة أنهم سألوا نظراءهم الإسرائيليين إذا ما كانوا على استعداد لتقديم يد العون لهم في اغتيال الإرهابيين الأكراد. وكان الإسرائيليون يكتفون بالاستماع بأدب، لم يعلقوا على ما طلب منهم، ولكنهم تجاهلوه.

كل هذا انتهى عندما بادر رئيس الوزراء التركي حينذاك -الرئيس الحالي- أردوغان تغيير مسار السياسة الخارجية التركية وتوجهها، على حد تعبير ميلمان.

وشدد المعلق الإسرائيلي في مقاله "لقد بات واضحا لدى المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين أنه بمجرد البدء في تطبيق الاتفاقية، فإن الفترة الذهبية من التعاون العسكري والاستخباراتي الوثيق بل والحميم بين إسرائيل وتركيا تكون قد انتهت".