تنشط في مناطق عديدة في
سوريا، خصوصا المناطق المحررة، تجارة
تزوير وبيع
الشهادات الجامعية والمدرسية، بشكل علني وفي وضح النهار.
ويمارس أصحاب هذه "المهنة" نشاطهم من خلال مكاتب منتشرة في الشوارع الرئيسية في المدن، ومعظمهم من سماسرة المعاملات أمام المحاكم والبلديات والدوائر الرسمية في المناطق المحررة.
محمد العيدو، طالب معهد هندسة زراعية، لكنه لم يكمل دراسته بسبب ظروف الحرب، يقول لـ"عربي21": خلال خمسة أيام حصلت على شهادة هندسة زراعية بـ150 دولارا". ويضيف قائلا: "بسبب المعرفة تمت مراعاتي بهذا السعر، غيري يدفع أكثر من ذلك؛ لأن شهادة الهندسات سعرها 300 دولار"، بحسب قوله.
تبريرات
ويوضح العيدو أنه لجأ لهذه الطريقة "بعد رؤيتي إعلانا على صفحة التواصل الاجتماعي لإحدى المنظمات تعلن عن حاجتها لمهندسين زراعيين". وتابع قائلا: "توجهت إلى أحد مكاتب التزوير المنتشرة بشكل علني في الريف الشمالي من حلب، وما كان علي سوى إعطائهم الاسم الكامل، والمولد، والسنة التي أريد التخرج فيها، والاختصاص الذي أريده، والمعدل الذي أرغب به، وبعد منحي الشهادة سلمتهم المبلغ المتفق عليه".
ويعترف العيدو بأن "تزوير الشهادات عمل ليس بأخلاقي، وأنني أحمل شهادة مزورة وربما أحصل على حق غيري في العمل"، لكنه يبرر لجوءه إلى هذه الطريقة بـ"الحاجة للعمل، وخصوصا مع المنظمات التي تدفع رواتب مغرية، وهي بالأصل لا تدقق كثيرا على موضوع الشهادات الجامعية أو غيرها"، مضيفا قوله: "ربما ترى شخصا حاملا شهادة جامعية يكون المسؤول عنه يحمل شهادة ثانوية".
فبعد "خمس سنوات مضت وآلاف طلاب
الجامعات والمعاهد منقطعون عن جامعاتهم ومعاهدهم، ولا أمل بعودتهم إلى صفوف الدراسة"، لجأ بعضهم للحصول على شهادات مزورة "إما طلبا للسفر أو الحصول على وظيفة داخل البلد"، كما يقول العيدو لـ"عربي21".
تخفيضات وخدمات
ويقول صاحب مكتب تزوير شهادات في مدينة أعزاز، في ريف حلب الشمالي: "نحن نستطيع تأمين كافة الشهادات الجامعية، والماجستير، والثانوية العامة بفروعها، والإعدادية، وأي اختصاص جامعي تحب"، وفق قوله لـ"عربي21".
ويضيف قائلا: "هل تريد مصدقة تخرج؟ ادفع 150 دولارا، وإذا أردتها مع كشف علامات ادفع 200 دولار، وإذا كنت تريد معهما أيضا الشهادة الأساسية (الكرتونة) ادفع 250 دولارا"، أما شهادة الثانوية العامة والإعدادية فسعرها 50 دولارا.
لكن شهادة الهندسات والطب سعرها أعلى، إذ يبلغ 300 دولار، أما الماجستير فسعرها 350 دولارا، "وبإمكانك من خلالها التقدم إلى أي وظيفة داخل وخارج القطر"، بحسب قول صاحب المكتب.
ويتحدث صاحب المكتب عن تخفيض في السعر حسب عدد الشهادات، "فإذا أردت أن تحصل على أكثر من شهادة لأصحابك سيكون لك تخفيض".
كما تحدث عن استعداده لإخراج بطاقات شخصية وعائلية، وجوازات سفر، وبطاقات سيارات، وشهادات قيادة سيارة، "وأي أوراق ثبوتية أخرى تحتاجها". ويشرح صاحب المكتب أنه "يتم طباعة الشهادة من خلال طابعات ذات دقة عالية في مكاتبنا".
ولا يقتصر عمل المكتب على استخراج شهادات في المناطق المحررة، بل "نستطيع تأمين شهادات من مناطق النظام، ولكن بسعر مرتفع يصل للماجستير إلى 5000 دولار، والشهادة الجامعية 3000 دولار، وبإمكانك أيضا تقديمها والاستفادة منها بأي منظمة أو دولة"، على حد قوله.
جريمة كبيرة
من جهته، يؤكد الدكتور أحمد طعان، رئيس هيئة التعليم العالي في المناطق المحررة في الداخل السوري، أن موضوع تزوير الشهادات التعليمية "جريمة كبيرة"، وهي "مخالفة للقوانين والأديان لما لها من نتائج كارثية على البلد، أولها تضييع الفرصة في العمل على أصحاب الشهادات والمؤهلات العلمية الحقيقيين، ووصول جهلة إلى مراتب وظيفية وإدارية".
وأوضح طعان لـ"عربي2" أنه "إلى هذه اللحظة لم نستطيع فعل شيء لمحاسبة ومنع هؤلاء من العبث بهوية البلد العلمية، الذين يمارسون هذه التجارة الرخيصة مقابل المال فقط"، وفق تعبيره.
وأوضح الطعان أن معالجة هذا الموضوع ومحاسبة مرتكبيه يقع على جميع الجهات العاملة على الأراضي المحررة في سوريا، لتدارك خطورة هذا الموضوع ونتائجه الكارثية على البلد.
من جانبه، قال محمد أنور، خريج كلية الاقتصاد، في حديث لـ"عربي21"، إن تزوير الشهادات أضاع عليه فرصة التوظيف في المنظمات العاملة في المناطق المحررة في سوريا "باعتبار أن تلك المنظمات تطلب موظفين لكافة الاختصاصات، وهي لا تدقق في موضوع الشهادات"، وهو ما رآه سببا إضافيا "في توجه الناس إلى طلب الشهادات المزورة ودفع أي مبلغ في سبيل الحصول عليها".
وتابع أنور حديثه قائلا: "كما أن تزوير الشهادات الجامعية جريمة جنائية وأخلاقية وإنسانية، فهي ساهمت باستبعاد أصحاب الكفاءات عن ميادين العمل، وأتت بأناس همهم الراتب، ولم يحققوا أي إنتاجية وعطاء، بل سينتجون الخراب والدمار والهدر"، بحسب تعبيره.
وعبر عن أسفه لأن "هؤلاء المزورين مكاتبهم موجودة أمام المحاكم والهيئات الشرعية (في المناطق المحررة)، يرونهم بشكل علني يمارسون التزوير دون خوف أو خجل، ودون أن يقوم أحد بمنعهم ومحاسبتهم".