كتاب عربي 21

عن العالم المنحط والمستنقع السوري

1300x600
حين دك الطاغية حافظ الأسد مدينة حماة عام1982 وارتكب فيها جريمة إبادة جماعية قتل فيها ما يزيد على أربعين ألف مواطن سوري بينهم عجائز ونساء وأطفال، ظن من يكتبون التاريخ أن هذه أعظم وآخر المذابح التي شهدتها سوريا لكن أعاد السفاح الابن بشار الأسد كتابة التاريخ بمذابح دامية قتلت حتى الآن ما يقرب من نصف مليون مواطن سوري ناهيك عما يزيد على خمسة ملايين لاجئ يبحثون عن مأوى، ويفضل بعضهم الموت غرقا بدلا من البقاء بجحيم بشار وعصاباته الإيرانية ومؤخرا الروسية. 

ينسى الناس أن المجرم بشار يعاقب شعبه لأنه طالب بالحرية في ثورة سلمية وطنية فقام القاتل بتحويلها لحرب يستخدم فيها قذائف الدبابات وقصف الطائرات وبراميل البارود المتفجر والأسلحة الكيمائية لإبادة الأبرياء الذين حلموا بالحرية، عسكر بشار الثورة السورية وأرغمها على حمل السلاح دفاعا عن النفس والعرض، وفتح باب التدخل الأجنبي في بلاده حين استدعى المرتزقة من مليشيات حزب الله اللبناني الشيعي، ثم قوات من الحرس الثوري الإيراني ليصبغ المواجهة بصبغة طائفية مقيتة وحين تصدعت أركان تحالفه وبدأت طوابير توابيت الهالكين من حلفائه تعود إلى لبنان وطهران طلب الغوث من الدكتاتور الروسي ليبقيه على كرسي الحكم على أشلاء شعبه ودمائه!

مع دخول آلاف الجنود الروس لمنطقة الساحل بسوريا تحت حماية الطائرات الروسية التي بدأت تأخذ دورها وحصتها في قتل الشعب السوري يعلن المجتمع الدولي عن عالم منحط تتحالف أطراف منه وتتواطأ أجزاء أخرى وتصمت أطراف ثالثة عن أفظع جرائم القتل الجماعي الحديث ويبدو هذا العالم المنحط كأنه يكافئ الإرهابي السفاح بشار الأسد على جرائمه في حق شعبه.

السيد أوباما يعاتب برقة بالغة السيد بوتين ويقول له إن التدخل الروسي العسكري في سوريا لن يحل المشكلة، لا تتحرك أمريكا لوقف قتل السوريين ولا تضغط على الروس لمنعهم من المجيء بجنودهم للمنطقة ولا تفكر حتى في محاولة إصدار قرار أممي يدين التدخل الروسي، يبدو أن أمريكا توافق ضمنيا على دخول الروس لإجهاض التقدم العسكري للمقاومة السورية المسلحة التي صارت بعض فصائلها على مقربة من أبواب دمشق!، يبدو أن أمريكا تريد إبقاء الملف السوري بحالته الكارثية كورقة ضغط على الجانب السعودي والتركي الذى يمثل رأس الحربة في مواجهة التمدد الإيراني، ولا مانع من منح إيران فرصة للملمة جراحها النازفة في سوريا واليمن. 

الكل يتحدث الآن عن بقاء بشار في الحكم ضمن فترة انتقالية لم تتحدد لها أي معالم والجميع يعلمون أنهم كاذبون فلا فترة انتقالية سيمكن بدؤها في ظل وجود بشار، ولن يستطع أي فصيل مسلح ذو تواجد على الأرض أن يوقع على اتفاق يكون ضمن بنوده بقاء بشار حتى لفترة انتقالية، الهدف من التدخل الروسي ليس مواجهة داعش التي هي حليفة لبشار في كثير من الأوقات وتحارب فصائل المقاومة بالنيابة عنه في أكثر من جبهة، الهدف من التدخل الروسي الكبير عدة وعتادا هو سحق المقاومة المسلحة وكسر بنيتها التحتية لترضخ لما يريده بشار ومن وراءه اللاعبين الكبار، لو أرادت أمريكا إسقاط بشار منذ سنوات لقامت بذلك بسهولة لكنها لا تريد، لو أرادت أمريكا منع روسيا من إرسال جنودها لسوريا لفعلت ذلك ولكنها قررت أن تلعب لعبة الموت. 

يتناسى الجميع المستنقع الأفغاني الذى كان سببا هاما في إضعاف الاتحاد السوفييتي وسقوطه بعد ذلك، وتتناسى أمريكا أيضا ما حاق بها بسبب تركها للأمور تتصاعد للدرجة التي جعلت أفغانستان موطنا لجماعات عنيفة استطاعت الوصول لعقر دار الأمريكان وإذاقتهم من كأس الخوف والإرهاب، وها هي اليوم أمريكا تعيد إنتاج نفس لعبة الموت في سوريا في سوء تقدير بالغ من الإدارة الأمريكية التي تقامر بجعل سوريا موطنا جديدا لجماعات دينية ستضع الروس والأمريكان والإيرانيين في كفة واحدة وستطالهم أيديها في أي مكان.

هنيئا للروس هذا المستنقع الجديد الذى اختاروه بإرادتهم، فالجهاد المقدس ستنطلق دعواته الآن في أرجاء البلاد الإسلامية وكذلك الغربية وسيتدفق عشرات الآلاف لمحاربة الروس (أعداء الله) وستتوحد الفصائل المتناحرة مثلما توحدت قبل ذلك في أفغانستان لتحارب المحتل الروسي الذى جاء لسوريا لحرب الإسلام ودعم الروافض الكفرة (هكذا سيقولون ويُنظًرون وسيفتون وسيحشدون بهذا الخطاب وسينجحون)، ما أشبه اليوم بالبارحة، وها هو التاريخ يعيد نفسه لكنهم لا يتعلمون!

ستظهر لهم ألف داعش جديدة بدلا من تلك التي يزعمون أنهم جاءوا للقضاء عليها بينما هم اليوم متحالفون معها ومتحدون معها في الهدف؛ وهو القضاء على المقاومة السورية الوطنية والإسلامية المسلحة التي تهدف لإسقاط بشار وداعش في نفس الوقت. 

هنيئا للأمريكان حمقهم واعتقادهم أنهم سيكونون في مأمن من تداعيات ما يحدث في سوريا والمنطقة العربية، وليحتضنوا إيران أكثر وأكثر ليتشاركوا في المصير البائس الذى سيجمعهما يوما ما طالما استمرت سياساتهم الكارثية في المنطقة.

إنهم يُحضّرون الآن العفريت ولن يستطيعوا صرفه ولا إيقاف مده، ستدور الأيام وسنتذكر جميعا كيف كان التدخل الروسي سببا في نهاية بشار وليس بقاءه..  إنّا لمنتظرون..!!