كتاب عربي 21

اللاجئون السوريون هروب من الموت للموت

1300x600
يخبرني صديقي الطبيب السوري الذي أتى لمصر بعائلته وأطفاله هربا من جحيم الحرب الدائرة هناك، أنه يفكر في السفر لتركيا بحثا عن رحلة هروب وهجرة غير شرعية إلى أوروبا؛ بحثا عن حياة كريمة وأمن صار يفتقده في مصر ، صديقي الطبيب ابن عائلة سورية عريقة تسكن دمشق التي تخرج من جامعتها وعمل كطبيب أسنان مرموق ببلدته، حتى دارت به الأيام وتهدم منزله وقُتل والده إثر قصف طالهم وأرغمهم على الرحيل. 

لم يستطع الرجل أن يعمل طبيبا في مصر فور مجيئه، وعانى كثيرا واضطر للعمل في مهن متواضعة لا علاقة لها بالطب، إلى أن استطاع العمل كطبيب لمدة ثلاثة أيام فقط أسبوعيا، ومع حالة الركود الاقتصادي العام التي تمر بها مصر، فإن دخله الشهري لا يكفي للإنفاق على أسرته وأطفاله، ولا يستطيع إيجاد عمل إضافي بالتوازي مع تغير الأجواء العامة في مصر تجاه اللاجئين السوريين، عقب 30 يونيو وحملات التحريض والشيطنة ضد كل السوريين. 

أقول لصديقي هل رأيت شاحنة اللاجئين السوريين التي اكتشفوها في النمسا لجثث متراكمة ؟ هل رأيت مراكب الموت التي قتلت مئات السوريين أمام شواطىء ليبيا ؟ هل رأيت ما حدث لللاجئين الذين تم إطلاق النار عليهم في هنغاريا ؟ أنت تخاطر بنفسك وأطفالك وتذهب للموت بقدميك ! ينظر إلي بأسى ويقول : وماذا يختلف الموت هناك عن الموت هنا ! كله موت!

هذا مثال للاجىء سوري متعلم عصف به اليأس وأنهكه حتى استوى عنده الموت بالحياة، طالما أنه يبحث عن أمل جديد يخلق له حياة كريمة وآمنة، تأملت حال صديقي وأنا أقرأ سطور الرسالة التي تم نشرها بمواقع إخبارية لشاب سورى كتبها قبل موته، وهو يحاول الهرب إلى اوروبا ( أنا آسف يا أمي لأن السفينة غرقت بنا ولم أستطع الوصول إلى هناك، كما لن أتمكن من إرسال المبالغ التي استدنتها لكي أدفع أجر الرحلة، لاتحزني يا أمي إن لم يجدوا جثتي، فماذا ستفيدك الآن إلا تكاليف نقل وشحن ودفن وعزاء.

أنا آسف يا أمي لأن الحرب حلّت، وكان لا بد لي أن أسافر كغيري من البشر، مع العلم أن أحلامي لم تكن كبيرة كالآخرين، كما تعلمين كل أحلامي كانت بحجم علبة دواء للقولون لك، وثمن تصليح أسنانك.
بالمناسبة لون أسناني الآن أخضر بسبب الطحالب العالقة فيه، ومع ذلك هي أجمل من أسنان الديكتاتور ،أنا آسف يا حبيبتي لأنني بنيت لك بيتا من الوهم، كوخا خشبيا جميلا، كما كنا نشاهده في الأفلام، كوخا فقيرا بعيدا عن البراميل المتفجرة، وبعيدا عن الطائفية والانتماءات العرقية وشائعات الجيران عنا.

أنا آسف يا أخي لأنني لن أستطيع إرسال الخمسين يورو التي وعدتك بإرسالها لك شهريا لترفه عن نفسك قبل التخرج.

أنا آسف يا أختي لأنني لن أرسل لك الهاتف الحديث الذي يحوي "الواي فاي" أسوة بصديقتك ميسورة الحال.

أنا آسف يا منزلي الجميل لأنني لن أعلق معطفي خلف الباب.

أنا آسف أيها الغواصون والباحثون عن المفقودين، فأنا لا أعرف اسم البحر الذي غرقت فيه..

اطمئني يا دائرة اللجوء فأنا لن أكون حملا ثقيلا عليك.

شكرا لك أيها البحر الذي استقبلتنا دون فيزا ولا جواز سفر، شكرا للأسماك التي ستتقاسم لحمي ولن تسألني عن ديني ولا انتمائي السياسي.

شكرا لقنوات الأخبار التي ستتناقل خبر موتنا لمدة خمس دقائق كل ساعة لمدة يومين..
شكرا لكم لأنكم ستحزنون علينا عندما ستسمعون الخبر.
أنا آسف لأني غرقت )..". انتهت الرسالة

يموت السوريون فى الداخل وفي الخارج ومازالت الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي مختلفا حول بشار هل يبقى؟ أم يرحل ؟ هل هو المجرم أم فصائل المقاومة الوطنية؟ أم التنظيمات الإسلامية ؟ أم العصابات الداعشية؟ يستمر الجدل بينما يستمر الموت يحصد في أرواح السوريين الأبرياء الذين لم يكن لهم ذنب سوى مطالبتهم بالحرية والديموقراطية، فعاقبهم حاكمهم المجرم بالقتل والتشريد ، ومع كل جرائمه ما زال  هناك من حكام العرب من يتمسك ببقائه ويراه جزءا من الحل للمأساة السورية !

عار على الدول الكبرى الثلاث بالمنطقة (مصر والسعودية وتركيا) أن تترك ميلشيات القتل النظامية والداعشية والإيرانية تمارس إجرامها ضد الشعب السوري الذي يقترب من العام السادس وهو تحت مقصلة كل هؤلاء المجرمين، لم يعد التدخل العسكري في سوريا ضد بشار وضد الدواعش ترفا يمكن تأجيله، وإذا كان المجتمع الدولي يخضع للابتزاز الروسي والصيني والايراني ويسمح باستمرار المأساة، فالمسؤولية الأخلاقية تحتم على الدول الثلاث التدخل لإيقاف نزيف الدم ووقف ألة القتل، والوصول لتسوية جديدة تخلو من مجرم الحرب بشار الأسد، وتهيئ البلاد لفترة انتقالية يتم فيها بناء جيش وطني، ونزع سلاح الفصائل، واخراج المقاتلين الأجانب خارج سوريا. 

مأساة سوريا عار على الإنسانية وعار على العرب والمسلمين، الشعوب الحرة وكل أصحاب الضمائر يجب أن يتحركوا ويمارسوا الضغط  على أنظمتهم لوقف إبادة الشعب السورى، رحم الله الشهداء ولعن القتلة والمجرمين..