من التجارب التي تستحق التوثيق في اعتصام ميدان رابعة الذي مرت قبل أيام الذكرى الثانية لفضه تجربة خيمة الصحفيين التي كانت تمثل مع خيام أخرى معالم بارزة للاعتصام مثل خيمة فناني الثورة التي كان يقيم فيها بشكل دائم المخرج الشهيد محمد الديب الذي قتل يوم الفض وخيمة مجلس الشورى التي كانت مكانا لتجمع نواب مجلسي الشعب والشورى، والتي كانت مجاورة لخيمة الصحفيين، وخيمة شباب ضد الانقلاب.. الخ.
أثبتت خيمة الصحفيين (صحفيون ضد الانقلاب) أن هناك في الإعلام
المصري الذي مهد للثورة المضادة وشارك في الانقلاب صحفيون وإعلاميون رافضون لهذا الإنقلاب، أفصحوا عن مواقفهم مبكرا دون خوف أو تردد، مضحين بوظائفهم، ومغامرين بمستقبلهم، وبحريتهم، بل بحياتهم وقد راح بعضهم شهداءء بالفعل قبل فض الاعتصام وأثناءه وبعده مثل المصور أحمد عاصم (مذبحة الحرس الجمهوري) وأحمد عبد الجواد وحبيبة عبد العزيز ومصعب الشامي أثناء الفض، ومحمد حلمي ومصطفى الدوح بعده، ناهيك عن العشرات الذين دخلوا السجون ولا يزالون يقبعون فيها في ظل ظروف غير آدمية تكاد تفتك بهم مع غيرهم من السجناء.
كان الانطباع لدى المعتصمين سلبيا جدا عن الصحفيين والإعلاميين نظرا لكثرة الأكاذيب التي روجوها وكم التدليس والتحريض على القتل الذي صدر منهم ضد المعتصمين، كيف لا وهؤلاء الصحفيين هم الذين روجوا حكايات نكاح الجهاد في رابعة، وحكاية الكرة الأرضية التي يرقد اسفلها عشرات الجثث التي قتلها المعتصمون، وحكاية إنتشار الجرب بين المعتصمين بسبب عدم نظافتهم، والأهم من كل ذلك ترويج أن منطقة رابعة كلها حقل ألغام، وأن كل من فيها هم إرهابيون يتمنطقون بأحزمة ناسفة ستنفجر في وجه من يقترب منها، وأن الإعتصام مليء بالأسلحة الثقيلة والخفيفة، تلك هي الصورة التي رسمها الإعلام المصري عن رابعة وإعتصامها، ومعتصميها، وهي الصورة التي استخدمها الجيش والشرطة لفض الإعتصام وقتل وجرح الآلاف في ساعات قليلة وسط تهليل جزء كبير من الشعب لعب ذلك الإعلام بادمغتهم، وأعمى ابصارهم، وأقنعهم أنهم ينتمون لدين غير دين أولئك المعتصمين، ومن هنا جاءت تلك الانطباعات السلبية عن الإعلام والإعلاميين الذين نظر إليهم المعتصمون باعتبارهم إجمالا شياطين وقتلة، ولكن وجود خيمة حركة صحفيون ضد الإنقلاب التي كان يأوي إليها الكثير من الصحفيين الرافضين للانقلاب -وبعضهم وجوه معروفة - نجح في تعديل الصورة نسبيا ، وأقنع المعتصمين أن الصحفيين ليسو جميعا سواء ففيهم الصالح وفيهم الفاسد، وفيهم الأحرار وفيهم عبيد البيادة، فيهم المخلصون لثورة يناير وفيهم المنخرطون في للثورة المضادة.
في مواجهة الموجة العاتية للأكاذيب التي روجتها الأذرع الإعلامية لسلطة الإنقلاب حول الإعتصام سعت حركة صحفيون ضد الإنقلاب لتصحيح الصورة سواء عبر بياناتها الصحفية، أو حوارات رموزها، كما أعلنت الحركة عن مبادرة لاستقبال من شاء من الصحفيين داخل الاعتصام لينقل مشاهداته بحرية كاملة برفقة أحد أو بعض أعضاء الحركة لتأمينه من الأوهام التي علقت بذهنه حول السلاح والمسلحين والإرهاب والإرهابيين، وقد استجاب البعض للمبادرة وحضر إلى الإعتصام وخرج بأمان في حين اصر الكثيرون على ضلالهم وأكاذيبهم، لأنهم ببساطة لايستطيعون نشر غيرها بناء على طلب "صاحب المحل".
ما ميز حركة صحفيون ضد الإنقلاب عن غيرها من الحركات التي تأسست في تلك الفترة هو تنوعها السياسي والمهني فقد ضمت يساريين وليبراليين ومستقلين، وقد تعاهد صحفيو الإخوان على الابتعاد عن تصدر الحركة حتى تظل بعيدة عن التلوين السياسي، وإلى جانب هذه الحركة ولدت أيضا حركة شقيقة هي حركة إعلاميون ضد الانقلاب لتضم كل من يعلمون في الإذاعات والقنوات التليفزيونية الحكومية والخاصة الرافضون للانقلاب ايضا ، وكان للحركيتن حضور بارز على منصة رابعة بين الحين والآخر وهو ما كان يقابل بحفاوة بالغة من المعتصمين الذين رأوا صحفيين رافضون للانقلاب مثلهم على خلاف اولئك الذين يحرضون على قتلهم.
إلى جانب الدور الكبير الذي لعبته حركة صحفيون ضد الإنقلاب والتي لاتزال نشطة حتى اليوم، لايمكننا أن نغفل دور إعلاميين كثيرين أيضا في المركز الإعلامي ساهموا في نقل ما يجري في الإعتصام للعالم عبر القنوات والمواقع الإخبارية ومواقع التواصل الإجتماعي، وساعدوا المراسلين الأجانب الذين وفدوا إلى المكان لنقل الحقيقة، كما لايمكننا ان نغفل دور الإعلاميين والفنيين الذين تمكنوا من نقل البث المباشر لفعاليات الإعتصام إلى عشرات القنوات والذين كسروا ذلك التعتيم الإعلامي الذي حاولت السلطة فرضه على الاعتصام ونجحت فيه لمدة يومين فقط، وكان بامكانها أن تقتل الإعتصام مبكرا لو نجحت في الإبقاء على هذا التعتيم لفترة اطول.