قضايا وآراء

فاستخف قومه فأطاعوه.. مصر بتغرق

1300x600
كثيرة هي الآيات القرآنية ذات الدلالات الخاصة وتحديدا حين تلامس واقعا أو موقفا نعيشه اليوم، أو عاشه أسلاف من قبلنا، حينها يشعر المرء وكأن هذه الآية نزلت لهذا الموقف، أو لكأنه يسمعها لأول مرة، حدث ذلك مع من هم خير منا، فهذا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يرفض تصديق نبأ وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى يقرأ أمامه الخليفة أبو بكر قول الله تعالى "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات او قتل إنقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين" وكأن هذه الآية لم تمر أمام الفاروق من قبل أو ربما لم يكن يتوقع -وهو عبقري زمانه- انها ستحدث بالمعنى الفعلي وليس بالمعنى الرمزي.

"فاستخف قومه فاطاعوه " واحدة من الآيات القرآنية التي كانت تمر أمامي وربما أمام الكثيرين مرور الكرام، لكنني لم اكن أتصور أنها تنطبق بشكل كامل على شخص آخر غير فرعون موسى حتى رأينا وسمعنا جميعا تصرفات فرعون مصر الحالي عبد الفتاح السيسي وكيف استخف بشعبه فأطاعه وصدقه وسار خلفه دون تفكير ودون اكتراث بالعواقب التي ستصيبه جراء ذلك، وكيف أنه أوهم شعبه أنه يحفر قناة جديدة وليس مجرد تفريعة بطول 35 كم تضاف إلى 6 تفريعات سابقة إحداها اطول من هذه التفريعة ومع ذلك صدقوه وراحوا يتراقصون في طول البلاد وعرضها، وهم الذين استخفهم من قبل كثيرا فاطاعوه منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها إنقلابه على الشرعية والدستور الذي اقسم على إحترامه، ولايزال يستغفلهم ويستخف بهم حتى يغرقهم ويغرق الوطن معهم.

لنعد إلى الآية الكريمة في سورة الزخرف في سياقها التارخي والموضوعي ضمن آيات آخرى سبقتها ولحقتها لتبني معها وحدة واحدة، "وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56) صدق الله العظيم.

ولنبدأ بتفسير الشيخ متولي الشعراوي للآية في خواطره القرآنية : "الاستخفاف يعني العجلة والطيش وعدم التدبّر في المسائل، أي استخفهم فرعونُ بهذا الكلام فأطاعوه على الضلال الذي هو فيه ووافقوه على الفساد، ولا يوافق على الفساد إلا المنتفع به، أو وجدهم أهلَ طيش ورعونة وعدم تفكّر في الأمور، فضحك عليهم بهذا الكلام"(. https://www.youtube.com/watch?v=hEmbQ9s3ULg) يا إلهي لو كان الشعراوي حيا بيننا ونطق بهذا الكلام الآن لصنف على الفور إرهابيا ولصودرت أمواله وممتلكاته، وللبث في السجن بضع سنين.

يقول الإمام القرطبي في تفسيره "قال ابن الأعرابي : المعنى فاستجهل قومه فأطاعوه لخفة أحلامهم وقلة عقولهم ، يقال: استخفه الفرح أي : أزعجه ، واستخفه أي: حمله على الجهل، ومنه : ولا يستخفنك الذين لا يوقنون . وقيل : استفزهم بالقول فأطاعوه على، التكذيب . وقيل : استخف قومه أي : وجدهم خفاف العقول . وهذا لا يدل على أنه يجب أن يطيعوه، فلا بد من إضمار بعيد تقديره وجدهم خفاف العقول فدعاهم إلى الغواية فأطاعوه . وقيل : استخف قومه وقهرهم حتى اتبعوه، يقال: استخفه خلاف استثقله، واستخف به أهانه. إنهم كانوا قوما فاسقين أي: خارجين عن طاعة الله".

ويقول اٌلإمام بن كثير في تفسيره للآية: { فاستخف قومه فأطاعوه} أي استخف عقولهم فدعاهم إلى الضلالة فاستجابوا له، أما صاحب الظلال الشهيد سيد قطب فقد أبدع في تفسيره للآية قائلا :" استخفاف الطغاة للجماهير أمر لا غرابة فيه ; فهم يعزلون الجماهير أولاً عن كل سبل المعرفة، ويحجبون عنهم الحقائق حتى ينسوها , ولا يعودوا يبحثون عنها ; ويلقون في روعهم ما يشاءون من المؤثرات حتى تنطبع نفوسهم بهذه المؤثرات المصطنعة . ومن ثم يسهل استخفافهم بعد ذلك، ويلين قيادهم , فيذهبون بهم ذات اليمين وذات الشمال مطمئنين !

ولا يملك الطاغية أن يفعل بالجماهير هذه الفعلة إلا وهم فاسقون لا يستقيمون على طريق، ولا يمسكون بحبل الله، ولا يزنون بميزان الإيمان . فأما المؤمنون فيصعب خداعهم واستخفافهم واللعب بهم كالريشة في مهب الريح. 

ومن هنا يعلل القرآن استجابة الجماهير لفرعون فيقول :{ فاستخف قومه فأطاعوه ، إنهم كانوا قوماً فاسقين }. 

وإذا كان المفكر الراحل مالك بن نبي قد صك مفهوم "الإستعمار والقابلية للإستعمار" في 1948 م في كتاب شروط النهضة، فإننا يمكن أن نقيس عليه مفهوم الإستخفاف والقابلية للاستخفاف، فما كان للسيسي أن يستخف سوى من لديهم القابلية للإستخفاف فقط، وهذا يقطع بأن الأمر لاينطبق على عموم الشعب، فهناك قطاع كبير من الشعب لايزال يقاوم الفرعون ويحاصره في الداخل والخارج، وهناك قطاع أكبر لايقبل استخفاف الفرعون ولكنه غير قادر على المقاومة الإيجابية فيعمد إلى المقاومة السلبية أخذا بأضعف الإيمان. 

لنعد الآن إلى استخفاف السيسي بشعبه هو؛ الذين قال لهم يوم إلقاء بيان الإنقلاب إن فعلته هذه هي استكمال لثورة يناير فنزلوا الشارع يتراقصون للثورة المكملة، ثم طلب منهم تفويضا لما وصفه بالإرهاب المحتمل ففوضوه على بياض دون حاجة إلى ذلك لأن تحقيق الأمن مهمة أساسية لاي حاكم لاتحتاج تفويضا، ثم طلب منهم أن يصوتوا لصالح دستوره ففعلوا دون أن يقرأوا حرفا في ذلك النص، ثم قال إنه ليس لديه أطماع في السلطة، وانه لن يكون حكم عسكر فصدقوا وراحوا يروجون كلامه على أوسع نطاق، ثم حين رأوه يعلن ترشحه للرئاسة مرتديا الزي العسكري نسوا ما روجوه من قبل، وراحوا يتراقصون أيضا أمام لجان الإنتخابات التي خلت إلا منهم( القابلون للاستخفاف).

صدقوا من السيسي الشيء وعكسه دون تفكير، حين قال لهم مرة إن مرسي كان حاكما ضعيفا فقالوا نعم ضعيف جدا، ثم قال لهم إنه كان حاكما مستبدا فقالوا نعم إنه طاغية، صدقوه حين قال لهم إن حماس إرهابية وأن الإسرائيليين هم خير الأصدقاء،  صدقوه حينما قال لهم عبر إعلامه إن الإخوان هم من قتلوا أبناءهم، ودفنوهم في الكرة الأرضية تحت رابعة، وأطاعوه حين أصدر حوالي 300 تشريع دون اي مناقشة ومعظمها يزيدهم ألما على ألم، صدقوه حين بشرهم بجهاز الكفتة في مؤتمر صحفي كبير، وصدقوه حين وعدهم بمليون وحدة سكنية خلال عام.

صدقوه حين أوهمهم أن المؤتمر الإقتصادي في شرم الشيخ سيغرق مصر في المن والسلوى ومليارات الإستثمرات التي تفتح فرص عمل لملايين المصريين، وإنتهى السامر دون إنجاز يذكر، وأخيرا حين أوهمهم بقناة السويس الجديدة ودخلها السنوي الذي قدروه بمائة مليار دولار سنويا ثم تراجعوا ليخفضوه إلى 13 مليار دولارأو حتى 11 مليار دولار، ثم هاهي الموازنة العامة للدولة تضع رقما هزيلا للايرادات المتوقعة في العام المقبل 5,5 مليار دولار مقابل 5,4 مليار دولار للعام الحالي ايأن الزيادة السنوية هي مائة مليون فقط  بنسبة زيادة 1,9% فقط وليس 44% أو 11 مليار دولار كما أوهموا الشعب.

كان يكفي من يحمل ذرة من عقل أن ينظر لهذا الرقم في الموازنة العامة للدولة، وكان يكفيه أن يلقي نظرة عابرة على خارطة القناة ليكتشف ان ما يجري الحديث عنه هو مجرد تفريعة سبقتها 6 تفريعات، وكان يكفيهم مراجعة ما تم من استخفاف من قبل على مدى عامين كاملين، ولكن ماذا تقول في قطيع يسوقه السيسي سوقا إلى حتفه وهم له مطيعون مستسلمون، إننا نحذر هنا هؤلاء الحمقى "المغفلين" وهم ليسو اغلبية الشعب من العاقبة ذاتها التي حلت بقوم فرعون من قبل "فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)" صدق الله العظيم.