قضايا وآراء

السيسي يطلب وساطة مع الإخوان!

1300x600
نناقش في هذا المقال ثلاث تصريحات عن حزب النور للوساطة مع الإخوان. الأول أبدوا فيه استعدادهم لتأدية دور الوساطة وفق القواعد التي تحددها الحكومة، والثاني قالوا فيه أن هذه ليست فكرتهم وأن الوساطة لم تكن مطروحة من جانب الحزب، ونفوا الشائعات التي انتشرت عن طلب الإخوان ذلك، والثالث قالوا فيه أن الإخوان سيرفضون أي وساطة منهم؛ لأن الإخوان يرون حزب النور خونة وعملاء، وهذا صحيح، وإن كان في ظني أن الإخوان سيرفضون أي وساطة منهم أو من غيرهم.

بربط التصريحات الثلاثة بعضها ببعض، يمكننا أن نستنتج - من غير فكاكة - أن من طلب وساطة النور مع الإخوان إنما هو عبد الفتاح السيسي، بعد أن فشل في 4 استراتيجيات من أصل 5 استخدمها لمواجهة الثورة، كما بينا في المقال السابق: " 5 استراتيجيات اتبعها السيسي لمواجهة الثورة" !
في السادس من مايو هذا العام، أعلن حزب النور عن قراره باستعداده للقيام بوساطة بين الحكومة والإخوان، حيث أكد صلاح عبد المعبود، عضو الهيئة العليا لحزب النور، أن الحزب على استعداد للقيام بدور الوسيط بين جماعة الإخوان المسلمين، والدولة ممثلة في عبد الفتاح السيسي.

وحتى لا يتوهم أحد خطأ أن حزب النور فعل ذلك بدافع من ضميره الذي يرقد في سلام في أعمق مقبرة في الحياة السياسية والأخلاقية في مصر والعالم الإسلامي، فقد أكد الحزب أنه سيفعل ذلك "وفقا للشروط التي تضعها الحكومة وليس وفقا لشروط الجماعة"، أي إنه قام بها الحزب كجندي مخلص للانقلاب يحاول أن يحل له مشكلاته وأزماته!

ويبدو أن القرار كان ثقيلا على نادر بكار الذي يبدو أنه أصيب منذ زمن بعيد بمرض عضال يسمى "هسهس الإخوان". وحسبما عرفت فإن من أعراض هذا المرض عدم الرغبة في سماع أي خير عن الإخوان، وتحميلهم مشكلة كل شيء في الوجود، والتوافق مع أي أحد في الكون إلا الإخوان، حتى الشيعة والملحدين الذين أبدى بكار عدم اعتراض الحزب على إنشاء أحزاب لهم في مصر!

هذا المرض دفع بكار إلى المبادرة بالتبرؤ من مبادرة الحزب للتوسط بين الإخوان والانقلاب من تلقاء نفسه، واستبق تصريح عبد المعبود بتصريح خاص لشبكة محيط قال فيه: "الوساطة بين الإخوان والدولة غير مطروحة من جانب النور". أي إنه يؤكد أن الحزب لم يفعل ذلك كنوع من المبادرة الخاصة بهم.

كما أكد نفي بكار شائعات بأن يكون الدكتور سعد الكتاتني أو المهندس أبو العلا ماضي قد طلبا وساطة النور للتواصل مع النظام، ولعل هذا يجيب عن سؤال قبل أن يبدأ، عرض المصالحة هذا مطروح من جانب من؟؟ السيسي أم الإخوان؟؟

أي مراقب للأحداث في مصر يعرف أن الإخوان رفضوا جميع المبادرات التي طرحت عليهم للصلح مع الانقلاب، وأنهم رفضوها من حيث المبدأ، لا التفاصيل. بل أنهم رفضوا التصالح حتى مع الفصائل العلمانية التي أعطت غطاء للانقلاب العسكري، وهي المبادرات التي خرجت نهاية العام الماضي بدعوى الاصطفاف الكاذبة.

لكن حزب النور وكبيرهم الذي علمهم السحر يونس مخيون، لم يريدوا أن يتركوا أي شك تجاه هذه المسألة، فأدلى مخيون بتصريح قاطع لصحيفة الأهرام بعد حوالي شهر من تصريحهم السابق قال فيه: "إن جماعة الإخوان لن تقبل بوجود أي وساطة من حزب النور، لإجراء مصالحه مع النظام القائم في مصر، لأن جماعه الإخوان تتعامل مع قيادات حزب النور، كأنهم عملاء وخونة".

وأنا معه في أن الإخوان وكل الشرفاء يرونهم بالفعل عملاء وخونة ومعرضين كمان، أزيد أن الإخوان بتأكيدهم المسار الثوري، لن يقبلوا أي وساطة لا من حزب الزور ولا من أحد غيره.

لكن إذا كانت الوساطة غير مطروحة من جانب النور كما يقول بكار، وإذا كان الإخوان لم يطلبوها ولن يقبلوا بحزب النور وسيطا كما يقول مخيون، فهذا يعني أن السيسي هو الذي طلب الوساطة! (من غير فكاكة)

وتصريح مخيون يوضح لأسياده أسباب فشله في هذه المهمة؛ إنهم لم يألوا جهدا في إتباع أوامر أسيادهم في المخابرات، لكن ماذا يفعلون مع هؤلاء الإخوان الثابتين على مواقفهم!

الحقيقة، أن تعريض حزب النور فريد من نوعه، له لون جديد يبعث على الغثيان والقيء حين تراه أمامك! إلا أنهم يقدمون درسا لكل التقليديين الذين يفكرون داخل الصندوق في هذه الحياة، بأنه يمكنكم دوما أن يكونوا مبادرين مبدعين ، وأن تبتكر أساليب جديدة لم يسبقك إليها غيرك، وها هم يضربون لك المثل وإن كان هذه المرة في التعريض!

من ناحية أخرى  فإن من يعيش داخل الأزمة قد يظن أن السيسي يقتل ويعتقل ويهجر ويغتصب وينفذ أحكاما للإعدام ويمضي في طريقه دون أن يردعه أحد! لكن الأيام تثبت ما ذهبنا إليه في مقالنا السابق، من أن السيسي فشل في أربع استراتيجيات لمواجهة الثورة، ولا يزال يبحث عن وسيلة لتثبيت انقلابه وإضفاء شرعية عليه، وأن مفتاح هذا الأمر لا يزال بيد الثوار في الشوارع لا بيد أي أحد غيرهم!