مقالات مختارة

هل يكون "تحالف جدة" بداية لعالم عربي جديد؟

1300x600
كتب جمال خاشقجي: عندما تقصف الطائرات الأميركية مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة، وتنهار دفاعاتها، وتسود الفوضى بين مقاتليها، فتصل أنباء ذلك إلى النظام، والثوار المعتدلين، وجبهة النصرة، أطراف ثلاثة تختصر الجانب المقابل لداعش على الأرض، وكل منها يحمل رؤية «وراية» مختلفة لمستقبل سورية، فأيهم الذي سيتقدم أولاً ويعلن تحرير الرقة من داعش ويرفع رايته هناك؟

هذه المعضلة نموذج واحد لمعضلات أخرى لا بد من أن تواجه التحالف الذي يتشكل الآن تحت عنوان «القضاء على داعش»، وبالتالي يفسّر سبب الاجتماع «العربي التركي الأميركي» الذي عقد الخميس الماضي المخصص لمناقشة تشكيل تحالف الدول المعنية قبل غيرها بالقضاء على داعش، والتي اعترف الرئيس الأميركي أوباما بأنها لن تكون عملية سهلة وتحتاج إلى سنوات، كيف ذلك وهي مجرد تنظيم؟

سأستخدم نموذج الرقة السابق للدلالة على صعوبة المهمة، فليست هناك قوات أميركية على الأرض لتكمل المهمة التي بدأتها الطائرات الأميركية، فأوباما وعد شعبه بوضوح بأنه لن يرسل أي قوات برية في هذه الحرب، كما أن دول المنطقة غير متحمسة لذلك، وبالتالي لا مناص من الاعتماد على واحد من الأطراف الثلاثة المذكورة، ولكن المهم كيف تمنع الطرفين غير المفضلين من الاستفادة من انهيار داعش؟

هذا ما يستلزم التعاون الدولي الإقليمي الذي يفترض أنه شرع في وضع قواعده في اجتماع جدة، ولكن بسبب غموض أوباما على رغم كثرة تصريحاته، وتردده «وفي ظل قلة تصريحات القوى الإقليمية وهي الأخرى لا تقل غموضاً وتعميماً»، لا يملك المحلل غير استخدام طريقة «توصيل النقاط» لرسم صورة واضحة.

أمامنا نقطة بداية كبيرة ومهمة، فبعد الاتصال الهاتفي الذي جرى بين العاهل السعودي الملك عبدالله والرئيس أوباما، سرّب الجانب الأميركي خبر موافقة السعودية على فتح معسكرات تدريب للمعارضة السورية المعتدلة، بالتالي هل يمكن القول حُسِمَ الأمر وانتهى بشار أخيراً؟

الإحباطات السابقة والتردد الأميركي ورفع الإصبع عن الزناد في اللحظة الأخيرة، الذي تكرر مرات عدة خلال عمر الثورة السورية، ما أعطى بشار الأسد ونظامه عمراً أطول لا يستحقه، يجعل السوري يتردد بقبول أن الأمر حُسِمَ، لولا متغير داعش الذي طرأ على المشهد السوري القبيح «والعراقي أيضاً وكل المنطقة» فجمع العالم ضدها، وحرّك إدارة أوباما المترددة بشكل مرَضي، فكان أحد أسباب تردي الأوضاع في المنطقة، وجمع أطرافاً إقليمية كانت يوماً متناحرة وها هي اليوم تسعى للتعاون في ما بينها، وبالتالي يمكن القول إن القضاء على داعش يستوجب القضاء على بشار، ما يفسّر التشغيب الروسي على التحركات الأميركية بتصريح خارجيتها بأن «قتال داعش يجب أن يكون وفقاً للقانون الدولي»، على رغم أن هناك قراراً أممياً صدر عن مجلس الأمن يدعو إلى مواجهة داعش وصوتت روسيا لمصلحته، ولكن من الواضح أنها قلقة من أن تتوسّع الولايات المتحدة في العمليات وتستهدف حليفها في دمشق، التي تناغمت مع التصريح الروسي وأصدرت بعده بدقائق تصريحاً بأنها ستعتبر أي عمل عسكري على أراضيها من دون التنسيق معها اعتداء!

التخوّف الروسي في مكانه وإن كان غير أخلاقي، فالعملية يجب أن تستهدف حليف موسكو في دمشق وتسقطه أو تمهّد لإسقاطه، ولعل هذا هو التفسير المنطقي لموافقة السعودية على معسكرات تدريب المعارضة السورية المعتدلة على أراضيها، إنه بمثابة إعلان حرب غير مباشرة على النظام السوري، وحسم لكل التكهنات التي شاعت خلال الأسابيع الماضية بأن الموقف السعودي حيال النظام قد يتغيّر بسبب القلق من تهديد داعش، وأن ثمة دوراً له في الحرب عليها، وهي نظرية روّج لها حلفاء النظام في طهران وموسكو، وقوى إقليمية ضمن «تحالف جدة»، التي بات من الواجب عليها توفيق موقفها مع غالبية الدول المشاركة في التحالف وعلى رأسها المملكة.

يمكن أيضاً تفسير الموافقة السعودية على معسكرات التدريب بأنه شراكة سعودية - أميركية ضد النظام السوري، فما أكثر ما احتجّت الأولى على الثانية بعدما ضاقت بتردده، وشروطه المبالغ فيها حيال تسليح المعارضة التي أخّرت النصر وسمحت للنظام بأن يستشري بعدوانه، وأدّت إلى تعفن الحالة السورية فأفرزت هي والعراق داعش والنصرة، ها هي السعودية تقول للأميركيين إنها مستعدة أن تتحمل مسؤولية أكبر لإنهاء هذه الحالة المدمرة حتى يمكن الانتقال إلى المرحلة الثانية من الحرب على التطرف في المنطقة ببناء سورية وعراق جديدين، حيث لا طائفية ولا استبداد.

إن كان الأمر كذلك، فهذه الشراكة ستترتب عليها مسؤوليات أمنية وعسكرية أبعد من مجرد آلاف المقاتلين السوريين يتدربون ثم يتخذون إلى جبهاتهم سبيلاً، إنها مشروع لا بد أن يكتمل من دون إطالة، ففي الإطالة تداعيات وأخطار، ولا بد من خطة واضحة تحدد الإطار الذي ستكون عليه هذه الشراكة خصوصاً للمملكة فهي في قلب الحدث، ولا تحتمل الفشل في هذه المهمة، بينما أوباما وإدارته سيرحلان خلال أقل من عامين، والولايات المتحدة بعيدة فتستطيع الانكفاء ثانية على نفسها وتركنا نتقلب في أوحال صراعات الشرق الأوسط السياسية والطائفية.

تحالف جدة فرصة للجميع لبداية جديدة، فلا يقتصر على مهمته الآنية المعلنة بالقضاء على داعش فقط، وإنما بالتوسع وإصلاح الوضع في العراق وسورية، الذي أفرزها، الأول بمساعدته أن يصبح نظاماً ديموقراطياً فيديرالياً حقيقياً كما يقول دستور 2003، والثانية تحتاج إلى بداية جديدة من دون نظام طائفي قمعي برك عليها نحو نصف قرن.

بعد ذلك لينظر الجميع في قائمة طويلة من الاستحقاقات لبناء عالم عربي جديد، لقد تفاءل من قال إن الحملة على داعش تحتاج إلى ثلاث أو أربع سنوات، إنها تحتاج إلى سنوات أطول، فداعش الحالية ما هي إلا «الحلول» الثالث أو الرابع لحركة جمعت بين السياسة الغاضبة والتكفير الديني، أنتجها الفساد والاستبداد والتعصّب واللاتسامح الذي نعيشه جميعاً بشكل أو آخر.
  
* كاتب وإعلامي سعودي

(عن صحيفة الحياة اللندنية 13 أيلول/ سبتمبر 2014)