حقوق وحريات

سجن صيدنايا في سوريا.. رحلة إلى الجحيم

لا يجرؤ أهالي المعتقلين على السؤال عن أبنائهم - أرشيفية
"قعر العالم".. بهذه الكلمات يصف معتقل سابق لـ"عربي 21" سجن صيدنايا العسكري أحد أسوأ السجون السورية الذي تمارس فيه عمليات تعذيب وإعدامات ميدانية لناشطين معارضين للنظام السوري.
 
يقع السجن "سيئ الصيت" على بعد 30 كلم من العاصمة السورية دمشق، ويتسع لـ 15 ألف سجين إلا أن العدد تضاعف مع انطلاق الثورة السورية في عام 2011، ويروي سجناء مفرج عنهم أن "الزنزانة الواحدة تكتظ أحيانا بأكثر من 70 معتقلا في ظروف اعتقال مزرية يتخللها التعذيب".
 
وشهد السجن عام 2008 مذبحة عندما قام النظام السوري بقتل العشرات من السجناء الإسلاميين قاموا باحتجاج على خلفية إهانة عدد من السجانين للقرآن الكريم، ليطلى السجن فيما بعد باللون الأحمر لتذكير السجناء بمصير من قام بالعصيان.
 
"أنت على موعد مع الخوف من الموت دائما" يقول إبراهيم الذي قضى ما يقارب العامين والنصف من حياته في سجن صيدنايا، ليخرج بقصص يرويها عن ممارسات وحشية بحق المعتقلين أفضت في كثير من الأحيان إلى الموت تحت التعذيب أو الإعدام الميداني دون محاكمات عادلة.
 
رحلة العذاب للمعتقل تبدأ منذ اللحظات الأولى لدخوله السجن -فحسب إبراهيم- "يخضع المعتقل لسلسلة من المراحل أثناء استقباله من سيارة السجن أو ما أطلق عليه السجناء اسم (براد اللحمة)، ليقتاد فيما بعد إلى بهو السجن وهو مغلق العينين بعصابة سوداء، و يتعرض أثناء إنزاله من السيارة للضرب الشديد بطريقة وحشية حتى وصوله للمبنى الأحمر، بمجرد نزول المعتقل من السيارة يؤمر المعتقل بالجلوس جاثيا "وضعية السجود" ويداه مقيدتان للخلف".
 
"ويرافق هذه العملية ضرب شديد بإسطوانة تستخدم في التمديدات الصحية، تحدث تشوهات ورض شديد أو حتى نزيف وتمزق في النسيج العضلي".
 
ولا تتوقف المعاناة عند هذا الحد، بل تمتد ممارسات التعذيب على مدار الساعة يتعرض المعتقل خلالها للضغط الجسدي والنفسي، "في أي لحظة يدخل السجانون للجناح المؤلف من عشرة مهاجع وعلى السجناء أن يأخذوا وضعية الجاثي خلال لحظات، و وجوههم إلى الجدار وأيديهم تغطي عيونهم وأي تأخر أو تلكؤ بهذه العملية، يتعرض المهجع بالكامل لعقوبات شديدة ووحشية" كما يقول المعتقل السابق.
 
في كل غرفة من غرف السجن حمام ومغسلة ومرحاض، مساحة كل غرفة سبعة أمتار بثمانية، وفي القبو مطعم وزنزانات لا يصلها النور، تستخدم للتعذيب، وقضى فيها الكثيرون دون أن يسمع بأسمائهم، ويقبع في كل مهجع عشرون سجينا، يمنع مناداتهم بأسمائهم، ولكل منهم رقمه الخاص.
 
يتحدث إبراهيم لـ"عربي 21" عن وضعيات المشي والجلوس المتبعة في صيدنايا قائلا: "وضعية المشي وهو راكع واليدان على العيون دون أن يرفع المعتقل جسده، ووضعية الجلوس بوضعية السجود والوجه نحو الأرض".
 
"أما عن المرحلة التالية من عملية الاستقبال فهي المبيت من أسبوع إلى ستة أشهر في زنزانات صيدنايا، التي يُعرى فيها المعتقلون ويؤمرون بالانبطاح على بطونهم مع الضرب لدرجة ممكن أن تسبب تناثر دماءهم على الجدران، حيث يجلد المعتقل عشر جلدات تتضاعف إلى مائة جلدة اذا تحرك أو استغاث".
 
وينقسم السجن لقسمين: السجن الأحمر والسجن الأبيض، وصمم على شكل شعار (مرسيدس) وبني من قبل ألمانيا الشرقية في حينها، أما القسم الثاني هو السجن الأبيض الذي بني في مرحلة متقدمة وهو منفصل تماما عن المبنى الأول.
 
ويعتبر السجن الأحمر الأسوأ مقارنة مع السجن الأبيض ويحتوي في طابقه السفلي على نوعين من الزنزانات (أ) وهي عبارة عن خمس وثلاثين زنزانة، فيها فتحات لإدخال الطعام دون حاجة لفتح الأبواب، تسمى هذه الفتحات" شراقة" وهي موجودة أسفل الباب.
 
أما زنزانات (ب) هي دون فتحات يعمل السجان على إدخال الطعام من الأبواب ويرافق ذلك ضرب شديد للمعتقلين أثناء إدخال الطعام، كما أن المعتقل الذي يدخل الطعام يتعرض للجلد الشديد أثناء توزيع الطعام بسرعة عالية جدا".
 
ويصف إبراهيم ظروف الاعتقال في الزنازين قائلا: "الزنزانة الواحدة عبارة عن غرفة صغيرة بحجم المرحاض، مقسومة بحائط، في الليلة الأولى يجبر نزلاؤها وعددهم يصل لتسعة أحيانا على النوم في قسم المرحاض وهو قذر جدا، فيضطر اثنان من المعتقلين للنوم فوقه، والهدف من هذه الوضعية مع كون المعتقلين عراة دون ملابس الإساءة الأخلاقية لهم" .
 
"ويُمنع المعتقلون من التحرك بالمهجع ويؤمرون بالتجمع في زاوية الغرفة وفي الليل بعد انتهاء المناوبات يستطيع المعتقلون التحرك بحرية في الزنزانة".
 
أما عن الطعام يؤكد إبراهيم أنها كميات قليلة جدا، في الحد الأقصى تصل لرغيفين من الخبز وغالبا ثلاثة أرباع الرغيف للشخص الواحد، من ثلاثة لأربعة ملاعق طعام من الرز المسلوق والمختلط أحيانا باللبن أو المرق الأحمر، ربع حبة من البطاطس، ربع البيضة، ثلاث حبات من الزيتون المشرب بطعم المازوت".
 
إعدامات ميدانية
 
ويؤكد إبراهيم وجود حالات إعدام داخل السجن: "في ليلة من ليالي إقامتي بالسجن الأحمر سمعنا الضرب والجلد وأصوات عشرات المعتقلين يتم تسفيرهم، وقمنا بعدّ حوالي ثلاثين سيارة انطلقت من ساحة السجن، وبعد أيام بدأت روائح غريبة وكريهة جدا تنتشر، مع ظهور حشرات لم نكن نراها من قبل، وعلمنا أن عدد السيارات لم يكن بالكبير، بل كانت تذهب لمكان قريب وتنفذ هذه الإعدامات لتعود وتنقل مجموعات أخرى من المعتقلين، كما حدثنا بعض المعتقلين أن إعدامات نفذت بحق معتقلين في السجن الأبيض".
 
بينما قضى سجناء موتا بسبب التعذيب أو البرد الشديد، "ففي إحدى المرات صادرت إدارة السجن في برد الشتاء القارس بطانيات السجناء لمدة ثلاثة أشهر بعد أن نام المعتقلون حين ظنوا أنهم سمعوا أمرا بالنوم، ولم تكتفِ بذلك إذ رُش المعتقلون بالماء، وأمروا بالاستلقاء على بطونهم عراة، مما أدى إلى وفاة شخصين بسبب البرد الشديد".
 
مخالفة الاتفاقيات الدولية
 
يشكل ما يجري في سجن صيدنايا من تعذيب ممنهج وإعدامات ميدانية، مخالفة صارخة للاتفاقيات الدولية المناهضة للتعذيب، وعلى رأسها اتفاقيات جنيف والميثاق العالمي لحقوق الإنسان ومعايير المحاكمة العادلة.
 
الناشط الحقوقي محمد شما يعتبر ما تقوم به السلطات السورية في سجن صيدنايا انتهاكا صارخا لمعيار حقوق الإنسان من مصادرة الحريات، مطالبا "بمسائلة النظام السوري وإحالة القائمين على السجن إلى المحاكم الدولية العادلة".
 
ودعا شما في حديثه لـ"عربي 21" من تعرض لسوء المحاكمة أو التعذيب "التقدم بشكوى للمحكمة الجنائية الدولية، وهو أمر يحتاج لتبنٍ من قبل منظمات دولية لما فيه من تكلفة مادية عالية ووقت طويل في إجراءات التقاضي".
 
من جانبه ناشد الناشط الحقوقي إحسان آيو المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان و"شبكة أورو المتوسطة للتحرك السريع وإنجاز ورقة ضغط كامله لإثارة المجتمع الدولي والرأي العام في ما يخص سجن صيدنايا.
 
وقال آيو لـ"عربي 21": إن سجن "صيدنايا من أعنف السجون الموجودة في سوريا، ويجب أن تتحرك منظمات المجتمع المدني بالضغط على الحكومة كتقديم ملفات هذا السجن إن كانت موثقة للمجتمع الدولي ومحكمة الجنايات الدولية".
 
معتقلون يتحولون لأرقام
 
ولا يوجد عدد واضح لأرقام المعتقلين داخل السجن الذي يتسع لخمسة عشر ألف سجين، إلا أن ناشطين يقولون إن العدد أكثر، من ذلك خصوصا بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011.
 
و يتكتم النظام السوري على عدد المعتقلين، وفي بعض الأحيان ينفي وجود أسماء معتقلين داخل السجن الذي يتعامل فيه معهم بلغة الأرقام.
 
واستسلم كثير من أهالي المعتقلين وأوقفوا البحث عن أبنائهم تحت ضغط وحشية النظام وخوفا من النتائج المترتبة عند السؤال عنهم.

تتحدث واحدة من ذوي أحد المعتقلين: "أردنا فقط أن نعلم أين أخي، هل هو على قيد الحياة وعن أي جرم يحاسب وتحت ضغطنا وإلحاحنا بالسؤال، كانت الإجابة أنه توفي بوعكة صحية، وتمّ تسليمنا أوراقه الثبوتية، وبعد أيام اكتشفنا من أحد المعتقلين المفرج عنهم حديثا أنه ما يزال على قيد الحياة وتمَ بشهادة أحد المعتقلين المفرج عنهم إبلاغنا بأنه حوّل للمبنى الأحمر".
 
أمراض نفسية ترافق المعتقلين
 
من جهتها تحدثت دكتورة علم النفس أمل حمصي عن التأثيرات النفسية على المعتقلين في ظروف غير لائقة و تؤكد "تراكم الأمراض النفسية داخل المعتقل، كالقلق والاغتراب النفسي والأرق، وحتى المفرج عنه تعود صور التعذيب والألم إليه من خلال أحلامه فتتحول إلى كوابيس وممكن أن تؤدي به طول مدة الاعتقال إلى صعوبات بالذاكرة والرهاب والوسوسة والهلوسة والاكتئاب".
 
وقد رصدت الطبيبة النفسية أمل الشامي أهم الأمراض التي يعانيها السجين، فوجدت أن "التعذيب النفسي وانتظار الموت والحبس الانفرادي ومشاهدة أو سماع أصوات التعذيب يصيب بتوتر ما بعد الصدمة".
 
ومن المشاكل التي يعاني منها المعتقل عدم الاندماج بعد الإفراج عنه، أو عدم التأقلم -بسبب المدة التي قضاها بسجنه، وما شاهده من أهوال- مع طبيعة شخصيته قبل السجن".
 
 وكانت الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان أصدرت تقريراً خاصاً تناول أوضاع السجناء وظروفهم الكارثية في سجن صيدنايا العسكري، وتضمن التقرير شهادات العديد من السجناء الذين قضوا فترات طويلة داخل هذا السجن، وبين التقرير أن المعتقلين يخضعون لممارسات لا إنسانية من لحظة دخولهم.