قال المحلل السياسي جاكي خوري في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إن النظام السوري يحاول ضمان سيطرته في المدن الكبرى من دمشق العاصمة في الجنوب وحتى حلب في الشمال وكذا في اتجاه الغرب، بهدف الاحتفاظ بأرض تتضمن قاطع الشاطئ ومدينة اللاذقية التي تعتبر معقل الرئيس بشار
الأسد.
وأشار إلى أن لقب "عاصمة
الثورة السورية" كان يطلق على مدينة حمص حتى وقت أخير مضى، ولكن ما تحقق في بداية الشهر من اتفاق بين النظام السوري وقوات الثوار، وأدى إلى انسحاب المئات منهم من المدينة، منح نظام الأسد تفوقا مزدوجا استراتيجيا ومعنويا أيضا. فالمعركة في
سوريا التي دخلت السنة الرابعة بعيدة عن النهاية.
وأوضح خوري أنه وبحسب التقديرات المختلفة، يريد الأسد أن يضمن السيطرة على التجمعات السكانية الكبرى حتى بداية شهر حزيران قبيل إجراء الانتخابات للرئاسة التي يتنافس فيها، كي يتمكن من الادعاء بأن أغلبية الشعب السوري شاركت في الانتخابات.
وأضاف أن معارضي النظام يديرون معارك شديدة بينهم وبين أنفسهم، وأن اللاعبين المركزيين في المعارك هم رجال منظمة الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" الذين يقاتلون قوات الجيش السوري الحر والجبهة الإسلامية.
وفضلا عن الرغبة في السيطرة على مناطق استراتيجية قال: "إن هناك مواجهة أيديولوجية حين أعلنت داعش أنها تقاتل من أجل إقامة دولة إسلامية وفقا لمبادئ متطرفة لا تنسجم والموقف الذي تقدمه
المعارضة السورية عن إقامة دولة حرة وعلمانية".
وأشار إلى خريطة نشرتها مؤخرا منظمة ACAPS التي تعنى بتقدير الاحتياجات الإنسانية في حالات الطوارئ والأزمات المعقدة، وكذا خرائط أخرى نشرها باحثون واستراتيجيون في العالم العربي، تعرض صورة سيطرة المنظمات المختلفة في سوريا، وإن كان في مناطق عديدة في شمالي الدولة، في شرقها وفي وحدودها الجنوبية، من الصعب الإعلان عن سيطرة كاملة لهذا الطرف او ذاك.
ولفت إلى أنه ومع خروج الثوار من حمص، يمكن الافتراض حاليا بأن المدينة، التي تقع في وسط الدولة، خرجت من دائرة المعارك.
وحسب تقديرات محافل في الدولة، تستند إلى تقارير ميدانية فإن المعركة الحاسمة التالية ستقع في ضواحي دمشق الشرقية ويحاول جيش الأسد، دون نجاح كبير، هزيمة فصائل الجيش السوري الحر ومقاتلي الجبهة الإسلامية.
وتشرح محافل في المعارضة بأن النظام يجد صعوبة في هزيمة الثوار كون هؤلاء يستغلون شبكة الأنفاق لضرب خطوط تموين النظام، ويهاجمون وحدات الجيش بوسائل حرب العصابات.
وتعتبر مدينة دوما عاصمة الضاحية وكانت بين المدن الأولى التي ثارت ضد النظام، ويتمركز فيها آلاف المقاتلين إلى جانب السكان المدنيين، الأمر الذي يصعب على النظام تحقيق سيطرة في المنطقة.
وأشار إلى أن معارك شديدة تدور منذ أسابيع في منطقة كسب التي تقع على الحدود مع تركيا، ففي آذار الماضي نجح الثوار لأول مرة في الوصول إلى شاطئ البحر المتوسط وسيطروا على معبر الحدود. وفي هذه الأيام يحاول النظام صد الثوار شمالا وشرقا ومنع تقدمهم وسيطرتهم على الطريق المؤدي إلى مدينة ميناء اللاذقية.
وتدعي المعارضة بأن المعارك في كسب أحرجت الأسد وحلفاءه كون هذه المنطقة تعتبر -حتى وقت أخير مضى- منطقة توجد تحت سيطرة النظام الكاملة.
ونوه خوري إلى تقرير الصحيفة "الأخبار" اللبنانية والذي أفاد هذا الأسبوع بأن المعارك في كسب بعيدة عن النهاية، وأنه رغم سيطرة الجيش السوري في عدة تلال نقاط استراتيجية، فإن الثوار أيضا يتمترسون في المناطق الجبلية التي تمنع تقدم جيش النظام.
وخلافا لحمص ودمشق فإن الوضع يبدو معقدا ومركبا أكثر بكثير في مدينة حلب والتي تعتبر العاصمة الاقتصادية في شمالي الدولة، وتتوزع السيطرة في المدينة بين قوات النظام، التي تسيطر على الأحياء الجنوبية وبين الجبهة الإسلامية التي تسيطر في البلدة القديمة، في الأحياء الشمالية وفي الضاحية الشمالية. وتسيطر داعش في الضاحية الشرقية، أما في الضاحية الغربية فتسيطر قوات الجيش السوري الحر.
ولفت إلى أن قوات الأكراد تتمركز في ثلاث مدن مركزية في شمالي الدولة بينما قوات داعش تسيطر في المدن والقرى التي توجد شرقي حلب وفي عدة محاور تؤدي إلى مدينة أركا.
وتعتبر هذه معقل المنظمة التي تحاول في الأشهر الأخيرة توسيع سيطرتها باتجاه مدينة الحسكة في شمال شرق سوريا وباتجاه دير الزور، جنوب شرق أركا على مسافة غير بعيدة من الحدود العراقية. وتدور أهم المعارك قرب الحدود بين داعش وقوات الجيش السوري الحر والجبهة الإسلامية وليس ضد النظام.
وأشار إلى أن دير الزور تشهد سيطرة للنظام في عدة أحياء وفي عدة قواعد عسكرية بما في ذلك المطار العسكري، أما في الأحياء الأخرى فتتوزع السيطرة بين الجيش السوري الحر وبين جبهة النصرة التي تعتبر ذراع القاعدة.
أما الضواحي الغربية والشرقية من دير الزور فتقع في معظمها تحت سيطرة الجيش السوري الحر. وهذه مناطق واسعة يكاد لا يكون فيها أي تواجد لداعش، التي انسحب معظم مقاتليها إلى منطقة أركا أو الحسكة في أعقاب المعارك مع الجيش السوري الحر وميليشيات الثوار.
ولا تزال مدينة القامشلي المجاورة للحدود التركية تحت سيطرة النظام وقوات كردية موالية، ولكن في كل يوم تقع في المدينة اشتباكات مع وحدات الجيش السوري الحر.
وأشار إلى أن محافظة درعا في جنوب الدولة تشهد سيطرة الجيش السوري أساسا في الأجزاء الشمالية وفي الطريق الدولي إلى دمشق أما قوات المعارضة، بما فيها الجيش السوري الحر والجبهة الإسلامية فتسيطر في الأجزاء الجنوبية قبيل الحدود مع الأردن. في هذه المنطقة أيضا تستمر بلا انقطاع صراعات القوى.
ويتهم النظام الحكومة الأردنية بمساعدة الثوار بل وجرى الحديث في الماضي كثيرا عن محاولة الثوار إقامة منطقة فاصلة عن جدار الحدود مع الأردن حتى خط وقف النار في هضبة الجولان.
وتروي محافل في الجيش السوري، بأنه "في هذه الجبهة تدور كل يوم حرب ضروس لمنع سيطرة الثوار" ويريد رجال النظام أن يخلقوا تواصلهم الجغرافي فمعظم القوات المسلحة في هذا القاطع هي من الجبهة الإسلامية والجيش السوري الحر.
وأوضح خوري أنه وبالرغم من التفوق النسبي للأسد، والذي يظهر في الخريطة، وسيطرته في المدن الكبرى والمجالات الكبرى في الدولة، فإن أحدا في سوريا لا يرى نهاية الحرب في الأفق.
وقال إنه بعد شهر من الآن سينتخب الأسد مرة أخرى ويعلن عن نفسه كمنتصر كبير، ولكنه هو أيضا يعرف بأن هذا ليس هو النصر الذي تطلع عليه، ومشكوك أن يتمكن هو في جيله أو أحد آخر أن يعلن عن إعادة بناء سوريا.
ومن جانب المعارضة أوضح خوري أنها ستواصل خوض حرب
استنزاف بأمل أن توفر الولايات المتحدة وغيرها من الدول الدعم الذي يحطم التعادل الدموي القائم، ولكن في الغرف المغلقة، يعترف رجال المعارضة بأنهم عديمو الحيلة، وبعد مؤتمر جنيف 2 ليس لهم حقا من يعتمدون عليه، باستثناء "الشعب السوري" على حد تعبيرهم.