صحافة دولية

فرص الحل في السودان تتضاءل.. سلام شبه مستحيل بين البرهان وحميدتي

المعارك تشتد في عدة مدن سودانية وسط تفاقم الأزمة الإنسانية- جيتي
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن التحديات الكبيرة التي تواجه السودان في تحقيق السلام بين قادته العسكريين.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه بعد أكثر من تسعة أشهر من الحرب بين القوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان والقوات شبه العسكرية التابعة لقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، لا يوجد أي احتمال للتوصل إلى حل الصراع.

وذكرت الصحيفة أنه منذ اندلاع الصراع في 15 نيسان/أبريل 2023، تضاعفت محاولات الوساطة بين البرهان وحميدتي، دون أن تسفر عن نتائج ملموسة. 

ومع ذلك، تشعر جميع المنظمات الإنسانية العاملة في البلاد بالقلق، ففي حين فرّ ما يقارب 8 ملايين شخص من القتال، بما في ذلك مليون شخص إلى البلدان المجاورة، يعد الصراع في السودان الآن أكبر أزمة نزوح سكاني في العالم وفقا للأمم المتحدة. 

كما يعاني نصف السكان البالغ عددهم 44 مليون نسمة من انعدام الأمن الغذائي الخطير، وقد خلّفت الاشتباكات آلاف القتلى، بما في ذلك ما بين 10 آلاف و15 ألف شخص في بلدة واحدة في غرب دارفور.

والأربعاء الماضي، أعلن وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، أن الطرفين اتفقا على الاجتماع تحت رعاية الأمم المتحدة لبحث إيصال المساعدات الإنسانية إلى البلاد.


ومن الممكن أن يُعقَد اللقاء في سويسرا، لكن لم يتم تحديد موعد بعد وتدعو اللقاءات السابقة إلى الحذر الشديد، حيث باءت كل المحاولات لجمع المعسكرين حول طاولة واحدة بالفشل.

وذكرت الصحيفة أن آخر مبادرة تعود إلى شهر كانون الثاني/ يناير. 

وبحسب عدة مصادر، فقد جرت محادثات سريّة ثلاث مرات في العاصمة البحرينية المنامة بين المتحاربين.

واجتمعت الوفود بقيادة الجنرال شمس الدين كباشي، الرجل الثاني في القوات المسلحة السودانية، واللواء عبد الرحيم دقلو، شقيق حميدتي والذراع الأيمن له، بحضور ضباط المخابرات المصرية والإماراتية بالإضافة إلى أمريكيين وسعوديين.

الفشل المتكرر للمحادثات
ووفقا للباحثة خلود خير، من مؤسسة "كونفلونس" الاستشارية، "قد تكون مفاوضات المنامة خطوة إلى الأمام، أولا بسبب سرية مكان إقامتها، ثم لأنها ستقام على أرض محايدة - البحرين - وقبل كل شيء لأنها ستجمع لأول مرة بين أطراف حاسمة مثل القاهرة وأبو ظبي".

وتعتبر مصر والإمارات الداعمين الرئيسيين "للقوات المسلحة السودانيّة" و"قوات الدعم السريع"، حيث يقدمان لهما الدعم السياسي وخاصة العسكري. 

وبحسب قول الباحثة السودانية "هذه المناقشات لا يمكن أن تؤدي إلا إلى وقف إطلاق النار في أحسن الأحوال، دون أن تتمكن من حل النزاع على المدى الطويل".

ومنذ الأسابيع الأولى للصراع، تم إنشاء منصة مفاوضات في جدة، بقيادة الرياض وواشنطن، لكن الاتفاقيات المتعاقبة المبرمة بين المتحاربين، والهدنة المؤقتة، والممرات الإنسانية، لم تُحترم قط. 

وعقب الفشل المتكرر لمحادثات جدة، ثم بعد محاولة الوساطة الفاشلة بقيادة مصر وتشاد مع الدول الأخرى المتاخمة للسودان، استعادت الهيئة الحكومية للتنمية (إيجاد) التي تضم رؤساء دول القرن الأفريقي، زمام المبادرة بشأن القضية السودانية.

وحاولت المنظمة الإقليمية، من ناحية تنظيم لقاء مباشر بين الجنرالين، ومن ناحية أخرى، إشراك ممثلين سياسيين مدنيين سودانيين في المفاوضات.


وانتهت عملية الهيئة الحكومية الدولية للتنمية (إيجاد) في نهاية المطاف خلال كانون الثاني/ يناير. 

وخلال جولة غير مسبوقة في القارة، تم استقبال الجنرال حميدتي كرئيس دولة في عدة عواصم للدول الأعضاء في المنظمة، ثم دُعيَ لحضور قمة "إيجاد" في مدينة عنتيبي في 18 كانون الثاني/يناير. 

وكان من المفترض أن يجلس الجنرال البرهان هناك، لكنه قاطع الاجتماع وأوقف مشاركة السودان في هذه الهيئة.

الاشتباكات تشتد
وأوردت الصحيفة أنه في مواجهة الإنجاز الدبلوماسي الذي حققه الجنرال حميدتي، يحاول عدوه استعادة زمام المبادرة. 

فقد استقبله الرئيس عبد المجيد تبون بمرتبة الشرف في الجزائر، حيث يبحث زعيم القوات المسلحة السودانية عن حليف قوي داخل الاتحاد الأفريقي. 

بعد فشل "إيجاد"، تحاول المنظمة الأفريقية التدخل في القضية السودانية، ومن المقرر عقد اجتماع لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي على هامش قمة رؤساء الدول في 15 شباط/فبراير.

وبالنسبة للعديد من مراقبي الصراع، فإن تزايد اقتراحات الوساطة يؤخر حل الصراع.

وذكر خبير عسكري غربي: "ما زلنا بعيدين عن التوصل إلى موقف يكون فيه الطرفان المتحاربان مستعدين لإيجاد حل عن طريق التفاوض، ففي الخارج، يقومان بتقييم بعضهما البعض ويحاولان تعزيز شبكة تحالفاتهما، لكن على الأرض، لم ينته القتال بعد، وما زالا مقتنعين بأن الحل لا يمكن أن يكون سوى عسكريًّا".

وأشارت الصحيفة إلى أن الانتكاسات المتتالية التي تعرض لها الجيش النظامي وضعت القوات المسلحة السودانية في موقف ضعيف للدخول في المفاوضات. 

ووفقا للخبير العسكري الغربي "كانت قوات الدعم السريع أكثر ميلا إلى التفاوض، ولكن إذا كانوا يتمتعون بالأفضلية على الصعيد العسكري، فإنهم يواجهون مشكلة كبرى وهي إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتهم والتي تضم سكانا معادين لهم في كثير من الأحيان، وكلما زاد عدد انتصاراته، قلت شعبية حميدتي".

وعلى الجانب الآخر، تبتعد القوات المسلحة السودانية وتتمسك بمواقف أكثر صرامة، مدفوعة من قبل مجموعة من القادة الإسلاميين المتعنّتين تجاه أي محاولة للتفاوض.


وبعد فترة هدوء نسبية في القتال في كانون الثاني/ يناير، تزامنًا مع اجتماعات المنامة، زادت حدة الاشتباكات في الأيام الأخيرة. 

وقد ظهر الجنرال البرهان في عدة ثكنات شرق البلاد، ووعد بالنصر الكامل على قوات الدعم السريع. 

وشنّت قواته هجومًا مضادًا كبيرًا في الجزء الغربي من العاصمة وتكثفت الغارات الجوية على المواقع شبه العسكرية في جميع أنحاء البلاد. 

ومنذ الرابع من فبراير/شباط، انقطعت الاتصالات عن معظم أنحاء البلاد. ويلقي كل من المعسكريْن اللوم على الآخر، مما يغرق السودان في مزيد من الظلام.