على بعد مئات الكيلو مترات من غزة، تشهد الحدود السورية
العراقية مناوشات عسكرية تسفر عن قتلى وجرحى، من بينهم قوات أمريكية. هذه الهجمات
التي انطلقت مع بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع المحاصر، بإعلان واضح من فصائل
"المقاومة الإسلامية في العراق" ضد مصالح واشنطن، تحظى بترحيب في
العاصمة السورية دمشق، لكن على النقيض، تضع بغداد في موضع حرج وضيق، والتي تُنازع
حكومتها الوقت، لنيل ثقة الشعب والخارج في ظل سعي من الولايات المتحدة لضبط السوق
المالي والمصرفي العراقي وتجنيبه العقوبات الاقتصادية على خلفية تهريب العملة إلى
إيران.
وبينما لم يطلق جيش النظام السوري أو القوات الرديفة معه،
صاروخا واحدا على القواعد الأمريكية المنتشرة في شمال شرق البلاد، سقط قبل نحو أسبوع
على الجانب الآخر من الحدود، في العراق، ما لا يقل عن 10 قتلى وجرحى، وهي أعلى
حصيلة منذ فترة، في رد أمريكي غير معلن على عناصر "الحشد الشعبي" (حزب
الله العراقي) الموالي لإيران، قبيل شن هجمات صاروخية على القواعد الأمريكية في
سوريا والعراق، الأمر الذي اعتبرته بغداد "خطيرا وتجاوزا مرفوضا".
هذا التصعيد من قبل الفصائل المسلحة في
العراق والتي تدعمها طهران بالأموال والعتاد، يثير فرحة دمشق، العاجزة عن إجراء
أي رد فعل ضد القوات الأجنبية التي تصفها بـ "الاحتلال".
"سوريا
ترحب بكل من يقاتل أمريكا"
يقول عضو مجلس الشعب السابق لدى النظام
السوري، شريف شحادة، إن "الحكومة السورية تدعم كل من يقاتل القوات الأمريكية
المحتلة سواء أكان سوريا أم من غير جنسية"، مبينا أن ذلك "أمر طبيعي لأن
القوات الأمريكية احتلال".
وتابع لـ "عربي21"، أن دمشق
"تدعم كل عربي يساهم في تحرير الأراضي السورية المحتلة من قبل أمريكا التي لم
تدخل بموافقة الحكومة السورية"، مضيفا أن "الساحة مفتوحة أمام من يرغب
في مقاتلة الأمريكان".
وأردف أن النظام السوري "يدعم هذا
الدفاع ثقافيا واجتماعيا وسياسيا وفي بعض الأحيان عسكريا وهو حق الدفاع عن
النفس"، حسب قوله.
وحول المجموعات المسلحة المتشكلة في دير
الزور، قال إنها "تسمى الجيش الشعبي وتنتمي للوطن السوري وتقاتل لطرد القوات
الأمريكية"، مستبعدا احتمالية تحولها إلى فوضى لأنها "قوات منظمة وتعرف
عدوها".
واتهم الولايات المتحدة بـ "تشكيل
مجموعات إرهابية مثل داعش وجبهة النصرة ودعمها لخلق الفوضى في مناطق سورية في
الوقت المناسب لها".
وحول مستقبل القوات الأمريكية في سوريا،
ذكر شحادة أن "أمريكا سوف ترحل من شمال شرق سوريا إذا استمر الضغط والاستهداف
عليها"، داعيا قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، شريك واشنطن في الحرب ضد داعش،
إلى عدم الثقة ببقاء الأمريكيين والتحاور مع النظام السوري.
وأشار إلى أن الوصول إلى اتفاق بين
"قسد" ودمشق "ليس بالأمر الصعب"، موضحا: "إذا ارتكزت
الحوارات على أسس صحيحة أبرزها اعتبار القوات الأمريكية احتلالا".
ورقة ضغط.. لا توسع
من جانبه، رأى الكاتب والمحلل السياسي،
زارا صالح، أن الهجمات على القواعد الأمريكية في سوريا والعراق "نتيجة
طبيعية" لما يحدث من حرب في غزة.
وأكد أن هجمات "المقاومة الإسلامية
في العراق"، التي يديرها فيلق القدس، تعتبر "رسائل إيرانية"، مشيرا
إلى أن طهران "لا تريد تصعيدا مباشرا مع أمريكا والعكس".
وذكر صالح لـ "عربي21"، أن
"إيران تستخدم هذه الميليشيات كي تنأى بنفسها أمام المجتمع الدولي، وتستغل
العاطفة في المجتمع الإسلامي والعربي وحتى الفلسطيني كممثل للمقاومة".
ولفت المحلل السياسي المقيم في لندن
والمنحدر من شمال شرق سوريا، إلى أن "هذه الحرب بالوكالة تأتي بعد تحذيرات
إسرائيلية وأمريكية بأن انخراط حزب الله وإيران المباشر سيكون ثمنه إسقاط النظام
في دمشق"، طبقا لحديثه.
وتعني الهجمات، بحسب رأيه، أن "لدى
إيران الكثير من الأوراق لتستخدمها ضد مصالح القوات الأمريكية في خضم الاتفاق
النووي".
73 هجوما في العراق وسوريا
وأمس الثلاثاء، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم" أن قواتها
في سوريا والعراق تعرضت إلى 73 هجوماً منذ 17 أكتوبر الماضي.
وقالت في تصريحات صحفية، إن 66 جندياً ومستشاراً عسكرياً أصيبوا إثر تلك الهجمات، جميعهم عادوا إلى
مزاولة مهامهم.
بذات اليوم، أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، باتريك رايدر، في
مؤتمر صحفي، أن القوات الأمريكية في العراق وسوريا لم تتعرض لأي هجوم منذ بدء
الهدنة بين إسرائيل وحماس.
وينتشر في العراق نحو 2500 جندي أمريكي،
يقيمون بصفة مستشارين للقوات العراقي، بينما يتواجد في سوريا نحو 900 جندي أمريكي.
قتلى في آخر رد أمريكي
يوم الأربعاء الماضي، أعلنت واشنطن أنها
قصفت بضربات منفصلة ودقيقة على منشأتين في ضمن منطقة السعيدات في جرف الصخر
(النصر) بمحافظة بابل.
بدورها، أعلنت هيئة الحشد الشعبي، أنه
"في الساعة 02:30 من فجر يوم الأربعاء 22 تشرين الثاني 2023، تعرض عدد من
مواقع هيئة الحشد الشعبي إلى اعتداءات أمريكية غادرة ارتقى على إثرها 8 شهداء و4
جرحى".
وأضافت في البيان: "نؤكد إدانتنا
واستنكارنا الشديدين لهذا العمل العدائي الذي يمثل انتهاكاً سافراً لسيادة العراق".
وجددت الهيئة "التزامها الكامل
والتام بتوجيهات القائد العام للقوات المسلحة باعتبارها جزءاً من المنظومة الأمنية
والعسكرية والدفاعية للعراق ولن تتردد بالقيام بأي واجب دفاعاً عن العراق وسيادته".
القصف الأخير هو الثاني في العراق خلال
يومين، فقد تبنت القوات الأمريكية "رسمياً" الهجوم الذي استهدف
"عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله" غربي العاصمة بغداد، مسفرا عن مقتل
أحد عناصر "المقاومة".
وعلق المتحدث الرسمي باسم الحكومة
العراقية باسم العوادي في بيان على حادثة الاستهداف في بابل، قائلاً: "الحكومة
العراقية تتعامل مع التصعيد الأخير، الذي شهدته الساحة العراقية خلال اليومين
الماضيين، على أنه تصعيد خطير فيه تجاوز مرفوض على السيادة العراقية".
وأشار
العوادي إلى أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وجّه جميع الأجهزة
الأمنية، للقيام بواجباتها وتنفيذ القانون وفرضه، وعدم السماح لأية جهة أن تخلّ أو
تضرّ بأمن البلد.
وتستهدف
"المقاومة الإسلامية في العراق"، في غالبية الهجمات قاعدتي عين الأسد الجوية
غربي الأنبار وحرير الجوية في أربيل، بينما في سوريا، فإنها تضرب قواعد التنف وتل
بيدر، والمالكية.
هدنة غزة توقف هجمات "المقاومة" في العراق واليمن
السبت 25
تشرين الثاني، أعلن الأمين العام لكتائب حزب الله العراقي، أبو حسين الحميداوي، إيقاف التصعيد ضد الاحتلال تزامنا مع الهدنة بين "حماس" وتل
أبيب.
وقال الحميداوي في بيان نشره على
تلغرام: "نعلن خفض وتيرة تصعيد العمليات على قواعد الاحتلال الأمريكي في
المنطقة، وإيقافها ضد الكيان الصهيوني لحين انتهاء مدة الهدنة، أو القتال في
فلسطين وحدودها مع لبنان، نؤكد بأن المواجهات مع القوات المحتلة للعراق لن تتوقف
إلا بتحريره، وهو قرار لن نحيد عنه مهما غلت التضحيات".
وأكدت
وزارة "البنتاغون، أمس الثلاثاء، أن آخر هجوم على القواعد الأمريكية في سوريا
والعراق كان بتاريخ 23 تشرين الثاني الجاري.
وعلى جبهة أخرى، توقفت هجمات جماعة "الحوثي" ضد
الأهداف الإسرائيلية منذ بدء سريان الهدنة في غزة والتي مددت من 4 أيام إلى 6 بحيث
تنتهي الساعة السابعة صباحا يوم غد الخميس ما لم يتم التمديد مجددا.
وكانت آخر التحركات الحوثية، قبل يوم، وتمثل بنفي الجماعة
للرواية الأمريكية بضرب مدمرة أمريكية بحرية في خليج عدن.
وتزامن آخر استهداف حوثي للأهداف الإسرائيلية، مع آخر الضربات
في العراق وسوريا، من قبل "المقاومة الإسلامية" في العراق، بتاريخ 23
تشرين الثاني الجاري.
واستهدفت الجماعة بدفعة من الصواريخ، مواقع عسكرية في مستوطنة إيلات،
وذلك قبيل أيام من استيلاء الحوثيين على سفينة يملكها رجل أعمال إسرائيلي في البحر
الأحمر واحتجازها مع طاقمها الدولي.
وهدد الحوثيون بأن السفن المرتبطة برجال الأعمال أو الشركات
الإسرائيلية في البحر الأحمر هي "أهداف مشروعة" لهم، وذلك نصرة لشعب غزة،
مشددين على استمرارهم في تنفيذ العمليات العسكرية حتى وقف العدوان على القطاع
المحاصر.
بعد هدنة غزة.. هل تتراجع الهجمات ضد القواعد الأمريكية في سوريا والعراق؟
هل تدفع عملية "الحوثي" إلى تغييرات جيوسياسية واستراتيجية بالبحر الأحمر؟