كتب

متى يخطو العالم الإسلامي نحو التقدم العلمي؟ قراءة في كتاب

العالم الإسلامي في حاجة إلى إصلاحات جذرية في النواحي التعليمية والاجتماعية والسياسية
الكتاب: "الإسلام والعلم.. الأصولية الدينية ومعركة العقلانية"
الكاتب: برويز أمير علي
الناشر: الهيئة المصريه العامة للكتاب، 2015


يناقش مؤلف الإسلام والعلم.. "االأصولية الدينية ومعركة العقلانية"، علاقة الإسلام بالعلم وموقف الأصولية الدينية -بحسب تعبيره- من معركة العلَم والعقلانية.

يؤكد الكاتب في مقدمة الكتاب أنه كتب هذا الكتاب دون تخطيط، مسبق، لكنه جاء نتيجة الظروف حوله والتي استثارته لكتابة هذا الكتاب، وكان ذلك عقب محاضرة ألقاها بجمعية لاهور للعلم وكانت بعنوان "الإسلام والعلم"... حيث كانت ردود الأفعال عليه غير مرضية له من قبل من أسماهم المنافقين لسلطة باكستان وقتها.

وهنا يقول الكاتب: "ساورني الكثير من الخوف والتردد، فالموضوع بعيد عن مجال تخصصي العلمي، لكن الأهمية العظمي لفهم العلاقة بين الإسلام والعلم، كشفت عن الاحتياج الشديد لمن يتولى هذه المهمة ص ٢٣.

توافق الإسلام والعلم

وفي الفصل الأول الذي جاء تحت عنوان "الإسلام والعلم".. هل هما َمتوافقان؟ يجيب الكاتب هنا عن السؤال من خلال محاولات فلاسفة المسلمين في تلك المسألة بالبحث والاجتهاد منذ أكثر من ألف عام وهنا يعقب بالقول: "لكن الإشكالية ما زالت قائمة حتى عصرنا هذا، وحتي الحوار بين أنصار التجديد والحداثة وبين من أسماهم الأصوليين بخصوص هذه القضية، لافتا إلى أنهم لم يضعوا في اعتبارهم أن العلم مسألة إنسانية مدنية.. علمانية، حسب الكاتب علي إلا يلغي ذلك المقدس، بمعنى أن يتدينوا كما يشاؤوا في الوقت الذي يظل فيه العلم ملتزم بقوانين الخاصة".

وينهي الكاتب هذا الفصل بالتأكيد على أنه لا يزال هناك أمل في المستقبل بشأن العلم والمسلمين، حيث تزايد أعداد المسلمين المهتمين بمدى الاحتياج لحدوث تغيير في التعاطي مع قضية العلم، إذا كان هناك رغبة في أن ينمو العلم في العالم العربي والإسلامي بحسب الكاتب.

 وحول العلم وطبيعته ومنابعه، وهو عنوان الفصل الثاني، يتناول الكاتب نشأة العلم واحتياج الإنسان له وأن العلم جاء ليبقى وأصبح مستقبل البشرية، وأن الإنسان أوجد العلم ليحرر البشرية من الخرافات، ولكن في، المقابل هناك البعض الذين حاربوا العلم خاصة أنصار المعتقدات الدينية.

ثم تناول الكاتب تعريف العلم حيث يشمل عدة عناصر بحسب الكاتب وهي الحقائق والقوانين والافتراضات والقوانين والنظرية والاستقراء والاستنتاج.

ثم ينتقل إلى الأسلوب العلمي وعناصره ونظرية ما قبل العلم ومولد العلم الحديث ثم علاقة الفيزياء  بالعلم متناولا ذلك كله بتفاصيل كثيرة ومغرقة في النواحي العملية.

ثم ينهي الكاتب هذا الفصل بالقول.. في، النهاية يمكننا القول بكل اطمئنان أن لدينا علما واحدا، وأما مسألة أنه حكر على الغرب فهذه قضية جدلية خاصة أن العلم ملكية فكرية البشرية جمعاء..

صراع العلم والمسيحية

وفي الفصل الثالث والذي جاء تحت عنوان: "الصراع بين العلم ومسيحية القرون الوسطى." يناقش الكاتب موقف المسيحية من العلم وصرامة موقفها من العلم والعلماء معتبرا أن كل الأديان لها نفس الموقف من العلم لكنه اعتبر المسيحية من أكثر الأديان تشددا بقوله.. الأصولية المسيحية هي التي خاضت أطول المعارك وأشدها مرارة ضد العلم ..

وصار الفصل على هذا المنوال بنفس طريقة تناوله لموقف الأصولية الإسلامية من العلم أيضا، مشيرا إلي سجل القرون الوسطى وما جرى فيها من تحكم الكنيسة واضطهاد العلماء وتعذيبهم مدللا على ذلك بوقائع عدة أبرزها ما حدث مع العالم الإيطالي جاليليو .

أما الفصل الرابع فعاد فيه مرة أخرى ليناقش حال العلم في البلاد الإسلامية وهو عنوان الفصل مستندا لعدة معايير في هذا السياق منها قياس العلم وإنتاج العلم والعلماء كمؤسسة والعلم في التعليم والعلم كمنظور عالمي .

انتصار العلم مؤكد

وفي  نهاية الفصل وتحديدا في صفحة ١١٧ يقول: "رغم القول بأن انتصار العلم على الخرافة يكاد يكون مؤكدا، إلا أن المعركة لم تحسم بالفوز حتى اليوم، ونادرا ما تجد المآسي الناجمة، طريقها للنشر والإعلام."

إن تصوير العصور الوسطى على أنها حالة استثنائية من الظلام في تاريخ البشرية تعبير قاصر جدا، حيث أنه يعبر فقط عن وجهة نظر بعض أبناء الحضارة الغربية فالعصور السوداء هي عصور أوروبا حسب الكاتب، لافتا إلى أن الحضارة الإسلامية كانت في أبهى صورها في الوقت الذي كانت أوروبا مشغولة فيه بحرق الساحرات .
ويسير المؤلف على نفس المنوال تقريبا في الفصليين الخامس والسادس متناولا بالتصريح وضع العلم في العالم الإسلامي سواء في الفصل الخامس والذي جاء تحت عنوان "ثلاثة ردود إسلامية حول تخلف النمو ".. متناولا فيه التيار الأصولي وتشدده تجاه العلم وتيار إعادة البناء وإعادة تفسير التراث والتوفيق بين متطلبات الحضارة الحديثة وتعاليم وتقاليد الإسلام .

وفي الفصل السادس واستكمالا لتيار إعادة البناء تناول بعض الأشخاص الممثلين للعامل الإسلامي في هذا السياق وكان عنوانه: "ثلاثة ممثلين للعالم الإسلامي.. بوكاي،نصر وسادار" ويسير في نفس المنوال وينهي النصف الأول من الكتاب متناولا فيه أوضاع العلم في العالم الإسلامي ليبدأ رؤية جديدة وتناولا جديدا في النصف الثاني من الكتاب .

هل يوجد علم إسلامي؟

في النصف الثاني من الكتاب يبدأ الكاتب بعض الأسئلة بحثا عن الحلول كما جاء في عنوان الفصل السابع "هل يمكن تواجد علم إسلامي؟ ويجيبنا الكاتب بالقول في ص ١٧٣ "رغم إقامة العديد من المؤتمرات المحلية والدولية لتحقيق هذا الغرض، إلا أن جميع الجهود الرامية إلى خلق هذا العلم قد فشلت، مما يشير إلى هشاشة محتوى كل الأطروحات.. حسب الكاتب.

ويرجع الكاتب وجهة نظره هذه إلى أن الدين يحث على الأخلاقيات وتحسينها وليس تحديد الحقائق العلمية فضلا عن أن العلم الحديث بأنه محدد المعالم وملموس وبدونه تتوقف الحياة، وبالتالي ربط الأديان بالعلم فيه صعوبة شديدة .

وفي الفصل الثامن يتناول الكاتب نهضة العالم الإسلامي وهو عنوان الفصل، وهنا ينصف الكاتب الحضارة الإسلامية بقوله: "إن تصوير العصور الوسطى على أنها حالة استثنائية من الظلام في تاريخ البشرية تعبير قاصر جدا، حيث أنه يعبر فقط عن وجهة نظر بعض أبناء  الحضارة الغربية فالعصور السوداء هي عصور أوروبا حسب الكاتب، لافتا  إلى أن الحضارة الإسلامية كانت في أبهى صورها في الوقت الذي كانت أوروبا مشغولة فيه بحرق الساحرات .

وبحسب الكاتب أيضا فقد أقر كل المؤرخين المحترمين بالإنجازات الإسلامية المدهشة في تلك الحقبة، مستشهدا في ذلك بالمؤرخرج سارتون في موسوعته عن تاريخ العلم.

الزنادقة الكبار

أما في الفصل التاسع والعاشر فيعود مرة أخرى لمهاجمة الأصولية الدينية في مواجهة علم المسلمين حسب  الكتاب ومستتبعا ذلك بعنوان اشد في الفصل العاشر وهو "خمسة زنادقة كبار "وفي الفصلين يرجع الفشل في وجود علم حقيقي إلى الأصولية الدينية وموقفها من العلم تارة ورفضها والتحفظ عليه تارة أخرى أو ظهور من يدعي بوجود علم إسلامي بحسب الكاتب ليبدو وكأنه يعيد ما ناقشه في النصف الأول من الكتاب وهذه من النقاط التى تؤخذ عليه فطالما شخص الأمر فعليه تقديم العلاج .

ثم كان أكثر هجوما وتحاملا أيضا في الفصل العاشر، حيث تناول عدد من الأسماء التي قال إنه تم وصفهم بالزنادقة من قبل المتطرفين، من هؤلاء الرازي وابن سينا وابن خلدون وابن رشد، متناولا بالتفصيل في محاولة للدفاع عنهم من ناحية وتوجيه الاتهام لمن أسماهم الأصوليين المسلمين بأنهم وراء هذه الاتهامات من ناحية أخرى .

خواطر للمستقبل

وفي الفصل الحادي عشر يطرح سؤالا مشابها إلى حد كبير لنفس السؤال في عنوان الفصل السابع في سياق تكرار الأسئلة وكان عنوانه الفصل: "لماذا لم تحدث ثورة علمية في الإسلام؟ وكان عنوان الفصل السابع.. "هل يمكن تواجد علم إسلامي؟ وبنظرة سريعة نجد تشابه بين العنوانين، أو على الأقل ليس هناك فرق كبير بينهما، وأرجع ذلك على وضع التعليم في الإسلام حسب وصفه ودور الشريعة الإسلامية بالإضافة إلى أسباب اقتصادية وما أسماه الكاتب بالاقتصاد الامتصاصي، ومؤسسات الإدارة المحلية مضيفا أسبابا سياسية ايضا، وإن كان في هذا الفصل قد قدم بعض الإجابات الواقعية رغم تكرار السؤال.

ويختم الكاتب كتابه بخواطر للمستقبل وهو عنوان الفصل الثاني عشر، مؤكدا حاجة العالم الإسلامي إلى إصلاحات جذرية في النواحي التعليمية والاجتماعية والسياسية مطالبا بتأسيس إطار للفكر والعمل من خلال إسقاط فكرة وجود حلول بسيطة لكل مشكلة في التراث ومحاربة الميول التي تمزج بين التحديث والتغريب، ووقف المعارضة للعلم الحديث من جانب بعض الفئات وأنه لا بد من إدراك أن العلم والتكنولوجيا ملك للجميع وليس للغرب فقط .