مقابلات

سياسي سوداني لـ"عربي21": خلافات البرهان وحميدتي وصلت إلى نقطة اللاعودة

.
قال أمين الإعلام والناطق الرسمي باسم "الجبهة الوطنية للتغيير" في السودان، محمود الجمل، إن ما وصفها بالخلافات العميقة والصراعات المحتدمة بين البرهان وحميدتي وصلت إلى نقطة اللاعودة، ولا يمكن تجاوزها الآن بأي صورة من الصور.

ورأى الجمل، في تصريحات خاصة لـ "عربي21"، أن "المعادلة الراهنة ربما تتغير خلال الفترة المقبلة؛ لأن ما يحدث الآن هو أن البرهان يسعى لفرض شروطه على حميدتي الذي يسعى هو الآن لفرض إرادته على الأول، وأصبح بين الطرفين ما صنع الحداد، ولا عودة إلى الوراء، والنتيجة النهائية التي ستأتي بعد حسم الصراع سوف تساهم إلى حد ما في إيجاد طريق لحل الأزمة السياسية".

وأكد أن "ربما كان بالإمكان حل هذا الخلاف، وعقد تفاوض، أو وساطة قبل اندلاع هذه الحرب، لكن نشوب الحرب، واستمرارها على مدار 4 أيام بهذه الخسائر الكبيرة في الأرواح، والممتلكات، وبعد تصريحات الفريق كباشي، وقيادات الجيش: (لا تفاوض ولا تحاور) مع ما أسموه (ميليشيات الدعم السريع)، وبعد القرار الذي أصدره البرهان بحل قوات الدعم السريع باعتبارها قوة غير نظامية.. أعتقد الأمر أصبح جليا وواضحا بأن الجيش الآن يعمل على مسح الدعم السريع من الخارطة السودانية".

خلافات عميقة

وأردف: "بعد انقضاء هذه الأزمة وجلاء هذه الغمة، سيصبح الجيش أكثر وحدة، وأكثر قوة، واعتدادا بالنفس؛ لأن أصل الخلافات والتوتر القائم منذ سنين بين الجيش والدعم السريع هو اعتقاد الجيش بأن الدعم السريع في وضع أكبر مما يستحق، في مقابل تهميش واضح لدور الجيش؛ فالمؤسسة العسكرية من الداخل حانقة جدا من وضع الدعم السريع".

وأشار الجمل إلى أن "استمرار القتال حتى الآن، وزيادة حدته، نابع من الدافع المعنوي الموجود داخل القوات المسلحة تجاه الدعم السريع"، مؤكدا أن "الخلافات بين البرهان وحميدتي ظهرت نتيجة دخول السياسيين بينهما، وأعني بذلك قوى الحرية والتغيير".

ورأى أن "سبب الخلافات العميقة بين الرجلين هو دخول العنصر السياسي بين الطرفين؛ فمن المفترض أن المهمة الأساسية للجيش والدعم السريع هي وجودهم كمُحكمين في العملية السياسية، والإشراف عليها، إلى جانب حماية حدود أراضي الدولة؛ لكن في مرحلة من المراحل أصبح الجيش، وقوات الدعم السريع جزءا من العملية السياسية، بل ويبحثون عن حصص ونسب في المقاعد الوزارية وغيرها، وكان هذا الخطأ الأساسي الأول".

موقف حميدتي من الإسلاميين

وهاجم السياسي السوداني موقف حميدتي من الإسلاميين ومطالبته بإبعادهم من السلطة والجيش، قائلا: "هذا الرجل الذي يتحدث بهذه الطريقة عليه أن يرحل هو من باب أولى، لأن مَن أتى به هو نظام الإنقاذ؛ وبالتالي فهو من صنعية الإنقاذ، ولا يحق له الحديث عن هذا الأمر".

وزاد: "سبب المشكلة هو التصنيفات، وادعاء أن هذا سيء، وهذا أفضل، واحتكار العملية للشخص نفسه؛ فالداء الذي أصاب قوى الحرية والتغيير أصاب حميدتي، وهو داء الإقصاء، وإبعاد الآخرين، وهذه هي الإشكالية الأساسية".

وتابع الجمل: "ما يروج له ويعتقد به على الساحة الآن بين الطرفين هو أن أنصار الحرية والتغيير يظنون أن البرهان متحالف مع الإسلاميين، والطرف الآخر يظن أن حميدتي يتحالف مع اليساريين، بالرغم من تحالف حميدتي مع الحرية والتغيير الذي ظهر جليا في الاتفاق الإطاري".

الانفراد بالعملية السياسية

وقال: "الغريب في الأمر هو تصريحات القائدين بأن ما يفعله كل منهما هو حماية للعملية السياسية؛ فإذا كان من أجل حماية العملية السياسية فلا داعي للتدخل العسكري، وكان من باب أولى أن يُفتح الاتفاق الإطاري للمشاركة فيه من كل القوى السياسية، فيما عدا حزب المؤتمر الوطني وفقا لما صدر من قرار بعدم ممارسته للعمل السياسي، ولكن هذه هي المشكلة الأساسية؛ فمشكلة الإقصاء، والانفراد بالرأي، والانفراد بالعملية السياسية، وبالسلطة، دائما ما تؤدي إلى هذه الأوضاع السيئة للغاية".

وشدّد الجمل على أن "المسؤول عن تعثر المرحلة الانتقالية هم أشخاص يتبعون الحرية والتغيير منذ وجود حمدوك، وأعتقد أنهم ساهموا في فشل حمدوك أيضا، والمجموعة التي تقربت من حمدوك وساهمت في فشله هي ذاتها المجموعة التي تقربت من حميدتي حتى وصلنا لهذه الأحداث المؤسفة".

وفي الوقت الذي أشاد فيه بالتصريحات السابقة التي أطلقها البرهان بشأن تنحي جميع الأطراف السياسية والعسكرية في البلاد، قال: "أعتقد أنه لن يتنحى عن المشهد أي طرف من الأطراف؛ فالمشكلة في وجود الاتهامات المتبادلة، وسوء النوايا؛ فالحرية والتغيير والدعم السريع يلقون باللوم على النظام البائد، والطرف الآخر من الإسلاميين وغيرهم يلقون اللوم على الحرية والتغيير، وعلى اتفاقهم، ومحاولة استئثارهم بالسلطة لأنفسهم، فالسيناريو مُعقد جدا".

وكان البرهان قد دعا، قبل أيام، جميع الأطراف السياسية والعسكرية في البلاد إلى التوافق من أجل الوصول إلى اتفاق نهائي، أو تنحي جميع الأطراف عن المشهد وإفساح المجال لآخرين.

حل سوداني خالص

وبشأن رؤيته لمواقف المجتمع الدولي، قال الجمل إنه "داعم لتكوين دولة مدنية، ولكني على قناعة وثقة بأن المجتمع الدولي لا يظن أن الحرية والتغيير بشكلها الحالي قادرة على قيادة الدولة، وهذه حقيقة مؤكدة؛ فهم مع الأسف مجموعة من المراهقين السياسيين لا يعرفون السياسة، ولا يفهمونها، وليسوا برجال دولة على الإطلاق".

وذكر أن "وجود المحاور الخارجية أحد الأسباب التي ساهمت في ظهور هذه الأزمات الداخلية، وهذه واحدة من الإشكاليات التي تحدثنا عنها. قلنا إن الحل سوداني – سوداني خالص دون إقصاء أو استثناء لأي أحد، ولا ينبغي أن تتدخل أي جهة خارجية في الحوار السوداني، لكن تفاجأنا –مع الأسف- بأن الاتفاق الإطاري استلمه (فولكر) وسفراء دول عديدة، وأصبحوا مشرفين على هذا الأمر، وهذا خطأ".

ونوه الناطق الرسمي باسم "الجبهة الوطنية للتغيير"، إلى أن "أي حوار يقوم على إقصاء وإبعاد وتهميش الآخرين لا جدوى منه، ولا طائل من ورائه، والاتفاق الإطاري كغيره من الاتفاقيات السابقة لن يأتي بأي نتيجة؛ لأنه حوار منقوص ومعيب".

ولفت إلى أن حل الأزمة السياسية يتمثل في إطلاق حوار سوداني خالص، دون تدخل من قِبل أي طرف أجنبي، ولا يكون لأي طرف قوة وصلاحية أكثر من الطرف الآخر في التفاوض والحوار، من أجل الوصول إلى حوار يأتي بنتيجة، وبمخرجات يوقع عليها الجميع، ويتم تنفيذها".

وختم الجمل حديثه بالقول: "وفي النهاية يجب أن يكون الضامن لتنفيذ لهذه الاتفاقيات هي القوات المسلحة، وهذا ما سنظل نقوله إن القوات المسلحة دورها هو المُحكم، والحافظ للأمن في البلاد".