أن يزور رئيس النظام السوري بشار
الأسد مسقط وموسكو وأبو ظبي، فليس
في ذلك مفاجأة سياسية بعد حالة التراخي الدولية تجاه النظام منذ سنوات عديدة.
لا تكمن أهمية زيارتي الأسد الأخيرتين إلى موسكو وأبو ظبي في ذاتهما،
فقد زارهما أكثر من مرة سابقا، وإنما تكمن الأهمية في توقيت الزيارتين وفي طريقة
الاستقبال، مع ما تحمله من ترميز سياسي لا يخفي مقاصد المُستضيفين (موسكو، أبو
ظبي).
جاءت
زيارة الأسد إلى موسكو في 14 آذار (مارس)، أي قبل ثلاثة أيام من
الذكرى السنوية الثانية عشر لاندلاع الثورة السورية، فيما جاءت زيارته إلى أبو ظبي
في 19 من الشهر نفسه، أي بعد يومين من ذكرى الثورة السورية.
لقد أصبح الملف السوري (الثورة السورية) خاسرا على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية لدول المنطقة، ولا بد من إعادة تصويب الوضع، مع محاولات إخراج شكلية مفادها أن هذه الدولة المطبعة مع الأسد تحمل في جعبتها شروطا ومطالبا سياسية عليه تنفيذها.
هل هذه مجرد صدفة زمنية؟ بالتأكيد لا، فقد أرادت الأطراف الثلاثة بث
رسائل سياسية واضحة بأن الثورة السورية انتهت عمليا، وأن الأسد ليس باقيا في منصبه
فحسب، بل عاود ممارسة دوره العربي والدولي إلى حد ما.
غير أن دلالات الزيارتين لم تقتصر على مسألة التوقيت فحسب، وإنما
شملت طريقة الاستقبال.
في موسكو، استقبل الأسد بطريقة رسمية غير معتادة مقارنة بالزيارات السابقة
له إلى
روسيا:
ـ تم الإعلان رسميا عن الزيارة عبر صحيفة "فيدوموستي" قبل
عشرة أيام من موعد الزيارة، بخلاف المرات السابقة حيث تكون الزيارة محاطة بالسرية،
ولا يعلن عنها إلا بعيد انتهاءها.
ـ استقبال رسمي في مطار فنوكوفو الدولي شمل سجادة حمراء وحرس شرف وأوركسترا،
فيما كان باستقباله كل من نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف والسفير الروسي في
دمشق ألكسندر يفيموف والسفير السوري لدى موسكو بشار الجعفري.
ـ إعطاء صفة الدولة للزيارة من خلال توسيع دائرة المحادثات لتشمل
وزراء الاقتصاد والدفاع والمالية، بخلاف المرات السابقة.
أما في أبو ظبي، استقبل الأسد بحفاوة كبيرة مقارنة بزيارته الأولى
للإمارات العام الماضي:
ـ رافقت طائرة الأسد أثناء دخولها المجال الجوي
الإماراتي مقاتلات
إماراتية، وهي عملية لا تحدث إلى للزائرين المهمين.
ـ كان رئيس الدولة محمد بن زايد آل نهيان على رأس المستقبلين للأسد
والوفد المرافق له في مطار أبو ظبي.
ـ ترافق دخول موكب الأسد الى القصر الملكي بإطلاق 21 طلقة مدفعية
تحية له.
ليست الحفاوة الروسية والإماراتية والإخراج الرسمي لعملية الاستقبال
مؤشرا على أهمية الزائر وأهمية دولته على المسرح الإقليمي والدولي، بقدر ما تعكس
حالة الضعف والوهن التي يعاني منها الأسد ونظامه، ومن هنا كانت حفاوة الاستقبال المبالغ
فيها انعكاسا لحالة الضعف هذه والتعويض عنها شكليا.
بالنسبة لروسيا، شكل الزلزال الأخير في تركيا وشمالي
سوريا نقطة تحول
مهمة، فقد خففت الولايات المتحدة من عقوباتها الاقتصادية على النظام السوري وكذلك
الاتحاد الأوروبي، بما سمح للنظام بإحكام سيطرته على دخول المساعدات إلى سورية.
ليست الحفاوة الروسية والإماراتية والإخراج الرسمي لعملية الاستقبال مؤشرا على أهمية الزائر وأهمية دولته على المسرح الإقليمي والدولي، بقدر ما تعكس حالة الضعف والوهن التي يعاني منها الأسد ونظامه، ومن هنا كانت حفاوة الاستقبال المبالغ فيها انعكاسا لحالة الضعف هذه والتعويض عنها شكليا.
شكل هذا التحول ـ وإن كان مؤقتا وفق التصريحات الغربية ـ فرصة لموسكو
لشرعنة وتعويم الأسد على الساحة الدولية، وما طريقة استقباله في موسكو إلا أحد
تجليات هذا التعويم.
بالنسبة للإمارات، فإضافة إلى فوائد الزلزال السياسية، يبدو أن طريقة
الاستقبال الإمارتية كانت تخفي خلفها معطيات جديدة حيال الملف السوري، فبخلاف
روسيا التي أرادات خلال الزيارات السابقة للأسد إلى موسكو، إظهار هيمنتها المطلقة
في الشأن السوري عبر معاملته كأنه موظف وليس رئيسا، لا تحمل الإمارات نفس الدوافع
الروسية لمعاملة الأسد بهذه الطريقة.
ومع ذلك، كانت زيارة الأسد الأولى إلى الإمارات العام الماضي تشبه في
شكلها زياراته السابقة إلى موسكو، باستثناء الزيارة الأخيرة لأبو ظبي.
هل هو تنسيق إماراتي روسي حيال ذلك، ربما، لكن الأهم أن الإخراج
الإماراتي للزيارة أريد منه كسر حالة التعامل مع الأسد كأنه غير مرحب به عربيا،
ولن يكون مفاجئا أن التخطيط الإماراتي ـ الروسي لم يكن ثنائيا، بل ضم دولا أخرى
ستظهر مواقفها قريبا، كما حدث مع المملكة العربية السعودية التي أعلنت مؤخر عزمها
إعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري.
لقد أصبح الملف السوري (الثورة السورية) خاسرا على الأصعدة السياسية
والاقتصادية والأمنية لدول المنطقة، ولا بد من إعادة تصويب الوضع، مع محاولات
إخراج شكلية مفادها أن هذه الدولة المطبعة مع الأسد تحمل في جعبتها شروطا ومطالبا
سياسية عليه تنفيذها.
إن دخول السعودية على خط التطبيع مع النظام السوري، سيكون هو التحول
الكبير لجهة إعادة الأسد ونظامه للمنظومة العربية، وسيعبد الطريق أمام الدول
الأخرى الخجولة.