ملفات وتقارير

ضربة قاضية.. الإمارات تفرض شروطها على مصر بصفقة "باكين" ونهاية حزينة للشركة

أثار خبر بيع "باكين" لشركة إماراتية مقوما بالجنيه انتقادات الكثير من الصفحات الاقتصادية
في خطوة مثيرة للمخاوف حول تقييم الأصول العامة المطروحة للبيع، وافقت الحكومة المصرية، الأحد، على بيع كامل أسهم إحدى أهم شركاتها في قطاع البويات لشركة إماراتية، مع تقويم الصفقة بالعملة المحلية، لا بالدولار الأمريكي.

الهيئة العامة للرقابة المالية، (حكومية) وافقت على نشر شركة البويات والصناعات الكيماوية باكين، المدرجة في البورصة المحلية، التي تعمل منذ 60 عاما في سوق الدهانات المصري، لعرض الشراء الإجباري المقدم من شركة "الأصباغ الوطنية القابضة" الإماراتية.

"تقويم بالجنيه"

العرض الإماراتي يتضمن شراء كامل أسهم "باكين للبويات" بسعر 34 جنيها للسهم الواحد، نحو (1.09 دولار)، بإجمالي 24 مليون سهم بنسبة 100 من أسهم الشركة، ما يحدد قيمة الشركة المملوكة بنسبة 45 بالمئة للحكومة المصرية بنحو 816 مليون جنيه، (26.36 مليون دولار).

وتأكيدا منها لعملة تقييم الصفقة، قالت "الأصباغ" الإماراتية، في بيان لها، الأحد؛ إنها أودعت كامل قيمة الصفقة بالجنيه المصري بالبنك الأهلي المصري (حكومي)، بتاريخ 6 آذار/ مارس الجاري.

لكن، أول رد فعل بعد إعلان الرقابة المالية موافقتها على الصفقة جاء بارتفاع قيمة سهم "باكين" مع نهاية تعاملات الأحد، بنسبة 5.0 بالمئة لتغلق عند 32.5 جنيها حوالي (1.05 دولار).

وكشفت القوائم المالية المجمعة لـ"باكين"، أن مبيعاتها في النصف الثاني من العام الماضي، بلغت 486 مليون جنيه، مقابل 427 مليون جنيه بالفترة ذاتها من 2021، بصافي ربح بلغ 35.4 مليون جنيه.

"تضارب غير مفهوم"

وفي تعليقها على تقويم الصفقة المصرية للشركة الإماراتية بالجنيه دون الدولار، قالت الأكاديمية المصرية الدكتورة علياء المهدي: "في تصوري أن البيع كان يجب أن يتم بالدولار، كون الحكومة المصرية تبيع هذه الأصول لأنها بحاجة إلى العملة الصعبة".

وفي حديثها لـ"عربي21"، أضافت عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابقة بجامعة القاهرة: "باختصار شديد، لا أتصور لماذا نبيع، إذا كنا سنبيع بالجنيه المصري؟".

وأوضحت أن "الغرض المعلن كان هو أن نزيد من حصيلة الدولة من الدولار لسداد الالتزامات المالية الدولية على البلاد"، لافتة إلى أن البيع بالجنيه يتنافى مع هذا الغرض.

"ملابسات الصفقة"

نافس الشركة الإماراتية على الصفقة "كومباس كابيتال"، شركة الاستثمار المالي المصرية التي تأسست عام 2010، والتي تقدمت بعرض في كانون الثاني/ يناير الماضي، للاستحواذ على 51-90 بالمئة من الشركة مقابل 30 جنيها للسهم.

ونهاية العام الماضي، تقدمت "إيجل كيميكالز"، الشركة المصرية الرائدة في صناعة الكيماويات، بعرض للاستحواذ على 100 بالمئة من "باكين" مقابل 29 جنيها للسهم الواحد، لكن تفوق عرض الشركة الإماراتية.

ومع زيادة حدة المنافسة تلك، رفعت الشركة الإماراتية عرضها المقدم في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، من 29 إلى 34 جنيها للسهم الواحد، ما يؤكد أهمية "باكين" والقيمة الاقتصادية للشركة التي تمتلك الحكومة المصرية نحو 55 بالمئة من أسهمها.

وتمتلك الشركة "القابضة للصناعات الكيماوية" التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، 44 بالمئة من حصة "باكين"، بجانب نسبة 10.52 بالمئة لـ" بنك مصر "، فيما تمتلك شركة "آي إم إن للاستثمار الصناعي" 9.7 بالمئة، والباقي للمستثمرين الأفراد بنحو 35.78 بالمئة.

"خلاف الجنيه والدولار"

ومنذ طرح الحكومة المصرية الشهر الماضي 32 شركة مملوكة لها وللجيش للاكتتاب في البورصة وأمام مستثمرين استراتيجيين خلال عام، تنفيذا لتعليمات صندوق النقد الدولي، أثير الخلاف مع مستثمرين خليجيين حول تقييم تلك الصفقات بالجنيه أم بالدولار.

هذا الخلاف بدا لافتا مع الجانب السعودي، بشأن تقييم صفقة بيع "المصرف المتحد"، المملوك للبنك المركزي المصري، للصندوق السيادي السعودي، لتتوقف المفاوضات الشهر الماضي، لرغبة القاهرة في التقييم بالدولار، وإصرار الرياض على التقييم بالجنيه.

لكن، وفيما يبدو أنه خضوع مصري للرغبة الخليجية وتراجع عن البيع الكامل بالدولار لتنفيذ الصفقات المتعسرة وسط حاجة الحكومة للأموال، أعلنت وزيرة التخطيط هالة السعيد، لوكالة "بلومبرغ"، 28 شباط/ فبراير الماضي، أن "تقييم الأصول سيكون بالجنيه أو الدولار، حسب كل حالة".

ومنذ تحرير سعر الصرف الأول في عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، يعاني الجنيه من التراجع بمقابل العملات الأجنبية، لينخفض من نحو 6.75 جنيهات مقابل الدولار عام 2013، إلى 15.60 جنيها بالثلث الأول من 2022.

ذلك الانخفاض يتواصل بفعل ضغوط الحرب الروسية الأوكرانية، وضغوط خدمة الدين، وحاجة الحكومة لقروض من صندوق النقد الدولي، التي دفعت جميعها لخفض قيمة الجنيه 3 مرات بالعام الماضي، ليهوي مسجلا، الاثنين، نحو 30.95 جنيها مقابل الدولار.

"شفافية التقييم"

ولهذا، فإن تقييم صفقة "باكين" بالجنيه المصري لصالح الشركة الإماراتية، يثير مخاوف مراقبين حول شفافية التقييم وعدالته، كون العملة المحلية تواجه أزمة تراجع وفقدان قيمة تاريخية، غير مسبوقة، ومحتملة مجددا في الشهرين المقبلين، بحسب خبراء ماليين.

تلك المخاوف تتزايد، خاصة أن طرح الأصول العامة صار سياسة ثابتة للحكومة المصرية، التي لن تكتفي بهذا القدر من الطروحات والتخارج من قطاعات حيوية واستراتيجية لصالح القطاع الخاص المحلي والأجنبي، وفقا لما أعلنت عنه العام الماضي في "وثيقة ملكية الدولة".

وهو التوجه الذي يؤكده إعلان وزير المالية المصري محمد معيط، بمؤتمر القطاع المالي في السعودية، 15 آذار/ مارس الجاري، أن الطروحات الحكومية قد ترتفع من 32 إلى 40 شركة.

وتستهدف وزارة معيط، وحكومة السيسي، والصندوق السيادي الذي يشرف عليه، والذي تؤول إليه الأصول المطروحة كافة، بيع أصول بقيمة 8.7 مليار دولار في 46 شهرا، كون البلاد بحاجة لسد فجوة تمويل بنحو 17 مليار دولار خلال سنوات قليلة.

"ارتجال تحت سوط الحاجة"

وفي تعليقه على الصفقة بشكل عام، وحول تقويمها بالجنيه، قال الخبير الاقتصادي والمستشار الأممي الدكتور إبراهيم نوار لـ"عربي21"؛ إن "البيع تم للنسبة المتبقية للحكومة المصرية في باكين، وبذلك تخارجت تماما من الشركة".

وفي تقديره لخسائر مصر من بيع أولى شركاتها للإمارات مقومة بالجنيه، يرى نوار أن "البيع بالجنيه المصري خسارة للحكومة، التي كانت قد أعدت برنامج الخصخصة لزيادة الإيرادات بالدولار لسداد الديون".

وفي إجابته على التساؤل: "هل التقويم بالجنيه يستتبعه تحويل الأرباح بالجنيه أيضا للشركة الأم أو المالك الجديد، أم إنه سيكون بالدولار؟ يرجح "تمويل الإمارات للصفقة باستخدام فائض إيرادات المبيعات المستحق للشريك الأجنبي، الذي فشل في تحويل أرباحه للخارج بسبب نقص السيولة الدولارية لدى البنك المركزي المصري".

الخبير المصري لفت هنا إلى "مشكلة تحويل الأرباح للخارج"، مؤكدا أنها "أصبحت الآن مشكلة عامة يواجهها المستثمرون الأجانب في مصر".

وبشأن عدالة تقييم الصفقة في ظل تأزم موقف الجنيه المصري وحاجة الدولة المصرية للأموال لسد احتياجاتها الاستراتيجية وسداد فوائد وأقساط القروض، لا يظن نوار، أن "البيع تم على أسس تقييم احترافية".

وأضاف: "ومن ثم، فإن شروط معرفة ما إذا كانت قيمة النسبة المباعة أخيرا من الأسهم عادلة أو غير عادلة، غير متوفرة".

وعن تقديره لأسباب تنازل الحكومة المصرية عن التقييم بالدولار، خلص نوار، للقول؛ إن "الخصخصة في مصر تتم الآن ارتجاليا، تحت سوط الحاجة للسيولة، وتعويض المستثمرين الأجانب عن عدم تحويل أرباح استثماراتهم من مصر لبلدانهم الأصلية".

"انتصرت إرادة الخليج"

وفي تعليقه، قال الباحث في الاقتصاد السياسي، ومدير المركز الدولي للدراسات التنموية الدكتور مصطفى يوسف: "واضح أن الحكومة المصرية في حالة صعبة، ولا توجد لديها أية سبل للحصول على أموال جديدة، ولا توجد خطة حقيقية لجذب استثمارات خارجية".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أن "الاستثمارات الخارجية ليس معناها بيع الأصول لسداد ديون مهولة تم استدانتها لعمل مشاريع غير إنتاجية، أدت لانهيار قيمة العملة الوطنية، وأوصلت سعر الدولار لقرابة 35 جنيها بالسوق الموازي ورسميا نحو 31 جنيها".

ولفت إلى أنه "على الحكومة تدبير الدولار بقيم عالية، حيث يتراوح تقدير السعر لشراء الدولار بين 38 و35، ولو أخذنا الحد الأدنى، فهذا يعادل أكثر من 5 أضعاف ما كان عليه أيام حكومة الثورة (منتصف 2012 حتى منتصف 2013)".

ويعتقد الخبير المصري أن "شراء الإمارات لباكين بسعر مقوم للسهم بالجنيه، يأتي ضمن سلسلة استحواذات مثل (جزيرة الوراق)، وقطاع الصحة ومعامل (البرج) و(المختبر)، وغيرها من الشركات التي حصلت عليها كعائد للاستثمار على دعمها انقلاب 2013".

ولفت إلى "دعم ولي العهد محمد بن زايد، الكبير حينها للسيسي، وتزكيته لدى الغرب بدعوى خدمة الاستقرار والشركات الغربية"، ملمحا إلى أن "تلك الاستحواذات لا تخلو من شبهة الفساد".

وأكد يوسف أن "تقييم صفقة باكين، يأتي استمرارا لمسلسل الفساد غير المسبوق في التقييم، ويشابه بشكل ما بيع شركة (عمر أفندي) بعهد حسني مبارك، التي لم تخل من تلك الفضائح والكوارث، ولكنها الآن أصعب بكثير".

وقال؛ إننا "أمام نظام منعدم الشفافية، سجن وآذى وعذب وضرب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الأسبق، المستشار هشام جنينة؛ لأنه حاول الكشف عن الفساد"، واصفا إياه بأنه "نظام يقتات ويتعايش على الفساد".

وأكد أن "تقييم باكين بالطبع انتصرت فيه إرادة المستثمرين الخليجيين وحكامهم بالضربة القاضية الفنية في كل الأصعدة على مصر"، مبينا أن خسائرها من بيع الشركات مقومة بالجنيه وليس الدولار كبيرة، كما أن مسألة بيع الأصول عامة هي خسارة كبيرة".

وأوضح أن التقييم بالجنيه يأتي في توقيت تخفض فيه الحكومة قيمة الجنيه بشكل دائم"، ملمحا إلى أن "المشكلة تتفاقم، حيث إن الحكومة ستبيع 40 شركة وليس 32 كما أعلنت سابقا".

وختم بالقول؛ إن "الحكومة المصرية تحاول جلب الدولار من أي مكان ووسيلة، نتيجة للفشل الكبير وبناء القصور الرئاسية والعاصمة الإدارية، واستبدالها الأصول الرابحة بطائرات وقصور رئاسية ومشروعات غير إنتاجية فنكوشية ووهمية".

"نهاية حزينة"

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أثار خبر بيع "باكين"، لشركة إماراتية مقوما بالجنيه المصري، انتقادات الكثير من الصفحات الاقتصادية والمتابعين.

واعتبرها البعض "نهاية حزينة لشركة كبيرة"، مشيرين إلى إمكانيات الشركة وطاقتها الإنتاجية ودخولها أسواقا عربية مثل ليبيا، واستمرارها في تحقيق الأرباح، برغم ما تواجهه من معوقات في استيراد بعض الخامات.



وأعرب البعض عن تخوفه من مواصلة الإمارات استحواذاتها على الأصول المصرية، مع قرب أبوظبي الشديد من العدو الصهيوني سياسيا واقتصاديا.



ووصف البعض بيع "باكين" بالخسارة الكبيرة، مؤكدين أن "قيمة الشركة أكبر كثيرا من سعر البيع، خاصة مع انعدام الرقابة والشفافية"، مضيفين أنه "مع ما يُعرف عن طريقة إدارة الدولة حاليا، لا يمكن استبعاد أي شيء".



وأشار البعض إلى أن الإمارات ستأخذ أرباحها بالجنيه المصري في الشركات التي اشترتها مثل "بنك CIB"، و"موبكو"، و"أبوقير للأسمدة"، و"فوري"، و"آي فاينانس"، وتشترى شركة "باكين"، والعام القادم تشتري شركة أخرى من أرباح تلك الشركات.