ملفات وتقارير

استهجان واسع بمصر بعد مقترح باقتطاع نسبة من تحويلات المغتربين

مغتربون عبروا عن استهجانهم للمقترحات التي وصفوها بغير الدستورية- فليكر
في إطار مساعي حكومة رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، للاستحواذ على أكبر نسبة من مدخرات المصريين بالخارج طالب وكيل مجلس الشيوخ، المستشار بهاء أبو شقة، بتخصيص نسبة من رواتبهم للدولة بشكل إجباري من خلال قانون منظم لعملية الاستقطاع.

المقترح النيابي، الذي يعد سابقة من نوعها، يستهدف نحو أكثر من 11 مليون مصري يعملون في مختلف دول العالم، ويقومون بتحويل أكثر من 30 مليار دولار سنويا إلى بلادهم، ويأتي ذلك في ظل العجز الكبير في النقد الأجنبي الناجم عن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد.

دعوة أبو شقة، بحسب مراقبين، خرجت من سياق الحصول على جزء من مدخرات المصريين المقيمين بالخارج مقابل تسهيلات في مشروعات ومبادرات مختلفة إلى فرض ما اعتبروه "إتاوة"، وأثارت ردود فعل ساخرة وغاضبة بين المصريين المغتربين ومواقع التواصل الاجتماعي.

مقترح أبو شقة، أحد أشهر القانونيين المصريين المقربين من النظام بوضع منظومة قانونية محددة لآلية عمل المصريين في الخارج، جاء خلال الجلسة العامة لمجلس الشيوخ لمناقشة السياسات التحفيزية للمصريين بالخارج والترويج للمبادرات والإجراءات التي تسهم في دعم مدخراتهم في مصر بحضور وزيرة الهجرة المصرية.


وزعم وكيل مجلس الشيوخ، بحسب صحف محلية، أن استقطاع جزء من رواتب المصريين هو "حق الدولة على هؤلاء المواطنين، الذين تربوا تحت سماء الوطن، واستفادوا من كل الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين"، على حد قوله.




استغلال أموال المصريين

ورأى الخبير الاقتصادي، حافظ الصاوي، أن دعوة أبو شقة "تكشف مدى الأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة المصرية وخاصة أزمة الفجوة التمويلية من العملات الصعبة، لكن التفكير بهذه الطريقة عادة يأتي بمردود سلبي، وسيفتح الباب أمام تهرب المصريين من أي إجراءات قد تفرضها الحكومة المصرية لاحقا لإثبات دخولهم".

ووصف الصاوي، في حديثه لـ"عربي21" مثل تلك الدعوة والتصريحات بأنها غير مدروسة ويشوبها الاستغلال، من المفترض أن تحويلات المصريين بالخارج التي تعد أحد أهم مصادر النقد الأجنبي بمصر أن تتعامل معها الحكومة بآليات مشجعة، وليس بدفعهم لتهريب أموالهم.

تحويلات المغتربين في تراجع

وحققت تحويلات المصريين العاملين بالخارج أعلى مستوى لها تاريخيا خلال السنة المالية 2021-2022 عندما سجلت نحو 31.9 مليار دولار، وسط توقعات باستمرار تحسن التحويلات من الخارج لتتجاوز هذا الرقم القياسي.


لكن خلال الربع الأول من العام المالي، خالفت تحويلات المصريين العاملين بالخارج التوقعات وتراجعت بنسبة 20.9% على أساس سنوي، لتصل إلى نحو 6.4 مليارات دولار مقابل 8.1 مليارات دولار في الفترة ذاتها من 2021-2022، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.

وتعد تحويلات المصريين العاملين بالخارج أكبر مصدر رئيسي للعملة الأجنبية، ويأتي معظمها من الدول الخليجية، وتمثل نحو 7% من إجمالي الناتج المحلي، وتحتل بها مصر المركز الخامس بين أعلى الدول المتلقية للتحويلات المالية، بحسب تقرير حديث للبنك الدولي.




وفند المسؤول الإعلامي للجالية المصرية سابقا الإعلامي والصحفي سعيد محمد، تلك الدعوة، وقال: "الحديث عن حق الدولة هو مزايدة، هناك ملايين المصريين الذين هربوا من بلادهم بحثا عن لقمة العيش ولا تقدم لهم سفاراتهم أي دعم أو دفاع عن حقوقهم أو تسهيل إقاماتهم أو حل مشاكلهم"، مشيرا إلى أن "جزءا من هؤلاء المغتربين قضت بلادهم بنفيهم ومطاردتهم وحبسهم عند عودتهم".

وأكد في حديثه لـ"عربي21" أن "سفارة وقنصلية حكوماتنا في الدول الأوروبية تستغلنا بشكل سيء وتحملنا رسوما مبالغا بها لاستخراج بعض الأوراق الرسمية، أقل ما توصف بأنها سرقات، كما أن الحكومة تتحصل على آلاف الدولارات لتجديد تصاريح العمل ".


مزايدة على حساب المغتربين

اعتبر الأكاديمي المصري، الدكتور عادل دوبان، أن دعوة وكيل مجلس الشورى مجرد مزايدة على حساب ملايين المصريين المغتربين، قائلا: "وكيل مجلس الشيوخ بهاء الدين أبو شقة، رجل كبر في السن ويريد أن يزايد في الأزمة الحالية ويكون له سبق اقتراح موارد مالية".

مضيفا لـ"عربي21": "هذا المقترح الجديد يأتي في ظل تسابق الجميع على نهب أموال المواطن المصري. وقد سبق أن أبطلت المحكمة القانون السابق بفرض ضريبة على المصريين بالخارج، لكن قد تأخذها الحكومة حجة لزيادة رسوم تصاريح العمل بالخارج".


من جهته توقع السياسي المصري، حاتم أبو زيد، أن يرفض الغالبية مثل تلك المقترحات التي تعبر عن إفلاس الدولة، وقال: "الدولة لا تنفق على تعليم أبنائها من جيبها الخاص إنما تنفق من الضرائب التي تحصلها ومن ثروات البلاد، التي هي حق لأبنائها جميعا، فما تنفقه الدولة على تعليم أو صحة أو دعم، هو مال المجتمع. فلا معنى لقوله: (حق الدولة التي ربته وعلمته)".

وأوضح لـ"عربي21": "الأهم مما سبق أن هذه التصريحات كاشفة عن كيفية تفكير السلطة؛ إذ تنظر لثروات البلاد والضرائب التي تحصلها على أنها حقها الخاص، وأن ما تقدمه من خدمات فضل منها تستقطعه من حصتها. وأن المواطنين ما هم إلا عبيد عليهم الخدمة والخضوع، ودفع الإتاوة، لا أصحاب حقوق".