اقتصاد عربي

هبوط حاد لأسهم البورصة المصرية.. ما علاقته بقرار السيسي؟

خسر رأس مال السوق للبورصة المصرية مع نهاية تداولات الأربعاء أكثر من 43 مليار جنيه (نحو 1.5 مليار دولار)- جيتي
أغلقت البورصة المصرية، جلسة تداولات الأربعاء، على هبوط حاد لمؤشراتها الرئيسية مدفوعة بهبوط حاد لأسهم المجموعة المالية هيرمس، شركات القلعة القابضة، وسيدي كرير للبتروكيماويات ومصر الجديدة للإسكان.

وخسر رأس مال السوق للبورصة المصرية مع نهاية التداولات أكثر من 43 مليار جنيه (نحو 1.5 مليار دولار) بعدما تراجع مؤشر "إيجي إكس 30" بنسبة 4.15 بالمئة، وانخفض مؤشر "إيجي إكس 30 محدد الأوزان" بنسبة 4.98 بالمئة، كما تراجع مؤشر الشركات الصغيرة والمتوسطة "إيجي إكس 70 متساوي الأوزان" بنسبة 8.22 بالمئة.

وجاء الهبوط الحاد للبورصة المصرية مدفوعا بانخفاض أسهم القلعة القابضة 14.9بالمئة، وسيدي كرير للبتروكيماويات 13.2 بالمئة، ومصر الجديدة للإسكان 13.1 بالمئة، وهو ما يعني أن الانهيار عام في أسهم البورصة، وليس فقط بسبب أزمة إفلاس البنوك الأمريكية.

وأرجع محللون وخبراء اقتصاد في حديث خاص لـ"عربي21"، انهيار البورصة المصرية إلى الحالة المصرية المتأزمة على خلفية ملف طروحات الشركات الحكومية المتعثر، وكذلك الطرح الأول المرتقب من شركات الجيش بالبورصة، وليس فقط بسبب الانهيارات المصرفية في أمريكا.

وفي ثالث انهيار مصرفي خلال أسبوع، أعلنت السلطات الأمريكية، الأحد، إفلاس بنك "سيغنتشر"، أكبر مقرض في نيويورك، ليلحق بكل من "سيلفرغيت كابيتال بنك" الصديق للعملات المشفرة، و"سيليكون فالي بنك" التابع لمجموعة "إس في بي فايننشال غروب".



قرار السيسي 
وربط المحللون بين انهيار الأسهم القيادية غير البنكية بالبورصة المصرية، وقرار رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، مساء الثلاثاء، بنقل ملكية أسهم شركة مصر القابضة للتأمين بالكامل إلى صندوق مصر السيادي، وفق ما نشرته الجريدة الرسمية.

وتمتلك القابضة للتأمين ست شركات تابعة بخلاف مصر للتأمين ومصر لتأمينات الحياة، بحسب الموقع الإلكتروني للشركة. حيث تضم شركتين للتأمين المتوافق مع الشريعة الإسلامية "تكافلي" - مصر للتأمين التكافلي - ممتلكات ومسؤوليات ومصر للتأمين التكافلي حياة - بالشراكة مع البنك الأهلي المصري، بالإضافة إلى شركات مصر لإدارة الأصول العقارية ومصر لإدارة الاستثمارات المالية ومصر للاستثمار العقاري والسياحي ومصر فاينانس للخدمات المالية.

ماذا يعني قرار السيسي؟

‌يعني قرار نقل ملكية شركة مصر القابضة للتأمين بالكامل إلى صندوق مصر السيادي أن كافة ممتلكات الشركة ومنها ٣٥١ عقارا منها ١٣٤ عقارا يعود تاريخها للقرن التاسع عشر، ونحو ١٤٠ عقارا مملوكة للدولة من عام ١٨٧٠ مع بدايات حكم الخديوي إسماعيل، تديرها الآن شركة مصر لإدارة الأصول، ذهبت من رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات إلى الصندوق السيادي.

يأتي ذلك إلى جانب إدارة كل أصول وعقارات البنوك وهيئات وسط العاصمة، وكذلك مساهمات القابضة للتأمين في كل من شركة مصر للاسمنت، شركة الوجه القبلي للصناعات الدوائية، الشركة العربية للمستلزمات الطبية، شركة الشمس للإسكان والتعمير، شركة المصري لضمان الصادرات، شركة مصر سينا للسياحة، الشركة الكويتية، الشركة السعودية للاستثمارات والتمويل، و٦ شركات للتمويل والاستثمار العقاري، شركة الدقهلية للسكر، شركة النوبارية لصناعة السكر، شركة الإسكندرية للإضافات البترولية، مصانع الأهرام للورق، مصنع فلورا للورق، بنك الإسكان والتعمير، وبنك مصر إيران للتنمية، بالإضافة إلى مساهمات أخرى.



هبوط متواصل

وبالتوازي، تراجعت أسهم البورصة المصرية إلى أدنى مستوى لها في 9 أسابيع الاثنين الماضي، مع انتشار تأثير الأزمة المصرفية الأمريكية وتواصل عاصفة الإفلاس تلك على أسواق الأسهم الأوروبية والخليجية والمصرية.

إذ انخفض مؤشر الأسهم القيادية المصري 3.1 بالمئة خلال تداولات الاثنين، متأثرا بانخفاض سهم البنك التجاري الدولي، أكبر مقرض في البلاد، 3.9 بالمئة.

وانخفض المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية بنسبة 6.3 بالمئة هذا الأسبوع، وانخفض بأكثر من 14 بالمئة من أعلى مستوى له مؤخرا.

كذلك ومن تبعات الأزمة، انخفض سهم البنك "التجاري الدولي" بنسبة 4 بالمئة تقريبا خلال التداولات على مؤشر (EGX30)، كما خسر بنك "كريدي أجريكول" 8.5 بالمئة.

اضطراب سوق المال المصري، بالتزامن مع الأزمة الأمريكية المتصاعدة يأتي بالرغم من إعلان البنك المركزي المصري الأحد الماضي، أن البنوك المحلية لم تقم بأي استثمارات أو ودائع أو معاملة مالية في بنك "سيليكون فالي"، أول البنوك الأمريكية المنهارة.

لكن، وفي السياق، يثار الحديث عن تأثير قرار حكومي محلي على السوق المحلية المصرية، وهو قرار طرح أول شركات مملوكة للجيش المصري "وطنية" و"صافي"، الأربعاء، بالبورصة أمام المستثمرين.

ولذا فإن وضع سوق المالي المصري يدفع للتساؤل، حول مدى تأثره بأزمة البنوك الأمريكية الثلاثة المنهارة، والتساؤل أيضا عن تبعات الأزمة على مصر إن استمرت أحداثها في أمريكا.



"تأثر طبيعي"

وفي حديثه لـ"عربي21"، قال رئيس الأكاديمية الأوروبية للتمويل والاقتصاد الإسلامي الدكتور أشرف دوابه، إن "أي تأثر بسوق المال والبورصة الأمريكية يؤثر في الأسواق والبورصات العالمية، وهذا أمر طبيعي كوننا في عالم مرتبط ببعضه".

وأضاف: "بغض النظر عن نوعية هذا الارتباط، لكن في الغالب تحدث تأثيرات كبيرة في البورصات العالمية بدرجة أو بأخرى، وشيء طبيعي عندما يحدث انهيار بأكبر سوق عالمي بالانخفاض يؤثر على باقي الأسواق ومنها السوق المصري، الذي لا يمكن التقليل منه كسوق عربي هام".

رئيس التمويل والاقتصاد بجامعة إسطنبول، ألمح إلى أن "أزمة البنوك الأمريكية الثلاثة مرتبطة بكبح التضخم، والعلاقة العكسية بين أسعار الأوراق المالية وسعر الفائدة، ورفع سعر الفائدة الذي أثر سلبيا ولم يقدر البنك أن يوازن بين سعر الفائدة الدائنة والمدينة".

وأشار إلى أن "هناك اتجاهات ترجح أن الحكومة الأمريكية ستتدخل بقوة حتى لا يؤثر ذلك على باقي الاقتصاد الأمريكي ويسبب أزمة للاقتصاد العالمي، وهنا لا يمكن القول إن هناك مكانا منعزلا عن العالم بالنسبة للأسواق المالية بصفة خاصة، ومنها مصر".



"توابع ممتدة"

وفي تعليقه، قال المستشار السياسي والاقتصادي الدكتور حسام الشاذلي: "نعيش في عالم مالي معقد، لكنه مرتبط ببعضه بصورة غير مسبوقة، فثورة الإنترنت والذكاء الصناعي وكذلك تعريف (DNA) للحسابات البنكية جعلت أبواب العالم المالية مفتوحة".

وأضاف لـ"عربي21": "ولذلك فعندما نقيم التأثير العالمي لانهيار البنوك الأمريكية وخاصة البنك ذو الترتيب الـ16 (سيليكون  فالي) يجب رؤية ذلك من منظور التأثير الدولي على المنظومة الاقتصادية وليس فقط التأثير المحلي على سوق العملة الدولارية والسيولة بأمريكا".

رئيس جامعة "كامبريدج المؤسسية"، أوضح أن "هذا البنك مثلا له فروع متعددة حول العالم، ومرتبط بإنشاء الشركات التقنية المتخصصة وتمويلها أو ما يعرف بـ((Teck-Startups وشركات العملات الرقمية ولذلك فالمشكلة الحقيقية في انهيار تلك البنوك هي ارتباطها بالاتجاهات الحديثة للاستثمار والتمويل".

وأكد أنه "ولذلك فانهيارها سبب نوعا من القلق غير المسبوق لدى المستثمرين وخاصة بعد انهيار سوق السندات بالأخص مصاحبا لتلك الحالة؛ وستكون توابعه عديدة وممتدة".

وتابع: "وقد يكون التساؤل المتكرر هنا، وما علاقة الحالة المصرية ومنظومتها الاقتصادية المتهالكة بتلك الأزمات الدولية؛ وهنا يجب الانتباه بأن الأسواق الضعيفة والمتردية والعملات غير المستقرة أمام الدولار تكون دائما من أكثر الأسواق تأثرا بمثل تلك الأزمات".

ولفت إلى أن "الأدوات الحامية للسوق والتي يعتمد عليها من يديرون تلك المنظومات أدوات هشة لا تستطيع الصمود في ظل قلق المستثمرين أو هروبهم من السوق، ولا في ظل انهيار سوق السندات والتي تعتمدها المنظومات الاقتصادية الفاشلة مثل الحالة المصرية للبحث عن قروض وتمويل لكي تستمر".

وأضاف أن "مثل ذلك الانهيار البنكي دائما يقود إلى إعادة النظر في نظام الفائدة وهو الأمر الذي يؤثر على المنظومات الهشة مثل المنظومة البنكية المصرية والتي كلما أرادت جمع أموال من المصريين رفعت الفائدة، في ظل انهيار تام ومستمر للعملة".



"دروب من الجنون"
وقال الشاذلي: "وهنا وفي ظل تلك الظروف الحرجة يأتي طرح شركات الجيش ليزيد الطين بلة؛ بل إن طرح الأصول المصرية للبيع حاليا هو درب من الجنون؛ وذلك بسبب عزوف المستثمرين عن الشراء وخاصة الخليج لأسباب سياسية أو اقتصادية".

وتابع: "أضف إليها ما سببته حالة الانهيار البنكي في أمريكا ووضع البورصة المصرية؛ وأخيرا حالة الجمود والقلق للمستثمر الأجنبي، ولهذا فعرض تلك الأصول في سوق بلا مشتر سيؤدي لبيعها بأبخس الأثمان وبشروط أكثر إجحافا".

ويرى الأكاديمي المصري أن "المنظومة الاقتصادية المصرية تعدت حالة الترقيع ومحاولات إستخدام الأدوات التقليدية للإصلاح، وخاصة في ظل أزمة اقتصادية دولية على الأبواب نعتبر الحالة الأمريكية مؤشرا تحذير مبدئيا لها".

ويعتقد أنه "ولذلك فإن الاختيار الأوحد لمصر تقويض تلك المنظومة الاقتصادية بصورة كاملة، ووضع خطة إنقاذ سريعة تقوم على إعادة هيكلة شاملة للمنظومة السياسية والاقتصادية، ومراجعة العلاقات المصرية الدولية مع المؤسسات الدولية والشركاء في ظل غطاء جديد ونظام سياسي مختلف".