قضايا وآراء

التطبيع وانكشاف الأقنعة (1)

عربي21
لن يجني الكيان الصهيوني الكثير من المنافع، ولن يحقق الكثير من النجاحات جراء اتفاقيات التطبيع التي يسارع فيها مع دول عربية وغير عربية، كما يتوهم، إلا أنه يقوم بعمليات تحييد للمواقف التي يمكن أن تتخذها هذه الدول في إطار الأمم المتحدة، أو الاتحاد الأفريقي، أو في إطار الجامعة العربية وغيرها من الهيئات الدولية. كما أن الكيان يستخدم هذه الدول كنقاط ارتكاز لحبك مؤامراته على بعض الدول كمصر/ إثيوبيا، والإمارات/ إيران، على سبيل المثال لا الحصر.

يقوم نتنياهو بمحاولات جاهدة لتلميع صورته بادعاء الإنجازات أمام الشعب الإسرائيلي في معركته ضد المعارضة التي تكاد تطيح بالمجتمع الإسرائيلي، ومن ذلك مسارعته -بدعم من بعض اللوبيات- في شن حملة تطبيع متسارعة؛ ظنا منه بأن ذلك سيخفف من الغضب الشعبي. وقد ذكرت عديد الصحف الصهيونية وعلى رأسها "يديعوت أحرونوت" بأن نتنياهو يجري اتصالات عبر واشنطن مع السعودية سعياً للتطبيع. لكن محمد بن سلمان يضع شروطا يراها بعضهم تعجيزية، أهمها أن تتعهد الولايات المتحدة بتغيير سياساتها تجاه المملكة بإعادة النظر في طبيعة العلاقات المتوترة بين البلدين، ورفع الحظر عن تزويد السعودية بالأسلحة المتطورة.

يقوم نتنياهو بمحاولات جاهدة لتلميع صورته بادعاء الإنجازات أمام الشعب الإسرائيلي في معركته ضد المعارضة التي تكاد تطيح بالمجتمع الإسرائيلي، ومن ذلك مسارعته -بدعم من بعض اللوبيات- في شن حملة تطبيع متسارعة؛ ظنا منه بأن ذلك سيخفف من الغضب الشعبي

ويسعى نتنياهو إلى المضي قدما في عملية التطبيع الشامل مع المملكة في إطار اتفاقيات أبراهام، ويرى أن شروط المملكة يمكن التعامل معها، والخروج بحلول مرضية للأخيرة، التي لم تتوقف عن التنسيق مع الاحتلال في إطار التعاون الاستراتيجي بين البلدين وخصوصا فيما يتعلق بالخطر الإيراني. ويسعى إلى عدم التعهد بتقديم تنازلات في الملف الفلسطيني والتوقف عن الخطط الاستيطانية في الضفة الغربية وغلاف قطاع غزة.

وفي الأثناء يعلن نتنياهو عن إقامة مستعمرة جديدة في غلاف غزة وبعض مناطق الضفة الغربية، ويثخن في دماء الشباب الفلسطيني، ويهدم البيوت، ويعتقل الفلسطينيين، ويدنس الأقصى، ثم يطير إلى السودان لاستكمال مشوار التطبيع؛ وكأنه يتعمد أن يقول هأنذا أفعل ما أشاء وأفرض على العرب ما أريد، تماما كما فعل ترامب مع العربية السعودية في أثناء ولايته..!!

نتنياهو يعلم يقينا أن التطبيع لن يؤتي أكله على الصعيد الشعبي العربي، وهو الآن لا يسعى للتأثير على الجماهير العربية، فقد يئست المؤسسة الأمنية والسياسية الصهيونية من السعي لتغيير وجهة النظر الشعبية العربية تجاه الكيان المحتل، ويكتفي بالتنسيق مع الحكومات لتنفيذ برامجه الإقليمية، إضافة إلى العمل على تشويه القضية الفلسطينية بطريقة ممنهجة قائمة على التزوير والتدليس اللذين اعتادت عليهما حكومات الكيان المتعاقبة.

نتنياهو يعلم يقينا أن التطبيع لن يؤتي أكله على الصعيد الشعبي العربي، وهو الآن لا يسعى للتأثير على الجماهير العربية، فقد يئست المؤسسة الأمنية والسياسية الصهيونية من السعي لتغيير وجهة النظر الشعبية العربية تجاه الكيان المحتل، ويكتفي بالتنسيق مع الحكومات لتنفيذ برامجه الإقليمية، إضافة إلى العمل على تشويه القضية الفلسطينية

على الرغم من مرور نحو 45 عاما على اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان المحتل التي وقعها الرئيس المصري أنور السادات ورئيس حكومة الكيان مناحيم بيغين، في السابع عشر من أيلول/ سبتمبر 1978، إلا أن الشعب المصري لم يزل ثابتا على مواقفه المبدئية ضد الكيان الصهيوني وهمجيته، وينتظر اليوم الذي ينتقم فيه لإخوته الفلسطينيين، وإن كان ثمة نفر قليل من النخب السياسية يميل حيث تميل ريح الخيانة والعار.

وفي الأردن بتنا لا نفرق بين أردني وفلسطيني كما كان لسنوات بعد أيلول الأسود 1971، وباتت فلسطين كامنة في روح كل أردني، على الرغم من معاهدة وادي عربة التي وقعها الأردن مع الكيان سنة 1994؛ فالشعب الأردني -بشقيه المتماهيَين- بات من أكثر الشعوب العربية وعياً ودراية بالمؤامرة الكونية على العالم العربي؛ فهو شعب متعلم مثقف، يتابع ويفهم حركة النظام العالمي أكثر من بعض الشعوب العربية الأخرى. إنك لا تجد في الأردن من يشكك بعدالة القضية الفلسطينية أو من يستجيب للدعوات المغرضة والدعاية المضادة للشعب الفلسطيني وقضيته، ولو أوقفت أي شخص في الشارع شابا كان أو عجوزا أو امرأة أو طفلا وسألته عن أي شأن يتعلق بفلسطين؛ لسمعت منه ما يجعلك تحس بالنشوة وأنّ الأمة لم تزل بخير.

وفي السودان، لم يستطع الشعب السوداني إبداء ما يكفي من الرفض للتطبيع لأنه غارق في مشكلته الأساسية وهي الوصول إلى حكم مدني، فهو في عملية مقارعة للعسكر، لكنه في اللحظة المناسبة سينقض على مشروع التطبيع وينسفه، وهذا أملنا فيه؛ فالشعب السوداني أثبت دائما أنه من الشعوب الحية المحبة لفلسطين والفلسطينيين، والمنحازة للقضية الفلسطينية التي تسكن أعماقه، فهو شعب أصيل يصعب تدجينه وإسكات صوته..

وفي المغرب الذي يعرف القاصي والداني موقف شعبه العصي على التخاذل، يقف المغاربة ضد التطبيع موقفا لا شك في عظمته وعنفوانه. وكذلك الأمر في الإمارات التي أعرفها وأعرف شعبها الأصيل عن قرب ومعايشة، إلا أن القمع والحرمان من الحرية يحرم كثيرين من معرفة الموقف الحقيقي للشعب الإماراتي، ويجعل المراقب يظن أن شعبها خامل صامت راض بما يجري، إلا أن الحقيقة غير ذلك تماما. والبحرين لا تحتاج إلى كثير كلام، فموقف شعبها واضح للعيان، فهو لا يهدأ ولن يهدأ حتى يتم وأد الخيانة والعار.

لم تأت عمليات التطبيع فجأة، ولم تولد من رحم الصدفة، بل كان ذلك عبر وقت طويل من العلاقات السرية مع العدو الصهيوني، تمهيدا لما يجري اليوم، وما التصريحات المتكررة عن الانتصار للقضية الفلسطينية من قبل الأنظمة المطبعة إلا كذب وادعاء، لا أكثر ولا أقل، وذلك بغية شراء التأييد الشعبي لتلك الأنظمة عبر النفاق والكذب، فقد درجت الأنظمة العربية على استغلال القضية الفلسطينية لصالح مآربها

لم تأت عمليات التطبيع فجأة، ولم تولد من رحم الصدفة، بل كان ذلك عبر وقت طويل من العلاقات السرية مع العدو الصهيوني، تمهيدا لما يجري اليوم، وما التصريحات المتكررة عن الانتصار للقضية الفلسطينية من قبل الأنظمة المطبعة إلا كذب وادعاء، لا أكثر ولا أقل، وذلك بغية شراء التأييد الشعبي لتلك الأنظمة عبر النفاق والكذب، فقد درجت الأنظمة العربية على استغلال القضية الفلسطينية لصالح مآربها وسياساتها العرجاء طوال الوقت..

ويدرك المتابعون للشأن الفلسطيني بأن الدور الذي تقوم به مصر في التوسط بين المقاومة الفلسطينية والكيان المحتل -بين الحين والآخر- كان دائما يصب في مصلحة الكيان. والمقاومة تدرك جيدا الشراك التي ينصبها لها النظام المصري، لكنها مضطرة للتعامل معه والرضوخ أحيانا لطلباته؛ نوعا من المسايرة، فالطريق الوحيد إلى خارج قطاع غزة هو الحدود المصرية، فمنها يخرج قادة الفصائل، ومنها يخرج الطلبة للدراسة، والموظفون في دول الخليج، والمرضى والحجاج والمعتمرون وغيرهم.. وهذا ما يبحث عنه الكيان المحتل؛ دول عربية مطبعة تقف في صفه في الأزمات وكلما احتاج لدعمها، فالاحتلال يطبخ والأنظمة المطبعة تأكل بدون اعتراض..!!

ولم يجن المطبعون شيئا ذا بال جراء التطبيع سوى الإفادة من بعض التقنيات المخزية، وخصوصا تلك المتعلقة بالتجسس على المواطنين.. تخيل أنك تطبع فقط من أجل برامج تنصت ومراقبة للمعارضين.. لكن الأمر بالنسبة للحاكم المطبع أبعد من ذلك، فالتطبيع يمنح الحاكم نوعا من الوهم بأنه يحفظ له الاستمرار في حكم بلده، ويوهمونه أن رقبته في أيديهم، ربما بفضحه في بعض ما سُجّل له من فضائح، وهي أمور تحدث كثيرا في عالم المخابرات الغربية والصهيونية..

twitter.com/mhmwdal14838046