كتاب عربي 21

ضحكة الرئيس على مكيال ريختر

"زلزال الأسد قادم"- تويتر
" زلزال الأسد قادم".

وجد كاتب هذه السطور عبارة الوعيد المنذرة أعلاه مكتوبة بخط "التايم نيو رومان"، على صدر قائد مجموعة مداهمة وتفتيش، إبان انطلاق الثورة السورية.

غير خافٍ على أحد أنَّ أنصار الرئيس ومواليه وشيعته كانوا يعتبرون رئيسهم زلزالا، أما اتخاذه إلها من دون الله فأشهر وأعمّ، حتى على ألسنة إعلاميي الأسد في التلفزيونات العربية، وهو شائع وفي الفيديوهات المختلسة، وهذا ليس بسرٍ مضمور، أو كيد مستور. وإن اعتبار الأسد الجونيور زلزالا فاشٍ هذه الأيام في وسائل التواصل الاجتماعي السوري، لدن نشطاء المعارضة أيضا، فقد اتفقت الفرقتان؛ الموالاة والمعارضة على قياس بشار بمكيال ريختر، والمقارنة قائمة على قدم وساق بين أعداد ضحايا زلزال قهرمان مرعش الأرضي، وزلزال الأسد السياسي، والفروق كبيرة، والاختلافات كثيرة:

أولها أنَّ نائبة الزلزال الطبيعي تصيب طبقات الأرض، أما الزلزال الطغياني فيصيب طبقات المجتمع، وبنيان الإنسان، وعمارة الأخلاق، قبل أن يصيب طبقات الأرض، فهو يسري إليها تاليا، بالإفساد الجغرافي في البر والبحر والسماء، فتركب طبقة أرض فوق طبقة أخرى، أو تزيحها، أو تدفعها جيولوجيا.

اتفقت الفرقتان؛ الموالاة والمعارضة على قياس بشار بمكيال ريختر، والمقارنة قائمة على قدم وساق بين أعداد ضحايا زلزال قهرمان مرعش الأرضي، وزلزال الأسد السياسي، والفروق كبيرة، والاختلافات كثيرة

هناك تدافع بين طبقات الأرض كالتدافع بين طبقات الناس، وكذلك تركب طائفة أو طبقة اجتماعية طبقة أخرى في الزلزال السياسي، فتزيلها أو تظلمها أو تحطمها أو تسفلها إلى القاع.

وثانيها أنَّ الزلزال الجيولوجي قصير اللبث، لا يطول دقيقةً عمرا، وهو لا يأتي إلا بغتةً، أما الزلزال السياسي فطويل المكث، وثقيل اللبث، يطول أحقابا، وكوارثه أكبر، وهو يتراكم مع الزمن بهزات قانونية أو دستورية قصيرة، مثل الهزات الأرضية التي يقول العلماء إنّ عددها يجاوز الألف يوميا.

وإن للزلزال الجيولوجي هزاتٍ مرتدة وموجات رديفة ووصيفةٍ للزلزلة الملكة، أما الزلزال السياسي، فهو موجات متلاحقة صامتة لا تتوقف، تتشكل بالقوانين الظالمة، المناقضة للدستور والعرف والمعطلة لهما، ثم ما تلبث أن تندلع حربا أهلية لا تبقي ولا تذر، فتهلك الحرث والنسل.

الثالث أنّ الزلزال الجيولوجي يهدم الحجر على البشر، أما الزلزال السياسي فيهدم البشر في أول الأمر، ثم يدمر الحجر، كما وقع في سوريا وليبيا واليمن، أما في مصر فتدمير الحجر مصاحب لتدمير البشر، وهو يجري بطريقة ناعمة باسم صيانة الطرق وبناء الجسور التي أقيمت لهدر الأموال، وحجز الناس عن الاتصال، وجرف التاريخ والآثار.

الزلزال الجيولوجي يهدم الحجر على البشر، أما الزلزال السياسي فيهدم البشر في أول الأمر، ثم يدمر الحجر، كما وقع في سوريا وليبيا واليمن، أما في مصر فتدمير الحجر مصاحب لتدمير البشر، وهو يجري بطريقة ناعمة باسم صيانة الطرق وبناء الجسور التي أقيمت لهدر الأموال، وحجز الناس عن الاتصال، وجرف التاريخ والآثار

الرابع أنَّ الزلزال الجيولوجي يصيب الناس في البقعة الأرضية المتعينة المبتلاة بالزلزال من غير تفريق بين غني وفقير، أو تقي وسكّير، أو مقيم ونازح، أما الزلزال السياسي الطغياني، فيختار بشرا دون بشر، ويصطفي ضحاياه حسب اللون أو العرق أو الطائفة، يذبح طائفة، فيستحيي نساءها ويذبح أبناءها، فهو أظلم من الزلزال الجيولوجي، ثم ما يلبث أن يعمّ الجميع، الظالم والمظلوم.

الخامس أنَّ الزلزال الجيولوجي على كوارثه وعقابيله يجمع الناس على الحزن والرثاء والعطف والتراحم والتواد، أما الزلزال السياسي، فهو مفرّق للجماعات ومولد للأحقاد، ومسبّب للحروب الأهلية التي تفضي إلى مئات الألوف من الضحايا. وقد عجز المُحصون عن إحصاء ضحايا زلزال الأسد، فهم يجعلونهم مليونا أحيانا، ومليونين أحيانا أخرى لصعوبة العدّ، أما النازحون الهاربون -الذين يمكن إحصاؤهم- فقد جاوزوا نصف سكان سوريا عددا.

السادس أنَّ الزلزال الجيولوجي نذير واعظ، فهو يجعل المصابين يؤوبون إلى ربهم، وهم يرون الموت أكبر الواعظين. وقد أشار وزير داخلية تركيا سليمان صويلو في إحدى المداخلات التلفزيونية إلى انخفاض حوادث السرقة والنهب في مناطق الزلزال بنسبة الثلث قياسا إلى عام السلامة، وذكر أنّ قطاع الطرق الذين ظهروا في أحد الفيديوهات كانوا يريدون نجدة مناطقهم بالمؤونة، ولم يكن غرضهم التجارة بالمنهوبات في الأغلب الأعم. وآية أخرى من الاعتبار بالزلزال الطبيعي، هي اختفاء دعوات الإلحاد أو ضمورها في صفحات التواصل، وانحسار سيل الدعوات إلى الاحتفال بعيد الفالنتاين وأمثاله من الأعياد المجتلبة؛ اعتبارا بالزلزال واحتراما للمفقودين.

السابع أنَّ الزلزال الجيولوجي يسبّب الخراب والدمار والغرق والحرائق، لكنه يبعث الأخلاق من جديد في نفس المنكوبين، ويوقظ ضمائرهم ووزائعهم، ويسوّي بين الجاني والضحية في المصيبة، من ذلك اجتماع عائلة سورية مع عائلة تركية طردت المستأجر بعد عجزه عن دفع الأجرة الجديدة، في خيمة، بعد أن أصبحت منازلهم كالصريم. أما الزلزال الطغياني، فأول غاياته تدمير الأخلاق، وشقّ الروابط الاجتماعية والأهلية والدينية، وآية ذلك تقارير دولية وصحافية موثوقة، تؤكدها تقارير حكومية، تراجع طبقات سورية ومصرية متوسطة وتونسية إلى ما دون خط الفقر، أو عنده.

والثامن أنّ للزلازل الطبيعية، وهي من آيات الله، طرقا في الوقاية منها، بإنشاء مبانٍ ومنازل ماصة للصدمات الجيولوجية، أو عن طريق مراقبة الحيوانات والحشرات والطيور، أما الزلازل السياسية، فلا تجدي معها التحذيرات الحقوقية والتقارير الدولية العلمية المنذرة بالخطر.

حاول بعض المعلقين قياس ضحكة الأسد التي قدّرت بعشرة على ميزان ريختر، لفرط سعادته، بمؤازرة الزلزلة الطبيعية لزلزاله التجبري

أشرنا إلى بعض الفروقات والتباينات بين الزلزالين البشري الطغياني، والطبيعي الجيولوجي، وقد حاول بعض المعلقين قياس ضحكة الأسد التي قدّرت بعشرة على ميزان ريختر، لفرط سعادته، بمؤازرة الزلزلة الطبيعية لزلزاله التجبري. يذكر أنَّ أعلى رتبة عربية معروفة هي المشير ركن، وأنّ صدام حسين ابتدع لنفسه رتبة هي المهيب ركن، وأنّ القذافي كان متواضعا في الرتبة العسكرية، فاكتفى برتبة عقيد، لكنه عوّض عن زهده بالرتبة العسكرية بباقة من الألقاب المقطورة، كان أحدها ملك ملوك أفريقيا، وإمام المسلمين.

زلزال ركن هي رتبة بشار الأسد الشعبية. أما رتبة الرئيس المصري فهي: ملك ملوك الفلاتر.

twitter.com/OmarImaromar