كتاب عربي 21

الجوع كافر

حتى الوجبات الشعبية أصبحت خارج متناول المصريين بسبب الفقر- جيتي
تمر الأسرة المصرية حاليا بظروف بالغة الشدة، بسبب الارتفاع غير المسبوق في الأسعار، الذي شمل كل السلع الغذائية بلا استثناء سواء مستوردة أو محلية، مما ينذر بكوارث للحالة الصحية. فعندما تعجز الأسرة عن توفير الغذاء الكافي لأطفالها فمن الطبيعي أن تنتشر أمراض سوء التغذية بينهم، وعنما لا تجد المرأة الحامل الغذاء الكافي فإن أثر ذلك سينتقل إلى مولودها، وعندما لا يجد العامل الغذاء الكافي فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على عمله وعلى إنتاجيته، ونفس الأثر للطالب الذي لن يستطيع استيعاب دروسه أو بناء جسمه أو مقاومة الأمراض.. والنتيجة جيل من الأقزام وقصار القامة وضاعف الهمة، بعد أن طال الغلاء كافة الأصناف الغذائية، من خبز وجبن وعسل أسود وحلاوة طحينية ومربى، وبيض وأرز وسكر وفول ومكرونة، وعدس وبقوليات ومخلللات وزيت وخضر وفاكهة، كما زادت أسعار الساندوتشات الشعبية والمشروبات الشعبية الساخنة والباردة.

وللمرة الأولى يجرى الحديث عن بيع محلات الدواجن أرجل الفراخ التي كانت من قبل طعاما للحيوانات، بعد وصول سعر الدواجن والأسماك واللحوم لمستويات يصعب على الكثيرين تحملها، وأصبح الحصول على قدر من البروتين سواء كان نباتيا أو حيوانيا؛ مكلفا، حتى طبق الفول الشعبي على العربات في الشوارع يتكلف 20 جنيها، وبعد أن كان البائع يترك قفصا للخبز متاحا للزبائن بلا حدود وأوعية للمخللات متاحة للجميع، أصبح كل شيء مقننا وبحساب.

في بلد بلغ به الحد الأدنى للأجور بعد زيادته 3000 جنيه شهريا في الحكومة منذ تشرين الثاني/، و2700 جنيه في القطاع الخاص منذ بداية العام الحالي، مع اعتراض كثير من منشآت القطاع الخاص على تلك القيمة، خاصة أنه ما زالت كثير من منشآت القطاع الخاص تمنح رواتب شهرية 1500 جنيه لخريجي الجامعات.

قلة التبرعات وراء إغلاق جمعيات خيرية

مع التشديد على الجمعيات الأهلية منذ تموز/ يوليو 2013 ضعف دورها، وجاءت ظروف العمل غير المواتية للقطاع الخاص بعد سيطرة الجيش على غالب النشاط الاقتصادي، ليحرم الجمعيات من شريان حياتها المتمثل بالتبرعات، فانكمش نشاطها وتوقف بعضها عن النشاط، حيث أن التبرعات لم تعد تكفي
وإذا كان ساندوتش الفول أو الطعمية (الفلافل) ذو الحجم الصغير قد وصل إلى ثمانية جنيهات، حيث يحتاج الشخص لأكثر من ساندوتش واحد في أي وجبة، فماذا يفعل أصحاب المعاشات التي ما زالت قيمتها تصل إلى 323 جنيها شهريا، ومعاش تكافل للمسنين وكرامة للمعاقين البالغ 450 جنيها شهريا، بينما خط الفقر الرسمي حسب جهاز الإحصاء الرسمي 857 جنيها، وخط الفقر المدقع 550 جنيها في الربع الأول من عام 2020؟

ومع التشديد على الجمعيات الأهلية منذ تموز/ يوليو 2013 ضعف دورها، وجاءت ظروف العمل غير المواتية للقطاع الخاص بعد سيطرة الجيش على غالب النشاط الاقتصادي، ليحرم الجمعيات من شريان حياتها المتمثل بالتبرعات، فانكمش نشاطها وتوقف بعضها عن النشاط، حيث أن التبرعات لم تعد تكفي لسداد أجور العاملين فيها ونفقات المرافق من مياه شرب وكهرباء ونحو ذلك.

وقال الجنرال مؤخرا إنه سيوجه الجيش بتوصيل ثلاثة ملايين كرتونة (عبوة) غذائية للبسطاء، والتي عادة ما تحتوى على كمية من الأرز والزيت والسكر والشاي وأحيانا المكرونة والفول، وهي عبوات أحيانا يتم صرفها بنصف الثمن وأحيانا بالمجان، ولكن ماذا يفعل هذا العدد مع بلوغ نسبة الفقر الرسمية 29.7 في المائة، أي ثلث السكان وبأكثر من 30 مليون شخص، وهي النسبة التي يراها كثير من الخبراء أقل كثيرا من الواقع؟ إلى جانب أن مكونات العبوة الغذائية المخفضة أو المجانية قد تكفي الأسرة يوما أو يومين حسب عدد أفرداها، فماذا ستفعل تلك الأسر بباقي الأيام؟ ومع وجود جمعية بنك الطعام فإنها لا تستطيع سوى توصيل الطعام إلى عدد قليل من الفقراء بسبب محدودية التبرعات أيضا.

وحتى إذا كانت نسبة الفقر الرسمية صحيحة فإنها تعود إلى آذار/ مارس 2020، أي قبل تداعيات فيروس كورونا على الأسرة المصرية، والتي تلتها تداعيات الغلاء العالمي عام 2021، ثم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، وما رافقها من نقص للدولار وتشديد على الواردات واحتجاز السلع في الموانئ ليؤدي نقص السلع لرفع أسعارها.

بيانات التضخم الرسمية غير موثوق بها

أدى انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي بنسبة 89 في المائة، منذ العشرين من آذار/ مارس الماضي وحتى العشرين من الشهر الحالي، إلى التأثير على أسعار السلع
كما أدى انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي بنسبة 89 في المائة، منذ العشرين من آذار/ مارس الماضي وحتى العشرين من الشهر الحالي، إلى التأثير على أسعار السلع، وتسببت إجراءات وزارة التموين بالتسعير الجبري في اختفاء الأرز وتخزينه وارتفاع سعره، وانتقل الأثر إلى باقي السلع الرئيسية لدى الأسر، وكان أبرزها ارتفاع أسعار الخبز غير المدعم بنسبة 50 في المائة على الأقل سواء البلدي أو الإفرنجي.

وهذا مع الأخذ في الاعتبار عدم الاعتماد على بيانات جهاز الإحصاء الرسمي فيما يخص معدلات الفقر وكذلك البطالة أو التضخم، حيث تزيد نسبة البطالة عن البيانات الرسمية بسبب الركود المستمر منذ سنوات، والذي أثر على مبيعات الشركات، وها هي بيانات جهاز الإحصاء الخاصة بالتضخم في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي تشير إلى بلوغ نسبة التضخم أقل من 15 في المائة بمحافظة المنيا في الجنوب، وأقل من 15 في المائة بريف محافظة سوهاج في الجنوب؛ حيث ترتفع تكلفة السلع بسبب زيادة تكلفة النقل للوصول إلى محافظات جنوب البلاد، وأقل من 16 في المائة بمدن محافظة الشرقية، وهي نسب يسخر منها المصريون الذين يرون أن الأسعار تضاعفت.

علينا توقع أمور غير طبيعية من الجياع، بداية بالحقد الطبقي والحسد والغيرة والغل تجاه القادرين، وربما السرقة للحصول على ثمن الطعام، وتراجع مكانة الرجل في الأسرة لعدم قدرته على توفير احتياجاتها، وارتفاع المشاكل الزوجية وحالات الطلاق، وزيادة معدلات الرشوة، وانجراف البعض لممارسة أنشطة غير مشروعة
وتواجه الحكومة مشكلة الغلاء بنفس الإجراءات المعتادة، بعمل معارض للسلع في المحافظات تبيع بأسعار أقل من السوق، لكنها فروق قليلة، كما أن عدد المعارض لا يغطي كل مراكز المحافظات، فما بالنا بوصول أثرها إلى الريف؛ الأكثر سكانا والأعلى في معدلات التضخم الرسمية، والأهم من ذلك هو عدم استطاعة كثير من الأسر شراء سلع المعارض لأنها تزيد عن قدرتها الشرائية؟

وعلينا توقع أمور غير طبيعية من الجياع، بداية بالحقد الطبقي والحسد والغيرة والغل تجاه القادرين، وربما السرقة للحصول على ثمن الطعام، وتراجع مكانة الرجل في الأسرة لعدم قدرته على توفير احتياجاتها، وارتفاع المشاكل الزوجية وحالات الطلاق، وزيادة معدلات الرشوة، وانجراف البعض لممارسة أنشطة غير مشروعة، للحصول عل دخل أكثر يكفي نفقات المعيشة بما يشمله ذلك من ممارسات منافية للآداب، وتزايد حالات الانتحار لعدم القدرة على الإنفاق على الأسرة.

الحض على إطعام المسكين واجب جماعي

ولقد أمرنا الدين الحنيف بالحض على طعام المسكين في أكثر من موقع بالقرآن الكريم، وجعل تارك فضيلة الحض على إطعام المسكين آثما ووصفه بأنه مُكذب بالدين، وجعل الحض على طعام المسكين أمرا لكل المسلمين وليس قاصرا على الدعاة، كما جعل إطعام الطعام وسيلة خلال ممارسة الكفارات للذنوب، وجعل إطعام الطعام من باب تفريج الكروب وسببا في دخول الجنة، وجعل الصدقة سبيلا للشفاء في حالة المرض، وكل ذلك بخلاف فريضة الزكاة.

وخطورة الأوضاع تتطلب جهدا شعبيا أكبر في هذا المجال، سواء من خلال تكرار فكرة موائد رمضان طوال العام بتقديم الوجبات المطبوخة أو الجافة، وزيادة أعداد المطاعم العامة المجانية في الجمعيات الأهلية، وتخصيص جانب للسبيل في محلات الغذاء كما كانت كانت تفعل المخابز التركية قديما، بتخصيص مكان لعرض الخبز بالمجان بحيث يحصل عليه الفقراء مباشرة، وتكرار الفكرة في محلات غذائية أخرى من خلال إيداع القادرين مبالغ لدى أصحاب محال الأغذية، لتوجيهها لمنح الفقراء أطعمة مجانية أو بأسعار مدعمة من خلال تلك التبرعات، إلى غير ذلك من الأفكار التي تتناسب مع ظروف كل منطقة والحالة الاقتصادية لسكانها.

وعلى الدولة المصرية أن ترفع قيمة معاشات الفقراء إلى ما يوازي حد الفقر، وتعديل تلك القيمة سنويا كما تفعل مع المعاشات التي تصرفها هيئة التأمينات الاجتماعية، بعد أن ظلت معاشات الفقراء (الضمان الاجتماعي) ثابتة القيمة منذ عام 2014، خاصة وأن البنك الدولي قد وفّر تمويلا لهذا الغرض، وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي مؤخرا، بزيادة عدد الأسر المستفيدة من برنامج تكافل وكرامة إلى خمسة ملايين أسرة. وأن يقوم صندوق تحيا مصر الذي تتوجه إليه تبرعات رجال الأعمال، بتخصيص نفقات أعلى من موارده لتوفير الغذاء للأسر الفقيرة، بشكل نصف شهري أو شهري متكرر، على حساب أنشطته الأخرى مؤقتا، خاصة مع وجود قاعدة بيانات للفقراء بوزارة التضامن الاجتماعي، وتكرار إعطاء أولوية لإطعام الفقراء لدى مؤسسة حياة كريمة، وفي أنشطة الجمعيات الأهلية البارزة مثل مصر الخير والأورمان ورسالة وغيرها، وفي بيت الزكاة والصدقات المصري التابع للأزهر، وفي المؤسسات الخيرية التابعة لرجال الأعمال، وفي لجان الزكاة في بنك ناصر الاجتماعي المنتشرة في المحافظات، وفي لجان الزكاة في البنوك الإسلامية، خلال تلك المرحلة الصعبة حفاظا على السلام الاجتماعي.

twitter.com/mamdouh_alwaly