سياسة عربية

قيادي سوداني لـ"عربي21": المساس باتفاق جوبا للسلام يزعزع وحدة البلاد

حركة العدل والمساواة ترفض أي دعوات للنيل من اتفاق جوبا للسلام- تويتر
قال نائب الأمين السياسي لحركة "العدل والمساواة" السودانية والناطق الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية، محمد زكريا، إن "المساس باتفاق جوبا للسلام سواء بإلغائه، أو حتى تعديله، سوف يزعزع وحدة البلاد، ويُهدد الاستقرار الأمني، وسينسف الاستقرار السياسي".

وشدّد، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، على رفض الحركة الكامل والصريح لأي "دعوات تسعى للنيل من اتفاق جوبا للسلام بأي صورة من الصور".

وأضاف: "يجب ألا نسمح بمناقشة تلك الدعاوى الواهية، والتي نرفضها تماما بقوة السلام".

ووصف اتفاق جوبا بأنه "من أفضل الاتفاقات التي شهدها السودان، وتطبيقه سيكون له آثار إيجابية عظيمة جدا".

وأوضح زكريا أن "الاتفاق المُدعى عليه لم يُنفذ حتى 10% من بنوده إلى الآن، وهذا أحد الأسباب التي تُفسر لماذا تنشأ النزاعات هنا وهناك مثلما حدث في إقليم دارفور وغيره، داعيا إلى المضي نحو تنفيذ الاتفاق ثم البحث عن أوجه القصور لاستكمالها في وقت لاحق.

وأشار إلى أن الاتفاق لم يغلق الباب أمام غير الموقعين أمثال رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان، القائد عبد العزيز الحلو، ورئيس ومؤسس حركة جيش تحرير السودان، القائد عبد الواحد محمد أحمد النور، مؤكدا أن الحركة مستعدة للتفاوض ضمن حكومة فترة الانتقال للوصول إلى اتفاق سلام يستكمل ما بدأ في جوبا.

وخلال الفترة الأخيرة، وعقب الإعلان عن "الاتفاق الإطاري"، تعالت دعوات بعض القوى السودانية لإلغاء أو تعديل اتفاق جوبا الذي لا يزال مصيره غامضا حتى الآن؛ فهو أحد القضايا الخمس العالقة المُضمنة في الاتفاق السياسي النهائي.

وهذه القضايا التي لم يُحسم مصيرها بعد هي: العدالة والعدالة الانتقالية، والإصلاح الأمني والعسكري، ومراجعة وتقييم اتفاق السلام، وتفكيك نظام 30 حزيران/ يونيو 1989، وقضية شرق السودان.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وقعت الخرطوم اتفاقا لإحلال السلام مع حركات مسلحة ضمن تحالف "الجبهة الثورية"، فيما تخلف عن الاتفاق "الحركة الشعبية ـ شمال" بزعامة عبد العزيز الحلو، وحركة "تحرير السودان" بقيادة عبد الواحد نور، والتي تقاتل القوات الحكومية في دارفور.

رسائل سلبية


وذكر الناطق الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية، أن "نقض هذا الاتفاق يرسل رسالة سلبية للقوى التي لا تزال خارج عملية السلام بأن القوى النخبوية في المركز لا تزال على ذات ثقافتها القديمة في نقضها للعهود؛ فبعد ذهاب حزب المؤتمر الوطني فقد بقيت ثقافته في نقض العهود".

وأكد أن "النكوص عن ذلك الأمر يرسل رسالة للملايين الذين توسموا خيرا في اتفاق دارفور، وفي المنطقتين، مفادها: أنكم لستم جزءا من هذه البلاد، وهو ما سيفتح الباب أمامهم للدفاع عن حقوقهم بأنفسهم، ودفع المظالم التي كانت تقع عليهم ربما بالسلاح".

ودعا للتنافس حول البرامج الخدمية إن كانت هناك خصومات سياسية، ولكن ليس حول الثوابت والقضايا فوق الدستورية مثل قضايا السلام، وأمن البلاد، واستقرار وتحقيق العدالة الاجتماعية لكافة الشعب السوداني شرقا، وغربا، ووسطا.

ويعاني السودان من صراعات إقليمية على مدى عقود، خاصة بعد أن حمل المقاتلون في دارفور السلاح في وجه الحكومة المركزية عام 2003، واشتدت تلك الأزمة بعد استقلال جنوب السودان الغني بالنفط عام 2011.

وبسؤاله عن طبيعة القوى التي تعارض مطالبات إلغاء أو وتعديل اتفاق السلام، أجاب زكريا: "هي ذات القوى التي سارعت بعد سقوط نظام عمر البشير في 11 نيسان/ إبريل 2019 واختطفت القرار، وذهبت وتفاوضت مع المكون العسكري، وأنتجت ما يسمى بالوثيقة الدستورية المعيبة، ورفضت أن تكون قوى الكفاح المسلح والقوى الثورية التي قدمت آلاف الشهداء عبر تاريخها الطويل، والتي كانت الحاضنة السياسية لوحدة المعارضة، والتي صاغت عبر المحطات التاريخية السياسية الكبيرة المواثيق التي تجمع القوى السياسية السودانية".

وتابع: "تلك القوى هي قوى الاختطاف التي ذهبت وحيدة لتشكيل الحكومة التي فشلت لاحقا، وعارضت اتفاق السلام قبيل توقيعه، ثم تلكأت في تنفيذ اتفاق السلام عقب صدور قراراته في الخامس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر، ورفضت محاولات الحوار الجامع الشامل الذي يناقش قضايا كل السودانيين، ومضت في اقتراح حوار ثنائي إقصائي خلف الأبواب المغلقة؛ فلا أحد يعلم مضمونه وقضاياه، في صفقة سياسية مرفوضة من غالب الشعب السوداني".

ورأى أن "الاتفاق الإطاري لم يجد التأييد حتى مَن الذين قاموا برعايته من القوى الدولية والآلية الثلاثية الذين تنكبوا له بالأمس القريب، وبالتالي فإن هذه القوى هي المطالبة بالإجابة عن سؤال "لماذا ترفض الانتقال من مربع الأجندات الضيقة إلى فسحة ورحابة الأجندة الوطنية القومية التي تجعل من جميع السودانيين شركاء في اتخاذ القرار، ما يمكن لاستدامة الحل السياسي، ويعزّز فرص الانتقال الديمقراطي في السودان؟".

أبعاد دور المؤسسة العسكرية


وحول مآلات الخلافات بين المدنيين والعسكر، قال: "المكوّن العسكري عارض ومؤقت في الفترة الانتقالية، وليس معنيا بإدارة الحكم أو التدخل في شؤون إدارة البلاد، ولكن التاريخ يقول إن المؤسسة العسكرية انحازت إلى خيارات الشعب السوداني، وحقنت الدماء في 1964، وأيدت الثورة المجيدة في نيسان/ إبريل 1985، وهي ذات المؤسسة التي انحازت للشعب وخياراته في ثورة كانون الأول/ ديسمبر وفي نيسان/ إبريل 2019؛ فيجب ألا نُجرّم هذه المؤسسة".

وأضاف: "أما الذين قاموا بانقلابات عبر تاريخ السودان الطويل فهم الساسة والأحزاب التي تدفع ببعض الكوادر داخل المؤسسة العسكرية، ثم تُحرّض هذه الكوادر على القيام بالانقلابات مثلما فعلت الجبهة الإسلامية في انقلاب عام 1989، ومثلما فعل الحزب الشيوعي من قبل".

واعتبر  أن "المؤسسة العسكرية حامية للوطن ومدافعة عن حياضه، وأي خطاب عدائي ضدها هو محاولة لضرب وحدة السودان، وخط الدفاع الأول عنه، مؤكدا أن المؤسسة العسكرية جراء هذه المواقف تستحق أن تكون شاهدا على انتقال ديمقراطي آمن، وأن تكون مُمثلة في الهياكل العرضية في فترة الانتقال إلى حين الوصول إلى انتخابات".

ولفت إلى أن "هناك أطرافا داخل الفترة الانتقالية تدعو إلى تفكيك الجيش وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية تحت غطاء الأجندة الحزبية، وهذا الأمر أيضا يُضعف المنظومة الأولى التي تدافع عن السودان، بالتالي فنحن في القوى الديمقراطية نرى أن للمؤسسة العسكرية دورا يمكن أن تلعبه في فترة الانتقال، وهو دور مهم جدا لاستدامة التحول الديمقراطي".

ولفت إلى أن "عملية إصلاح المؤسسة العسكرية مُتفق عليها بين المكوّن العسكري من خلال وثيقة اتفاق جوبا، فإن تم الالتزام بذلك فسنصل إلى جيش قومي مهني موحد ذي عقيدة عسكرية سليمة، معتبرا أن هذا هو المدخل السليم وليس مدخل الدعوة لتفكيك المؤسسة العسكرية تحت أيّ من الشعارات الزائفة التي لا تراعي المصلحة الوطنية".

وعلى صعيد آخر، نوّه زكريا إلى أن "الاتصالات غير المباشرة بين قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) و(المجلس المركزي) لم تنقطع حتى الآن سواء قبل الاتفاق الإطاري أو حتى بعده، وذلك بغض النظر عن الخلافات البينية وتباين وجهات النظر والرؤى المختلفة".

وأوضح أن "العديد من الجهات بذلت جهودا مُقدّرة ومُثمنة لإنهاء الخلافات بين القوى المدنية، وجرت لقاءات غير مباشرة بهذا الصدد، ولا تزال تلك الجهود جارية حتى الآن، ونأمل أن تؤتي أُكلَها وتثمر توافقا حقيقيا لإنهاء الأزمة الراهنة، ونحن ننظر بإيجابية وتفاؤل لتلك المساعي التي ربما نرى نتائجها خلال الأيام القليلة المقبلة".