قضايا وآراء

لبنان تحت سيف العقوبات ورياح التسويات

أزمات متلاحقة في لبنان- جيتي
تصطدم آمال اللبنانيين بحصول ورشة إصلاح سياسي كل مرة بالحسابات الفئوية التي تطيل أمد الفراغ والأزمات، ما يعني أن الانتقال من سنة لأخرى ما هو إلاّ استمرار للظروف نفسها، حيث لا مؤشرات إلى أنّ الاستعصاء الرئاسي سينتهي قريباً، لأنّ ميزان القوى البرلماني لا يسمح لأي فريق بانتخاب رئيس من فريقه، كما انّ إرادة التوافق على مرشح وسطي غير حاضرة بالوقت الحالي. أما حركة الخارج فما زالت عاجزة عن تحقيق الاختراق الرئاسي المطلوب، ومع عدم وجود قوة دفع خارجية أو داخلية، فإنّ الفراغ سيبقى هو الأساس.

وعلى الرغم من عدم وجود معلومات أكيدة عن إقدام "التيار الوطني الحر" على تبنّي مرشّح رئاسي في جلسة الخميس، إلّا أنّه حتى لو حصل ذلك لن يبدِّل في مسار الانتخاب، باستثناء تراجع رقم الأوراق البيضاء، ودخول اسم جديد يضاف على لائحة المرشحين الرئاسيين الذين ينالون تصويت النواب والكتل في كل جلسة انتخابية.

بالرغم من كل الحراك السياسي الذي تشهده الساحة اللبنانية، لكن هذه التحركات تبقى عاجزة عن إنتاج أي حل سياسي. لذا تأتي مبادرة رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، للبحث في إمكانية التوافق على مرشح رئاسي ثالث يقطع الطريق على سليمان فرنجية، مرشح حزب الله وبشار الأسد، أو قائد الجيش جوزيف عون

وبالرغم من كل الحراك السياسي الذي تشهده الساحة اللبنانية، لكن هذه التحركات تبقى عاجزة عن إنتاج أي حل سياسي. لذا تأتي مبادرة رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، للبحث في إمكانية التوافق على مرشح رئاسي ثالث يقطع الطريق على سليمان فرنجية، مرشح حزب الله وبشار الأسد، أو قائد الجيش جوزيف عون، على الرغم من عدم وجود موقف حاد تجاه من قبِل باسيل بكونه مرشحا توافقا خارجيا بين القطريين والفرنسيين والأمريكيين.

بالتوازي، تحاول المعارضة السياسية وعلى رأسها حزب القوات اللبنانية إعادة طرح مشروعية سياسية لحركتها في الساحة المسيحية أولاً، وباتجاهات أوسع تجاه نواب التغيير أو الأحزاب والشخصيات المسيحية والدرزية والسنية، للبحث في إمكانية إطلاق مبادرة رئاسية جديدة، بعد فشل تسويق المرشح ميشال معوض لدى باقي أطراف المعارضة في البلاد.

وثمة شعور لدى الأطراف الداخلية أن الأوروبيين يبحثون عن آليات سياسية ومالية بغية إعادة الاستقرار إلى لبنان، نظرا للمصالح السياسية والأمنية وتحديداً ملف الهجرة غير الشرعية، وقد تعود لتنشط مطلع الربيع القادم، والأمر يفرض عليها ذلك، طالما أن المستقبل القريب ينبئ بالمصائب والأزمات فيما إذا تركت الأمور لبنانياً على حالها دون معالجات سريعة وعاجلة.

من هنا فإن الفرنسيين أعادوا تفعيل نشاطهم الدبلوماسي على خط الرياض والدوحة وواشنطن، عبر الاستفادة من هذه الاتصالات السياسية وترجمتها في الاجتماع الرباعي في باريس بين مسؤولين عن هذه العواصم، على الرغم من التشدد السعودي وإصرار الرياض على عدم زيادة منسوب نشاطها اللبناني، ربطاً بعلاقتها المتوترة بطهران وتحديداً في الشأن اليمني.

كذلك فإن الدول الإقليمية الفاعلة تركز بشكل مهم على ملفات أكثر حساسية وأهمية وتحديداً تطورات المشهدين السوري والعراقي، وهذين المشهدين لهما تأثيرهما المباشر على أي استحقاق لبناني داهم. وانطلاقاً من البرودة السعودية تجاه لبنان، خفضت الدوحة سقف توقعاتها لبنانياً، انطلاقاً من الموقف السعودي وكذلك نتيجة التعنت اللبناني وربط الحلول باتفاقات كبرى بين إيران والدول الكبرى.

وهذه النظرة القطرية للملف اللبناني لا تعني وقف الدوحة لنشاطها اللبناني، بل إعادة قراءة وترتيب المشهد وترجمة التطورات الحاصلة في سوريا والعراق من جهة، وعودة الحوار السعودي- الإيراني من جهة أخرى. وقطر التي تحظى بعلاقات ممتازة مع كل الأطراف اللبناني دون استثناء تدرك أنها بحاجة لكل الأطراف المحلية والإقليمية في أي حل لبناني مقبل.

وعليه، فإن الموقف من اجتماع باريس ليس معياراً للصورة المقبلة في لبنان على الرغم من أن الظروف لم تعد تحتمل المراوحة لوقت أطول، وهنالك خشية من ضياع الفرصة التي وفرتها تسوية الترسيم مع إسرائيل، وبالتالي إدخال لبنان في نفق مظلم من اللا مبالاة الخارجية.

كذلك فإنّ الأشهر القادمة قد تسمح بإعادة إنتاج تسوية وفرصة على غرار ما حدث في ملف الترسيم البحري مع إسرائيل برعاية أمريكية وقوة دفع قطرية وفرنسية، ما يسمح للبنان بتأمين حالة استقرار سياسي ينتظرها اللبنانيون للخروج من نفقهم المظلم قبيل أي انفجار إقليمي في سوريا أو العراق أو احتمال مواجهة إسرائيلية مع إيران أو حزب الله، في ظل حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية.

لذا يعمل الأوروبيون والأمريكيون على استغلال حالة الاستقرار الحاصلة، لضمان بقاء الاستقرار البحري مع إمكانية البدء بالتنقيب والاستخراج الغازي والنفطي، والذي سيشكل الحل الحيوي للأزمة الأوروبية للطاقة، وهو ما قد يدفعهم لاستخدام العصا والجزرة مع المجموعة الحاكمة في لبنان، عبر سيف العقوبات أو التحقيقات حول شبهات الفساد وتبييض الأموال، والتي جرت مقاربتها بشكل واسع عبر وصول الوفد القضائي الأوروبي.

لا يمكن إغفال أن التحرك القضائي الأوروبي يجري بالتوازي مع مؤشرات خارجية؛ أبرزها مواقف عالية السقف لمسؤولين أمريكيين وفرنسيين وتحديداً الرئيس ماكرون والذي تحدث عن ضرورة زوال الطبقة الحاكمة في البلاد، ما يؤشر إلى أن ما يفعله القضاة الأوروبيين ليس منفصلاً عن أساليب الضغط المستمرة لتكريس واقع سياسي ما

وهنا لا يمكن فصل وصول البعثة القضائية الأوروبية التي تضم ممثلين قضائيين ومحققين من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ للتحقيق في قضايا تبييض الأموال والفساد في لبنان، عن الاتهامات التي ستطال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه ومقربين منه.

والأكيد أن زيارة البعثة القضائية الأوروبية تأتي في إطار تطبيق معاهدات واتفاقات وقّع لبنان عليها في المرحلة الماضية، وهذا الوفد سيكون معنيا بمتابعة جرائم تبييض الاموال، بعد أن تحول لبنان في مراحل خلت إلى ساحة جاذبة للعصابات والمافيات المالية، والواضح أن بعض مصادر هذه الأموال أتت من سوريا، وهي لرجال أعمال سوريين مقربين من النظام بعد عقوبات قيصر.

وهذه العاصفة القضائية ستنتج عنها أزمات مستمرة، قد تستغلها أطراف داخلية بتسريبات إعلامية، ما سيزيد من منسوب التوتر السياسي. ولا يمكن إغفال أن التحرك القضائي الأوروبي يجري بالتوازي مع مؤشرات خارجية؛ أبرزها مواقف عالية السقف لمسؤولين أمريكيين وفرنسيين وتحديداً الرئيس ماكرون والذي تحدث عن ضرورة زوال الطبقة الحاكمة في البلاد، ما يؤشر إلى أن ما يفعله القضاة الأوروبيين ليس منفصلاً عن أساليب الضغط المستمرة لتكريس واقع سياسي ما.