قضايا وآراء

حزب الله وتعديل النظام.. ورقة ضغط حتى انجلاء التفاهمات المستعصية

الأناضول
مع تمسُّك الثنائي الشيعي، وتحديداً حزب الله، بترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، يفتح الحزب الباب أمام نقاش جدي معه من الأطراف الدولية والإقليمية عن ضمانات يتسلح بها للحظة المناسبة مقابل التنازل عن ترشيح فرنجية، فيما تكثر التساؤلات عن حقيقة هذه الضمانات التي يريدها حزب الله، فيما المنطق السياسي يقول إن الأطراف الأخرى هي التي تطالب الحزب بضمانات وجودية في ظل نفوذه المتعاظم في الدولة اللبنانية أو خارجها.

إلا أنه مع الأيام بدأ النقاش الجدي من قبل الحزب إياه عنوان هذا النقاش طرح معادلة جديدة تقول "إما فرنجية أو تطيير النظام السياسي الحالي"، على الرغم من أن أطرافا داخلية تقلل من أهمية هذه المعادلة الجديدة للتدليل على أن القبول الداخلي والخارجي بفرنجية هو أسهل الحلول والشرور، وبالتالي استخدام هذه الورقة للضغط لصالح فرنجية.

وبات مقربون من دوائر محور الممانعة يشيرون إلى أن هذا الطرح هو طرح جدي ينطلق من أن سليمان فرنجية وحده يحفظ للحزب المكتسبات التي حصل عليها منذ دخوله المباشر إلى السياسة والحكومة والسلطة عقب انسحاب الوصاية السورية مطلع 2005، وإلا فإنّ الحزب مستعدّ للتوافق على رئيس شرط تثبيت مكتسبات الشيعة في اتفاق مكتوب جديد يُضاف إلى اتفاقَيْ الطائف والدوحة.

لذا فإن هذا النقاش في ظاهره يخفي السبب الحقيقي الذي امتدّ من الداخل إلى الخارج. فكما هي مواقف القوى المحلّية مختلفة على شخص الرئيس، كذلك مواقف الدول الخمس وإيران. وبالانتظار، سنستمع إلى نقاشات مختلفة قبل أن تتفق الأطراف الفاعلة على إطلاق الحلول السياسية.

وكذلك فإنه وعقب إعلان الأطراف المتخاصمة أن سليمان فرنجية وجهاد أزعور هما مرشّحا "مواجهة" بعد الجلسة الأخيرة التي حصلت في 14 حزيران/ يونيو الماضي، عادت الأطراف إلى طرح واحد من اسمين؛ الأول وهو مرشح طبيعي أي قائد الجيش جوزيف عون، ووزير الخارجية السابق ناصيف حتى، على اعتبار أن الخلاصة التي خلصت من زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان للرئيس الفرنسي تتحدّث عن خلافات عميقة بين القوى اللبنانية لا تساعد في طرح الحوار الذي اعتقد الموفد الرئاسي الفرنسي أنّه يستطيع أن يمهّد له.

والواقع أن الدبلوماسي الفرنسي المخضرم سيسلم تقريره للدول الخمسة يضاف إليهما اسمين في ظل الاعتراف الفرنسي بأن باريس مع ماكرون فقدت قدرتها الدولية في حلّ الأزمة الرئاسية والسياسة سابقاً، وأنّ أي حل يحتاج إلى مقاربة إقليمية موحدة تضمن موافقة السعودية وإيران.

ومع تمدد العجز عن إحداث أي خرق داخلي فيما يتّصل بوصول فرنجية أو أزعور، باتت التباينات بين باريس وواشنطن والدوحة هي الظاهرة اليوم، وإذا ما سلمنا جدلاً بأن باريس تخلت عن فرنجية إلا أنها اليوم باتت تميل إلى الوزير زياد بارود أو ناصيف حتي، فيما هناك تفضيل أمريكي وقطري لوصول قائد الجيش العماد جوزيف عون.

بالتوازي فإن إيران والنظام السوري وباقي أفرقاء المحور إياه، يؤكدون لكل من يتواصل معهم حيال الواقع اللبناني أن الملف لا يزال بيد حزب الله بشكل حصري حتى اللحظة، وأن لا تدخلات لافتة بالملف، وأن ظهران تنأى بنفسها عن أي دخول في تفاصيل المشهد اللبناني المعقد، بانتظار نتائج الحوارات الجارية مع واشنطن والدول الكبرى برعاية قطر وسلطنة عُمان. وبالانتظار تضج الصالونات السياسية بالكلام عن الحصص والنظام والرئاسة ومدى قدرة الحزب على فرض أي تعديل دستوري مكتوب، فيما الأثمان الحقيقية ستُدفع في الحسابات الدولية والإقليمية بانتظار تقدم الحوارات الجارية.

بالتوازي ثمة استعصاء سياسي واضح لدى أطراف المعارضة الداخلية عبر العجز في تقديم أي مقاربة أو خطاب سياسي يمكنه أن يخلق حركة بمواجهة الفراغ الذي يستفيد منه حزب الله، والتي ترجمت مؤخراً بدعوة الحزب لحوار عبر موقف محمد رعد، والذي قال قبل يومين إن كلا الطرفين غير قادرين على إيصال مرشحهما إلى رئاسة الجمهورية. ولذا، لا بد من الذهاب إلى الحوار.

وعليه يمكن للمعارضة أن تستثمر هذا الموقف وتقبل بمحاورة حزب الله، بدلاً من تجديد الصراع وتعميقه، أما الثنائي فيكثف جهده للعمل على إقناع السنة والمتمردين العونيين بجدوى وصول فرنجية لناحية تثبيت مكتسبات داخلية في المواقع والحكومة، وهذا الأمر أيضاً يكرس حالة الأزمة التي يمر بها حزب الله داخلياً عبر وعوده المتتالية للنواب السنة بتوزيرهم ومنحهم نقاط قوة داخلية في ظل غياب تيار المستقبل عن المشهد.

تبدو الساحة السياسية كساحة غارقة في تناقضاتها الثابتة على هواجس تمنع انتخاب أي رئيس للجمهورية، فيما الساحة الخارجية تترقّب نتائج جهود الدوحة ومسقط بين الأمريكيين وإيران، وإذا تعذّر الوصول إلى تقاطعات خارجية فإنّ النظام اللبناني الذي تحوّل نظاماً طائفياً بفعل الممارسة، سيوضع على طاولة النقاش من بوّابة تعزيز وجود الطائفة الشيعية في الدولة، مقابل التخلّي عن ضمانة رئاسة الجمهورية الحامية لظهر المقاومة

وهذا الرهان لدى الحزب يمر بأزمة، فالمملكة العربية السعودية، في عهدها الجديد، غيرت توجّهاتها اللبنانية، عبر سحب الحريري من اللعبة تحت وطأة الضربات الموجعة، وباتت الطائفة السنّية بلا قيادة سياسية رئيسية. وفي ظلّ الاتفاق السعودي- الإيراني وانفتاح العرب على الأسد بات نواب السنة أكثر خوفاً على عقد تسويات مع الحزب، كي لا يواجهوا مصير الحريري اللبناني ويجري استبعادهم من اللعبة.

كذلك لم يعد معروفا ما إذا كانت زيارة لودريان الثانية المرتقبة في تموز المقبل ستستطيع ـن تخرق الجدار الصلب، خصوصا أن باريس لا تملك الأوراق الكافية والغطاء الدولي المحتمل، وتحديدا لفرض شكل التسوية على المسيحيين الذين بردت علاقة جزء منهم بها. وبناء على الوقائع التي تحيط بالحراك الفرنسي، هناك من يعتبر أن أقصى ما يمكن أن تحققه باريس لا يتعدى حدود إدارة حوار تقطيع وقت في قصر الصنوبر قد تقاطعه أطراف متعددة، بعدما صار من المتعذر حصوله بمبادرة داخلية، عقب تخلي نبيه بري عن حماسته لتكرار الدعوة إليه، ورفض البطريرك الماروني بشارة الراعي أن يؤدي هذه المهمة.

لذا هكذا تبدو الساحة السياسية كساحة غارقة في تناقضاتها الثابتة على هواجس تمنع انتخاب أي رئيس للجمهورية، فيما الساحة الخارجية تترقّب نتائج جهود الدوحة ومسقط بين الأمريكيين وإيران، وإذا تعذّر الوصول إلى تقاطعات خارجية فإنّ النظام اللبناني الذي تحوّل نظاماً طائفياً بفعل الممارسة، سيوضع على طاولة النقاش من بوّابة تعزيز وجود الطائفة الشيعية في الدولة، مقابل التخلّي عن ضمانة رئاسة الجمهورية الحامية لظهر المقاومة.