تقارير

ماذا وراء هجوم إعلاميين ومثقفين مصريين على الشعراوي؟

الشعراوي كان يمثل رمزا لحقبة تاريخية وسياسية بدأت بوصول السادات للحكم
لم يحظَ عالم اشتغل بتفسير القرآن في العالم الإسلامي في العقود الأخيرة بمكانة رسمية وشعبية عالية، وكانت له متابعة واسعة، وحاز تقديرا رفيعا، كما حظي بذلك كله الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي نقل علم تفسير القرآن من الحلقات الدرسية المتخصصة إلى التداول الشعبي الواسع.

كما كانت دروسه وخواطره في تفسير القرآن تُبث عبر التلفزيون المصري الرسمي، والعديد من التلفزيونات العربية الرسمية لسنوات عديدة، وقامت مدينة الإنتاج الإعلامي في مصر بإنتاج مسلسل (إمام الدعاة) من 30 حلقة، يروي قصة الشيخ الشعراوي من بداياتها إلى نهاياتها، وقد حقق نجاحا كبيرا.

ومع مطلع العام الجديد (2023) تردد خبر مفاده أن ثمة توجها لعرض مسرحية عن حياة الشيخ الشعراوي على المسرح القومي، وهو ما أثار جدلا واسعا في أوساط إعلامية وثقافية مصرية مختلفة، وكان لافتا في خضم ذلك الجدل ظهور نغمة جديدة تهاجم الشيخ بشدة بأنه ساهم في نشر الأفكار الوهابية والسلفية والدينية الرجعية.

لكن وزيرة الثقافة المصرية، الدكتورة نيفين الكيلاني نفت "وجود أي عمل عن حياة الشيخ الشعراوي" مضيفة أن "المسألة أنه كان في إعلان عن الجدول الفني للموسم بتاع المسرح، وكان من ضمنها اقتراح لمدير المسرح القومي بعمل أمسيات عن بعض الشخصيات الدينية في شهر رمضان".

وأكدت في مداخلتها لبرنامج "حديث القاهرة" عبر قناة "القاهرة والناس"، أن "التصرف نفسه غير سليم، والإسم عليه أراء كثيرة جدا، تحفظات في كافة المجالات الثقافية والفنية والاجتماعية، ولازم الاسم اللي يطرح ده يكون له أثر إيجابي على المجتمع، وأثر في المجتمع من الناحية التنويرية، اللي إحنا محتاجينها بشدة دلوقتي عشان نغير الأفكار الظلامية، ونكافح الفكر المتطرف، ويبقى في جبهة تنويرية موجودة في الحياة الثقافية"، على حد قولها.

من جهته هاجم الإعلامي المصري المثير للجدل إبراهيم عيسى، الشيخ الشعراوي في برنامج "حديث القاهرة"، واصفا الشعراوي بأنه "متطرف داعشي سلفي، عنصري، ضد الأقباط والمرأة.. وداعية للفتنة، وليس وسطيا", مضيفا أن "الشيخ كان ينتقص المرأة، ويضع نفسه في مكانة أعلى منها، كأي شخص ريفي عجوز".. رافضا أن يقدم للناس "كعنوان للإسلام الوسطي المستنير، وكقيمة دينية".

وفي ذات الإطار قال الناقد الفني، طارق الشناوي: "الشيخ الشعراوي له آراء جميلة، وحبب الناس في حاجات كثيرة متعلقة بالدين الإسلامي، وليست كل آراء الشعراوي سلبية، لكن هل ستقدمه كاملا ولا الوجه الإيجابي فقط؟ وطبقا لكل التجارب الوجه الإيجابي فقط سيتم تقديمه كما تعودنا".

وأضاف في مداخلة له عبر إحدى الفضائيات المصرية: "لا أنكر أن الشيخ الشعراوي متواجد في الوجدان المصري بقوة أكثر من المطربين والفنانين والمفكرين الذين نحبهم، لكن الشعراوي كان يتعرض للنقد لدرجة أنه أقام دعوى قضائية ضد 3 مفكرين هم توفيق الحكيم، وزكي نجيب محمود، ويوسف وإدريس".

وأردف منتقدا الشعراوي: "الشعراوي أفكاره موجودة على موقع يوتيوب، وهي في جزء منها تخاصم العلم والمنطق، وأدّى في فترة ما لاعتزال كثير من الفنانات تماما، أو اتجاه الفنانات لتقديم ما يطلق عليه اسم الفن الملتزم".

ارتفاع الأصوات مؤخرا في مهاجمة الشيخ الشعراوي، وانتقاد تراثه الديني والفكري بعنف وشدة، أثار تساؤلات عدة حول دوافع المهاجمين للشعراوي في الوقت الراهن.. إن كان يأتي في سياق إشغال الناس بمثل هذا الجدل عن انتقاد الأوضاع الاقتصادية المزرية، وارتفاع مستوى المعيشية، وغلاء الأسعار، وتذمر الناس الواسع من ذلك كله.

في قراءته لما وراء الهجوم على الشيخ الشعراوي أرجع الكاتب والإعلامي المصري، جمال سلطان ذلك إلى ما أسماه "حالة من الكراهية الشديدة التي يضمرها عدد من العلمانيين المتطرفين في مصر تجاه الشيخ الشعراوي، لأنه ساهم بقوة في إيجاد حالة من التدين المعتدل، والبعيد عن الحزبية والجماعات، إذ لم يكن ينتمي إلى أي جماعة أو حزب أو تيار، لأنه كان حالة متفردة وحده".


                                                جمال سلطان.. كاتب وإعلامي مصري

وأضاف: "فالشيخ الشعراوي ساهم في نشر خطاب دعوي سهل وبسيط وميسر، يسهل استيعابه من قبل عامة المسلمين، خاصة في خواطره التفسيرية للقرآن الكريم، ما مكنه من نشر ثقافة دينية معتدلة في أوساط شعبية واسعة، وهو ما أضر كثيرا بالتيار العلماني المتطرف اللاديني، الكاره لكل مظاهر التدين في المجتمع المصري".

وواصل سلطان حديثه لـ"عربي21" بالقول: "فهؤلاء يبحثون عن أي سبب لمهاجمة الشيخ الشعراوي، إضافة إلى أن السلطة وجدت في ذلك ذريعة تساعدها في إشغال الناس عن مشاكلهم المعيشية والحياتية المتأزمة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية، والتي باتت تحاصر رأس النظام، عبد الفتاح السيسي نفسه".

وتابع: "فالناس لم تعد في الآونة الأخيرة تتقبل الخطاب العاطفي السابق، الذي كان يخدرهم به، ويحثهم فيه على الصبر، ويبشرهم بأنهم سيرون مصر في قابل الأيام بصورة أفضل وأجمل، فهذه الدعاوى العاطفية لم تعد تقنع أحدا في مصر، ما جعل عامة المصريين يعيشون حالة من القلق والتذمر الشديدين، والتطلع إلى تغيير الأحوال بصورة جدية".

من جهته قال الداعية اللبناني، الباحث في العلوم الشرعية، عبد الناصر أحمد حدارة: "لم يكن الشيخ الشعراوي متطرفا في فكره، ولم يحمل الفكر الوهابي، بل انتقد أحد شيوخ الوهابية عقيدته بأنها مخالفة لهم، وكذا شيخ المدخلية في المنوفية الشيخ محمد سعيد رسلان الذي كان قد امتدح الشيخ الشعراوي ثم عاد وسحب ثناءه عليه، بل واعتذر عنه، ولا تخفى على المتابعين تلك الحملة التي يشنها أدعياء السلفية عليه".


                               عبد الناصر أحمد حدارة، باحث لبناني متخصص في العلوم الشرعية

وأضاف: "كما أن الشيخ لم يكن إخوانيا في آخر أمره، وانتقد منهجهم بأنهم يتعجلون في الوصول، وكان وطنيا وقف في وجه الجماعات المسلحة، ففي نهاية الثمانينات كانت تلك الجماعات تشن هجمات متتابعة على المجتمع المصري، واجتمع هو والشيخ محمد الغزالي، والإمام الأكبر جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر وقتها، ووزير الأوقاف محمد علي محجوب، وتحدث الشيخ ضد من يريدون شرا بمصر، هؤلاء الذين يكفرون أهلها".

وتابع: "وقال الشيخ في ذلك الاجتماع كلمته المشهورة (إن مصر صدّرت الإسلام إلى البلد الذي نزل فيه الإسلام).. وقال الكلمة القاطعة "إن من يريد شرا بمصر فهو إما غافل أو جاهل أو مُستغِل أو مُستغَل".. فكانت كلماته هذه قاطعة في التصدي للإرهاب والعنف، ودالة على وطنيته العالية".

وردا على سؤال "عربي21" حول الهجوم الشديد والعنيف على الشيخ الشعراوي في الأيام الأخيرة، لفت الباحث حدارة إلى أن "الشعراوي كان يمثل رمزا لحقبة تاريخية وسياسية، بدأت بوصول السادات للحكم، الذي ارتكز في حكمه على الخطاب الديني لمواجهة التيار القومي واليساري الذي ساد في زمن عبد الناصر، فساند السادات العديد من رجال الدين، وكان الشيخ الشعراوي واحدا منهم، بل كان رمزا لهذه الحقبة".

وأكمل: "لكن في ظل حكم السيسي المتغلب، أصبحت السلطة والسيطرة اليوم في مصر للتيار العلماني المحارب للتراث الإسلامي، وللخطاب الديني الأصيل الذي يُشكل الشيخ الشعراوي رمزا من رموزه، فتشويه سمعة هذا الرمز والتطاول عليه يأتي في سياق الهجمة على التراث الإسلامي الأصيل باسم الحداثة والعلمنة التي تريد تغيير الثوابت الإسلامية كالحجاب، وحرية المرأة، وتعدد الزوجات، وغيرها من الثوابت التي رسخها الشيخ في تراثه الذي تركه، سواء أكان مرئيا أو مسموعا أو مكتوبا".

وعن احتمالية أن يأتي هذا الجدل في إطار إشغال الناس عن مناقشة قضاياهم الاقتصادية والمعيشية الملحة، لم يستبعد حدارة  ذلك، "فمصر اليوم تمر بأزمة اقتصادية خانقة، أوقع الشعب فيها ذلك الحاكم المتغلب الذي وعد الشعب المصري بالرخاء فجاءهم بالمجاعة، والإعلام المصري تحت إمرته، فلا يستبعد أن يكون هو أو زبانيته من أمروا الإعلام المسيس للتهجم على رمز كبير كالشيخ الشعراوي لإلهاء الناس عن تبعات مشاريعه التجويعية التي ينفذها حاليا في مصر".

بدروه دافع الباحث والأكاديمي الأزهري، الدكتور أحمد الدمنهوري عن الشيخ الشعراوي بالقول: "لو كان للشعراوي ألف خطأ لكانت مغمورة في بحار حسناته"، متسائلا: "فما بالنا وبعض ما ينسبه له التافهون كذب أصلع، وبعضه اجتهادات معتبرة، لكنهم كالأنعام لا يكادون يفقهون قولا، وبعضه صحيح لا غبار عليه، لكنهم جهلة لا يعرفون علوم الإسلام".


                                  أحمد الدمنهوري.. باحث في الأزهر

وأضاف في منشور له عبر صفحته على الفيسبوك، اطلعت "عربي21" عليه: "من يهاجمون الشعراوي هم من يهاجمون الحجاب والسنة والأزهر والنقاب، وهم من يريد إلغاء المادة الثانية من الدستور، وتجدهم في كل موقف خسيس، وفعل قبيح يأخذ من هويتنا وينتقص من ديننا".

وتابع: "من يهاجمون الشعراوي أدوات تستخدم للإلهاء.. فالشعراوي أفضى إلى ما قدم، ولو كان الشعراوي دجالا من الدجاجلة ما ضر ذلك دين الله تعالى، ولو أثبتم صدق كذبكم فلسنا متعبدين للشعراوي"، موجها سؤاله لمنتقدي الشيخ: "وهب أنكم أسقطتم الشعراوي فهل هذا سيطعم الجوعى، ويعالج المرضى، ويوقف نزيف الوطن"؟ وفق قوله.

وخاطب الدمنهوري من يهاجمون الشيخ بقوله: "يا من تتباكون على أن الشعراوي حرم زراعة الأعضاء، هاتوا للمرضى حقوقهم، وابنوا لهم المستشفيات، أو افعلوا مثله حين بنى في بلده صروحا خدمية لأهل قريته منها مستشفيات، ودعوكم من رجل مات".

وأردف: "يا من تدعون أنه أباح جماع الخادمة كذبا وزورا، هاتوا للخادمة ومثيلاتها حقوقها، واسعوا في إحيائها حياة كريمة إن كنتم صادقين، ولا تتاجرون بآلام الناس.. ويا من تقولون إنه سجد بعد الهزيمة، حاسبوا من كان سببا في الهزيمة".

ووجه نصحه لمهاجمي الشيخ الشعراوي بالكف عن اللعب "بدين الناس بالهجوم على الإسلام وأحكامه وعلمائه، وكفاكم لعبا بعقولهم في إلهائهم عما يطعمهم ويكفيهم.." متسائلا: "ماذا قدمتم للأمة غير التشكيك في دينها وخداعها وإلهائها، والكذب عليها باسم التنوير والعقلانية، وأنتم أعداء العقل والدين والوطن والشرف" بحسب عبارته.