مقابلات

الغنوشي لـ"عربي21": سعيد فقد شرعيته.. والنهضة لا تقدم نفسها بديلا

راشد الغنوشي: سعيد فقد شرعيته ومشروعية خارطة طريقه وفقد كل مبررات استمراره في منصبه - جيتي
قال راشد الغنوشي، رئيس حركة "النهضة" التونسية ورئيس البرلمان المنحل؛ إن مقاطعة نحو 90% من الشعب التونسي للانتخابات التشريعية، التي دعا لها الرئيس التونسي قيس سعيد في 17 من كانون الأول/ديسمبر الجاري، يمثل الجواب الشعبي الأكثر مصداقية عن رفض الشعب التونسي للمسار الذي أطلقه الرئيس قيس سعيد في 25 من تموز /يوليو 2021.

ودعا الغنوشي في حوار خاص مع "عربي21"، الاتحاد العام التونسي للشغل، إلى الاضطلاع بدوره الوطني ورعاية حوار وطني لا يستثني أحدا، بعد تردي الأوضاع الاقتصادية.

وأكد الغنوشي أن "النهضة" لن تكون عائقا أمام أي حوار وطني، وأنها لا تقدم نفسها بديلا عن الوضع الحالي، ولا هي تعمل من أجل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وإنما هي تسعى للتمكين للديمقراطية التي تحفظ حقوق الجميع.

وأشار الغنوشي إلى أن تونس الديمقراطية، ستكون جزءا من عوامل الأمن والاستقرار الإقليمي.



وهذا نص الحوار:

س - انتهت الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية التي وعد بها الرئيس قيس سعيد، وكانت نسبة المشاركة فيها ضعيفة جدا.. ما رأيك في الانتخابات من الأصل وفيما انتهت إليه ثانيا؟

  ـ الانتخابات فرصة للشعوب كي تعبر عن إرادتها الحرة وتقرر مصيرها ومن تحمله مسؤولية إدارة شأنها العام. وفي الحالات العادية والمستقرة، عادة ما تكون نسبة المشاركة متوسطة أو قريبة من المتوسط، بينما تشهد الحالات الاستثنائية مشاركة واسعة من الشعوب، وذلك ما حصل لدينا في انتخابات 2012 مثلا. الأمر غير المعهود، هو أن يقوم شعب من الشعوب بمقاطعة استحقاق انتخابي، مثل ما فعل الشعب التونسي.

لقد فاجأ الشعب التونسي الجميع حول العالم بهذا الحجم من المقاطعة، وهو بهذا يرسل رسالة قوية وبطريقته لجميع النخب السياسية وللداخل والخارج، ولكن خاصة لقيس سعيد، الذي تمثل هذه الانتخابات آخر محطات خارطة طريقه، إذ أعلن في وجهه وبصراحة أنه لا يتبنى هذه الخريطة ولا يزكي مخرجاتها. رسالة الشعب كانت واضحة: لسنا معك في ما تريد فعله في تونس، تونس ليست صلصالا أو طينا تشكله كما تريد على الصورة التي تريد.

ولذلك؛ فإن علينا أن نستوعب هذه الرسالة ونفهمها ونحسن التعامل معها.

وحسب رأيي، فإن الشعب وإذ لم يكن راضيا على نخبه السياسية، فإن غضبه عليها لم يصل لهذا الحد الذي وصل إليه على قيس سعيد.

إن رسالة المقاطعة تستدعي الجميع للتواضع للمصلحة الوطنية، ولتغليب مصالح الشعب على مصلحته الحزبية، وللتأخر الخطوات اللازمة التي تسمح لتحقيق هذه المصلحة؛ من أجل ائتلاف كل القوى الوطنية كي تجمع القوة اللازمة للخروج بتونس من المأزق الذي أدخلها فيه المنقلب.

هذا من جهة وهي من جهة أخرى رسالة واضحة للمنقلب، الذي حنث بقسمه على القرآن، أن الشعب يلفظه ويرفضه، وأن عليه أن يستقيل تواضعا لإرادة الشعب.

س - تباينت مواقف القوى السياسية والمدنية إزاء نتائج الانتخابات، وإن ذهبت الإغلبية إلى اعتبار ضعف المشاركة بحد ذاته سحبا لشرعية مسار الرئيس بالكامل، ودعت إلى انتخابات رئاسية مبكرة، إلا أن الرئيس تجاهل ذلك تماما، ودعا إلى دور ثان للانتخابات.. ما رأيك أنت في خيارات التعامل مع الوضع الحالي؟

  ـ نحن لا نتوقع، ولم نكن نتوقع، من المنقلب أن يستمع لأصوات شركائه في الوطن وكيف نتوقع منه أن يفعل وهو لا يستمع لأوجاع أبناء الشعب الخائف على رزقه ومعاشه، وكيف نتوقع منه أن يستمع وقد تجاهل نحيب أمهات أبناء جرسيس، الذين لفظهم البحر ودفنوا ليلا في مقبرة "الغرباء"، دون أن يسمح لأهاليهم أن يتعرفوا عليهم، ويصلوا عليهم ويدفنوهم كما يدفن المسلمون.

ليس هناك من حل للتعامل مع مثل هذا الطغيان والرفض التام للحوار، إلا برحيله انتصارا لحق المظلومين والمكلومين، وإن ثورتنا عليه تبقى في إطار المعارضة السلمية والمدنية والصابرة ضد ظلمه وطغيانه؛ انتصارا للشعب ولمؤسسات الدولة التي حطمها، ولسمعة البلاد التي مرغها بالتراب.

س ـ الاتحاد العام التونسي للشغل، رأيه أن الوقت قد انتهى وأنه حان وقت الرحيل للجميع.. كيف تقرأ موقف الاتحاد والدور المأمول منه؟

ـ الاتحاد العام التونسي للشغل منظمة وطنية، كان لها دور محوري طيلة تاريخ تونس الحديث، أكان ذلك خلال مرحلة الاحتلال أو خلال تاريخ الدولة الوطنية، كما كان له دور مهم عندما كان أهم راع للحوار الوطني، الذي مكن تونس من دستور توافقي ينتمي أكثر للعصر وروح المدنية.

واليوم وقد تم الانقلاب على هذا الدستور، فإن الفرصة متاحة لهذه المنظمة العتيدة أن تضطلع بدورها التاريخي، وتستجيب لنداء الوطن في بذل الجهد من أجل أن يجلس الجميع على طاولة حوار يخرج البلاد من أزمتها، ويفتح أفق الأمل للتونسيين في خروج بلادهم من مأزقها الاقتصادي، وأزمتها الاجتماعية التي تسببت بها سياسات المتعنت المنقلب.

نحن ضد إقصاء أي طرف، نريد لتونس أن تكون بلدا جاذبا لكل أبنائها بكل أطيافهم. لقد آن الأوان أن يعود الجميع، بما في ذلك الشباب، الذين لم يعد أمامهم من أمل إلا مغادرة البلاد، وإن على ألواح تحملهم للموت.

س ـ هناك مخاوف من أن سيناريو ذهاب الرئيس وطرح اسم رئاسة البرلمان لتعويضه، قد تكون عائقا أمام أي حل للأزمة السياسية.. ما رأيك أنت؟

  ـ ينص دستور 2014 على أن رئيس مجلس النواب، وفي حال الشغور المفاجئ لمنصب رئاسة الجمهورية، على تولي رئيس مجلس النواب لرئاسة الجمهورية لحين إجراء انتخابات رئاسية. ولم يكن هناك إشكال سنة 2019 في تفعيل هذا الفصل، فتولى السيد محمد الناصر آنذاك منصب رئيس الجمهورية، ولم يكن في ذلك أي إشكال، ولا أثار ذلك أي استنكار.

نحن في حركة النهضة، نعلم أن البلاد تمر بأزمة، وفي مثل هذه المراحل لا يمكن المغامرة بالوطن لأجل مصالح شخصية أو حزبية؛ فالوطن فوق الجميع، ولا بد في هذه المرحلة من التوافق، ونبذ كل أسباب الفرقة والتنافر.

نحن في حركة النهضة جزء من جبهة الخلاص، وما أعلن عنه الأستاذ نجيب الشابي من اقتراح بتولي قاض مستقل نزيه المسؤولية في مرحلة مؤقتة، هو أحد الحلول الممكنة لمرحلة انتقالية.

ولن يقف راشد الغنوشي ولا حركة النهضة حجر عثرة في سبيل استعادة تونس لديمقراطيتها، واستعادة الشعب التونسي إرادته وسيادته المنهوبة.

س ـ هناك حديث عن انتخابات رئاسية مبكرة كجزء من الحل، وقد رشحت حركة النهضة سنة 2019 الشيخ عبد الفتاح مورو للانتخابات الرئاسية، هل سترشح النهضة أحد قياداتها للانتخابات الرئاسية القادمة مثلما فعلت سنة 2019؟

  ـ لم يكن ترشيح أحد قياداتنا لموقع الرئاسة خيارنا الأول، وهذا لا يعني أنه لا يوجد في النهضة من هو أهل لهذا الموقع، والشيخ عبد الفتاح مورو كان ولا زال أحد أهم الشخصيات الوطنية القادرة على حسن الاضطلاع بهذه المهمة.

ولكننا حزب يسعى لتحقيق المصلحة الوطنية ضمن السياقات التي تمر بها البلاد وتتحملها المنطقة، ولا نقدر أن المصلحة الوطنية تقتضي أن تدخل الأحزاب في منافسات تعيد البلاد لما كانت عليه قبل الانقلاب.

لا شك سيكون لنا رأي في الانتخابات الرئاسية القادمة، ورأينا هذا سنبنيه مع شركائنا في جبهة الخلاص ومع أصدقائنا، وبالاتفاق معهم.

إن أولويتنا اليوم هي إنقاذ الدولة التونسية، ولا يمكن للدولة أن تعود لاستقرارها إلا بعودة ديمقراطية قوية، وهذا يستوجب منا في حركة النهضة ومن جميع الأطراف الوطنية، أن تقدم كل التضحيات اللازمة؛ ومن ذلك، أننا نقدر أن منصب رئاسة الجمهورية يجب أن يكون منصبا معبرا عن التوافق أو الإجماع الوطني، وعلى أوسع إرادة التونسيين الذين نمثل جزءا منها.

ستدعم حركة النهضة المرشح الذي يعبر عن أوسع توافق ممكن للتونسيين والضامن لعودة الاستقرار الديمقراطي، واستعادة إرادة الشعب ورفاهه، وهي لا ترى نفسها معنية بترشيح أحد قياداتها لهذا المنصب.

س  ـ إذا أصر الرئيس على رأيه وتجاهل أصوات المعارضين جميعا، وشكل برلمانا بمن شارك وبمن فاز.. هل تعتقد أن هذا السيناريو يمتلك فرصا للنجاح وتجاوز الأزمات التي تعيشها تونس؟

 ـ نحن نقدر أن قيس سعيد عاجز عن تشكيل برلمان، ونقدر أن الشعب التونسي الذي قدم لقيس سعيد أكثر من رسالة؛ مفادها عدم رضاه على سياساته لن تكون ردة فعله عادية في المرة القادمة، فقد أنذر الشعب سعيد في استشارته المزعومة، كما أنذره في استفتائه الإلكتروني، وأخيرا عبر له عن موقفه بصراحة شديدة لا تقبل التأويل في هذه الانتخابات، وأقدر أن صبر هذا الشعب العظيم لن يطول، ولن يسمح للمنقلب ومن يقف معه بأن يتجاهل رسائله إلى ما لا نهاية.

لقد فقد قيس سعيد شرعيته ومشروعية خارطة طريقه، وفقد كل مبررات استمراره في منصبه: فشل في معالجة أزمة البلاد الاقتصادية، بل لقد فاقمها حتى أوصل البلاد نحو الإفلاس، وفشل في توفير احتياجات الشعب الأساسية، بل أوصلهم إلى المجاعة وفقدان الأدوية، وفشل في حل أزمة البلاد السياسية، بل عمل على تقسيمها وبث روح الكراهية بين الناس. لم يبق لقيس سعيد إلا الاستقالة أو الرحيل، والمكابرة منه أو ممن يدعمه فقط ستطيل عمر الأزمة، وستزيد من تعميق مشاكل البلاد وتزيد تكلفة الإنقاذ والإصلاح! لكن النتيجة لن تختلف، وهي انتهاء مشروع قيس سعيد الذي وقع الشعب شهادة نهايته.

لذلك، فإني لا أتصور أن هذا السيناريو قابل للنجاح ولا للوقوع، كما أني لا أقدر أن تونس قادرة على الانتظار كل هذه المدة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، التي تزيد اليوم تفاقما بأزمة صحية، في ظل غياب الأدوية وعودة الكورونا مع غياب المواد الأساسية.

س  ـ بعض الأطراف تحمل النهضة تحديدا مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلاد الاقتصادية، والسياسية.. ما هي المسؤولية التي تتحملونها في الوضع الراهن؟

  ـ تبادل التهم والتقاذف بها لا يقود إلى أي حل. النهضة تتحمل جزءا من المسؤولية كما يتحمل غيرها أجزاء أخرى، كل بقدر. نحن مسؤولون بقدر حجم المسؤولية التي أعطانا إياها الشعب التونسي، ومن الظلم أن يتم تحميلنا أكثر من ذلك.

لقد حكمت النهضة لمدة سنة ونصف وحققت خلالها نسبة نمو محترمة، وبعد ذلك صحيح أننا شاركنا في حكومة النداء عندما فاز بالمرتبة الأولى واحتكر الرئاسات الثلاث، وقد كانت مشاركتنا أدنى من أحزاب أدنى منا بكثير في الترتيب الانتخابي. وبعد انتخابات 2019 لم يمنحنا الشعب الأغلبية اللازمة التي تمكننا من تكوين حكومة؛ لذلك سقطت الحكومة التي عرضناها على البرلمان عند التصويت عليها، وحكم قيس سعيد منذ ذلك الحين.

لقد قامت الثورة سنة 2011 ونحن نشرف على سنة 2023 ولم تحكم النهضة خلال الاثنتي عشرة سنة هذه إلا لسنة ونصف، فكيف إذن تتحمل مسؤولية الوضعية الاقتصادية التي آلت إليها البلاد؟!

ومع ذلك، لو قبلنا ظلما بهذا الحكم، فإن الجواب عليه هو فسح المجال للشعب للحكم علينا في انتخابات حرة ونزيهة.

وحتى عندما نقارن بين العشر سنوات التي شاركت فيها النهضة بدرجات مختلفة في الحكم وبين السنة ونصف الماضية التي حكم فيها قيس سعيد، فالفرق جلي وواضح لكل مراقب نزيه: حافظنا على الدولة، عملنا على إصلاح الاقتصاد وتحديثه، عملنا على بناء دولة القانون والمؤسسات التي ينعم فيها كل المواطنين بحقوقهم، عملنا على التمييز الإيجابي للجهات المحرومة وتحسين بنيتها التحتية، عملنا على توفير الفرص للشباب، ومن ذلك قانون ٣٨ لتشغيل الشباب أصحاب الشهادات، وكنا نريد أن نعمل على قانون لتوزيع الأراضي على الشباب.

لكن في هذه العشرية، أحاطت بنا المؤامرات والتعطيل والإرهاب، وكل ذلك لتعطيل بناء تونس الديمقراطية المزدهرة حتى لا تصبح نموذجا. ثم بعد ذلك أتى قيس سعيد بشعبويته واستغل المصاعب التي تعاني منها البلاد، ثم استثمر أزمة الكورونا وضعف تعامل حكومة المشيشي مع هذه الأزمة، حكومة اختار رئيسها قيس سعيد، واختار وزير صحتها هو أيضا!! استغل هذا ليؤلب الناس على البرلمان وعلى النهضة وعلى كل الأحزاب. ونرى الآن أن شعبويته تقود الدولة نحو الانهيار، وتقود الاقتصاد نحو الإفلاس، وتقود الناس نحو التجويع، وتقود الشعب نحو التقسيم والفتن.

س ـ  ما هو الإطار الذي تراه النهضة مناسبا للخروج بالبلاد من أزمتها الراهنة؟

 ـ ليس هناك من حل إلا بالحوار الذي لا يستثني إلا من أقصى نفسه، وقد وضع البرلمان نفسه في جلسته الأخيرة في 30 آذار (مارس) 2022 على ذمة مخرجات هذا الحوار.

س ـ بعض المراقبين يقولون بأن مسار ما بعد ٢٥ تموز، أنهى فاعلية القوى السياسية التقليدية، ويعتقدون بأن ضعف نسبة المشاركة في الانتخابات، مردها إلى انعدام الثقة في الأحزاب والقوى السياسية بشكل عام.. هل فعلا الأمر كذلك؟

  ـ لو كان الأمر كما يقول هؤلاء، لكانت نسبة المشاركة في أقصاها لا في أدناها، فهذه انتخابات قامت على أساس إقصاء الأحزاب، ولو كان الشعب لا ثقة له في الأحزاب، لاستغل فرصة غيابها للتعبير عن رأيه.

ولذلك، فإن واقع المقاطعة الشعبية لهذه الانتخابات، يترجم على الأقل عن عدم الثقة في منظومة 25 تموز.

صحيح أن نسبة الثقة في الأحزاب تدنت، وهو ما يفسر ظاهرة المستقلين في الانتخابات البلدية مثلا، ولكن مع وجود هذه الظاهرة، فإن حجمها لم يتجاوز حجم الأحزاب. هذا بالنسبة للانتخابات البلدية وعكسه في الانتخابات التشريعية، إذ حافظت الأحزاب على تقدمها في اختيارات الناس، ولا يمكن البت في هذه الادعاءات إلا باختبارها في سياق انتخابي شفاف وديمقراطي وفي إطار قانون انتخابي، وجب إصلاح إخلاله.

س ـ بالنسبة للمتابعات القضائية التي طالت العديد من قيادات الحركة بما فيها أنت وعلي العريض ونورالدين البحيري وحمادي الجبالي وآخرون.. ما حقيقتها؟ وما هي رسالتها؟

 ـ كلما تعرض قيس سعيد لفشل وأزمة، وهي كثيرة، سعى للتعمية عليها باستهداف معارضيه وعلى رأسهم حركة النهضة وقياداتها.

واليوم، يقبع الأستاذ علي العريض في السجن، فقط لأنه قال للمنقلب؛ بأنه منقلب وأنه لا مجال للسكوت على جريمته.

لقد أثبتت كل هذه المتابعات القضائية براءة حركة النهضة من كل ما نسب لها من تهم باطلة ومن افتراء وزور.

نحن لا شك نثق في القضاء العادل، ولكننا لا نثق في قيس سعيد ولا في قضاء قيس سعيد، نحن نثق بأن القطاع الواسع من القضاة، أنهم مهنيون ولا يحيدون عما يمليه عليه ضميرهم وواجبهم، ولكن لا أحد يضمن قدرة البعض منهم على الصمود أمام الهرسلة والتهديد في المعاش وانتهاك الأعراض؛ لذلك نحن نقول: لا ثقة لنا في قضاء قيس سعيد.

وانظر كدليل على مصداق قولنا، أن حركة النهضة رفعت أكثر من ثلاثين قضية ضد الجرائم التي ارتكبت في حقها، كلها أحيلت على الرفوف وفي أعماق الأدراج، ولذلك وبما أننا نؤمن بالعدالة وبسلطة القانون، رفعنا قضايا لدى الهيئات الدولية الحقوقية والجزائية في جنيف وفي الولايات المتحدة ولدى المحكمة الأفريقية.

كلنا ثقة بأن قيس سعيد قوس قصير لن يطول في تاريخ البلاد، ولذلك فإن الذين يشاركونه في جرمه لا شك تنالهم سلطة القضاء العادل داخل تونس وخارجها  في الدنيا قبل الآخرة، ونحن ندعوهم كما ندعو كل مؤسسات الدولة إلى عدم التورط مع قيس سعيد في الانتهاكات والتجاوزات؛ لأنه راحل عاجلا، ليس آجلا بإذن الله، وسيبقون هم من يتحمل مسؤولية كل هذه المظالم.

س ـ بعد كل هذه التطورات السياسية والقضائية.. هل مازال مطلب استعادة ما قبل ٢٥ تموز ٢٠٢١ ممكنا؟

 ـ التاريخ لا يعود للوراء وأن تقع فيه ارتكاسات، وقيس سعيد يمثل ارتكاسة في تاريخ الشعب التونسي، وما كان لهذه الانتكاسة أن تقع لولا ضعف المرحلة التي سبقت وجعلته ممكنا، ولذلك فإننا لا نريد العودة لما قبل 25 تموز، بل نريد أن نأخذ الدرس منه من أجل تجاوز أخطائه وهناته؛ لبناء مستقبل أحسن يليق بهذا الشعب العظيم وهذا البلد العريق. نحتاج أن نتعلم ونستفيد من هذه المحنة، ونقترح أن يتناول الحوار الوطني الإصلاحات السياسية والدستورية التي تحتاجها البلاد، وكذلك الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار.

س ـ بالنسبة للموقف الإقليمي والدولي مما يجري في تونس.. كيف تنظر إليه؟

 ـ العالم يغرق اليوم في مشاكله وتناقضاته وحروبه، وتقع منطقتنا وبلدنا في قلب هذا الإعصار، ونحن لا نريد لبلدنا أن يكون ضحية لهذه التناقضات. وللأسف، فإن سعيد وضع تونس في قلب الإعصار، وسلبها بضعفه وسوء تدبيره إرادتها. نحن نثق بأن الديمقراطية في تونس هي في مصلحة دول الجوار في ليبيا والجزائر وفي الشمال، فالاستقرار الديمقراطي هو الذي سيمكن إخواننا في ليبيا من الخروج من الحرب الأهلية التي لا تعبر عن مصالحهم، بل عن صراع مصالح بعض القوى الدولية الطامعة في ثروات الشعب الليبي، وهو الذي سيمكن إخواننا في الجزائر من الاطمئنان لجيران لا يرون مستقبلهم على حساب إخوانهم وأشقائهم.

نحن عبرنا عن إدانتنا لما يتعرض له الشعب الأوكراني من حرب على حقه في تقرير مصيره وعلى ديمقراطيته، ولكن بعض دول العالم كأنها تقول للعرب والمسلمين؛ إن الديمقراطية لا تصلح لكم.

ونحن إذ آمنا بالديمقراطية، لم نؤمن بها لأن الآخرين يتخذونها سبيلا، بل إيمانا منا بأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها.

نحن نعلم أن بعض الدول المنتسبة للديمقراطية، ربما ترى في حق التونسيين في امتلاك إرادتهم تهديدا لمصالحهم، ونحن نقول لهم؛ إنهم بذلك يخطئون مرة ثانية كما أخطؤوا عندما دعموا المخلوع، حتى ما لبث الشعب التونسي أن ثار عليه، فالشعب التونسي لا شك ثائر على الظلم الذي يتعرض إليه، خاصة وهو يشاهد كل فجر يوم حجرا من صرح دولته ينهدم، ومعه يذهب الأمل في رزقه وقوته.

س ـ أين وصلت جهود الحركة لإنجاز مؤتمرها؟ ومتى يمكنك أن تسلم مقاليد قيادتها لزعيم آخر؟

 ـ صوت مجلس شورى الحركة على تاريخ مؤتمره على أن ينجز في سقف شهر حزيران (يونيو) المقبل إن شاء الله تعالى. وقد وضعت لجان المؤتمر رزنامة واضحة في اتجاه إنجاز هذا المؤتمر الذي سيكون فرصة للتجدد داخل الحركة، بما يؤهلها للقيام بدورها الذي يريده منها الشعب التونسي.

وسيكون لأبناء النهضة من خلال من يرشحونهم لعضوية المؤتمر فرصة لانتخاب قيادة جديدة، وسأكون سعيدا بتسليم قيادة الحركة لمن ينتخبه أبناؤها، كما يقتضيه نظامها الأساسي. وإني أرجو أن يمد الله في عمري وطاقتي، حتى أرى أجيالا من الشباب تتقدم لقيادة الحركة في مواقعها الأولى، وعلى رأسها، ونحن لسنا مثل الأمم التي وصفها القرآن: "كلما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا" بل حالنا إن شاء الله مثل قوله تعالى: "وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلْإِيمَٰنِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ".