مقابلات

باحثة في HRW لـ"عربي21": قيس سعيّد يُهدّد حقوق المرأة التونسية (شاهد)

.

قالت الباحثة التونسية في منظمة هيومن رايتس ووتش، كِنزة بن عزوز، إن الرئيس التونسي، قيس سعيّد، يُهدّد حقوق ومكتسبات المرأة في بلادها، مشيرة إلى أن سياسات وممارسات النظام الحاكم كانت لها تداعيات سلبية على الحقوق التي اكتسبتها المرأة عقب الإطاحة بزين العابدين بن علي، في ما عرف بـ"ثورة الياسمين".

 

وأضافت، في مقابلة مصورة مع "عربي21": "إنه منذ انتخاب قيس سعيّد رئيسا فإنه عارض موضوع المساواة في الميراث، وأوقف فعليا النقاش حول هذه القضية منذ تجميد البرلمان. وفي عهده لم نتمكن من اعتماد تشريعات جديدة من شأنها أن تضمن وتعزّز حقوق المرأة مثل توقيع اتفاقية إسطنبول الدولية لوقف العنف ضد المرأة والعنف الأسري ومكافحتهما".

 

وأشارت إلى أن "الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت في ظل رئاسة قيس سعيّد تزيد أيضا الأمور سوءا، خاصة في ما يتعلق بالعنف الأسري، ناهيك عن تنامي التوترات الاجتماعية. ثم إن الناس يكافحون من أجل العيش، ومن المرجح أن يزداد العنف المنزلي على خلفية تلك التطورات المؤسفة".

 

بينما لفتت بن عزوز إلى أن "حكومة قيس سعيّد لم تخلق الأزمة الاقتصادية في البلاد، لأن لها أبعادا وأسبابا مختلفة، وكانت قائمة بالفعل قبل وجود هذه الحكومة".

 

وطالبت الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش، السلطات التونسية بضرورة العمل على تطبيق القانون الشامل الذي وضعته في سنة 2017، والخاص بوقف العنف ضد النساء.

 

وفي 26 تموز/ يوليو 2017، أقر البرلمان التونسي قانون العنف ضد النساء، الذي يشمل العنف الأسري، وإثر صدوره، أُشيد بهذا التشريع، المعروف باسم القانون عدد 58، بوصفه "تاريخيا" و"خطوة مفصلية لحقوق المرأة" سبقت بها تونس الكثير من جاراتها في هذا المجال.

 

نسب العنف المنزلي

 

وبسؤالها عن ما إذا كانت نسب العنف الأسري قد زادت مؤخرا أم لا، أجابت بن عزوز بأنه "لم تُجر تونس أي دراسة استقصائية وطنية حول العنف ضد المرأة، خاصة العنف المنزلي منذ سنة 2008، لذلك فليست لدينا طريقة لمعرفة ما إذا كان العنف الأسري قد زاد بشكل حقيقي أم لا".

 

وزادت: "لكن ما نعرفه هو أن الإبلاغ عن العنف يتزايد، وهذا بفضل النشاط النسوي في تونس، بما في ذلك حركة (أنا زاده)، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، وكفاح عديد الجمعيات الأخرى بما في ذلك خارج تونس ومن سيدي بوزيد إلى جرجيس وصولا إلى مدينة الكاف".

 

واستطردت الحقوقية التونسية، قائلة: "ما نعرفه أيضا هو أن اعتماد القانون رقم 58 لسنة 2017 أثار نقاشا عاما أكبر حول ضرورة حماية المرأة من العنف الأسري. ومع ذلك، فإن ما نراه هو أنه رغم كل هذه النقاشات، ورغم كل الأحكام المتوفرة في نص القوانين التونسية، فإنها لا تتمتع المرأة حتى الآن بالحماية المطلوبة التي تحتاجها".

 

ولفتت بن عزوز إلى أن "وزارة المرأة قامت ببعض الاجتهادات والمساهمات على صعيد محاولة وقاية المرأة من العنف الأسري، ومساعدة النساء في تسجيل بعض وقائع العنف ضدهن، فضلا عن افتتاح مراكز الإيواء الطارئة، سواء داخل أو خارج العاصمة، وهي أماكن تُخصص للنساء اللاتي يحتجن إلى الفرار من منزل مسيء وليس لديهن مكان يذهبن إليه".

 

قوانين تمييزية

 

وأرجعت عدم تمتع المرأة التونسية بكل حقوقها وعدم وجود حماية لها، إلى "وجود العديد من القوانين التمييزية، والأعراف، والممارسات الاجتماعية التي لا تزال سارية حتى الآن، وكل هذه القوانين تعدّ إشكالية للغاية، لأنها تضع المرأة في موقف يجعلها معتمدة على الرجل، وأقل مكانة منه، وهذا يمكن أن يجعل النساء أكثر عرضة للعنف المنزلي".

 

وتابعت: "اعتمدت تونس مجموعة من أقوى الأطر القانونية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط لحماية المرأة ومحاربة أشكال العنف سواء كانت جسدية أو جنسية أو نفسية أو اقتصادية أو سياسية، وهي شاملة للغاية، حيث قدمت اقتراحات بشأن تدابير الوقاية وأوامر حماية تسمح للقضاة أو الشرطة بمنع الرجل الذي أساء إلى امرأة من الاقتراب منها لفترة قد تصل إلى 6 أشهر".

 

ورأت أن "هذه إجراءات هامة للغاية لحماية المرأة التونسية من العنف، لأن هذا يعني أنه ليس عليهن مغادرة منازلهن ليكنّ في أمان بينما يجب أن يتحمّل المسيئون مسؤولية الابتعاد عنهن".

 

واستدركت: "لكن ما نراه هو أن المواقف الرادعة بين الشرطة والقضاة، وأحيانا حتى الطاقم الطبي، تثني الكثيرات من النساء عن التقدم بشكوى، كما أنه لا يتم استخدام الآليات التي تم توفيرها للسلطات، وأحيانا لا تزال الشرطة تلجأ إلى (الالتزام)، وهي وعود أو تعهدات تطلب بموجبها الشرطة من المعتدي عدم الإساءة إلى الضحية مرة أخرى، ولكن لا يوجد ضمان بأن هذا الإجراء سيحمي النساء بالفعل من العنف".

 

تمويل غير كاف

 

علاوة على ذلك، فقد رأت بن عزوز أن "الدولة التونسية لم تخصص أموالا كافية للتأكد من إمكانية تنفيذ القانون. لذا، فإنه في الوقت الحالي، وعلى الرغم من أن وزارة الداخلية تأكدت من توفر 130 وحدة متخصصة في جميع أنحاء ولايات البلاد الأربع والعشرين لمكافحة العنف ضد المرأة، إلا أن الواقع هو أن هذه الوحدات تعمل ضمن قدرات محدودة؛ فليس لديهم سيارات كافية، ويعملون فقط من الساعة الثامنة إلى الخامسة ضمن ساعات إدارية تقريبا من الاثنين إلى الجمعة".

 

وأردفت: "بينما نحن نعلم أن معظم حالات العنف المنزلي تحدث في الليل أو في عطلات نهاية الأسبوع وليس لديهم عدد كافٍ من الموظفات أو الغرف المخصصة للمقابلات مع الناجيات، ونفس الشيء ينطبق على المحاكم، فإننا بحاجة إلى تخصيص المزيد من الوسائل لتنفيذ القانون".

 

وطالبت السلطات التونسية بأن تعمل على ضمان وجود ما يكفي من التمويل والإرادة السياسية لوضع قانون العنف ضد النساء موضع التنفيذ الكامل، من أجل القضاء الفعلي والحقيقي على التمييز ضد جميع النساء.

 

ونوّهت إلى أن "هذا القانون يتمتع بأحكام قوية للغاية، وهي بحاجة إلى التطبيق فقط. إنها ليست مسألة إعادة تعزيز لهذا القانون. بالطبع، يمكن إجراء بعض التعديلات، مضيفة أنه "على سبيل المثال، يمكن الإقرار بالاغتصاب الزوجي وتجريمه بشكل صريح للغاية، ولكن هذا ليس هو الحال حتى الآن".

 

يشار إلى أن قانون العنف ضد النساء تضمن عناصر أساسية لمنع العنف ضد النساء، وحماية الناجيات من العنف الأسري، ومحاكمة مرتكبي الانتهاكات، ونصّ على أحكام جنائية جديدة، وزاد العقوبات المفروضة على مختلف أشكال العنف عند ارتكابها داخل الأسرة.

 

وجرّم القانون ذاته التحرش الجنسي في الأماكن العامة، واستخدام الأطفال كعمال منازل، ويغرّم أصحاب العمل الذين يميزون عمدا ضد النساء في الأجور.

 

وأوضحت بن عزوز أن "العنف ضد المرأة يحدث في كل مكان في العالم، وهي قضية يجب أن تكون من مسؤولية الرجال. نحن لا نتحدث بشكل كافٍ عن الرجال. إنهم هم مَن يرتكبون هذه الجرائم، وليست النساء هن مَن يتحملن ذلك فقط. لذلك، فإننا نحتاج حقا إلى العمل على تغيير سلوك الرجال والأولاد منذ سن مبكرة جدا، لكن هذا يعود إلى مسؤولية الدولة".

 

وأكملت: "كما أن الأمر متروك لمنظمات المجتمع المدني للقيام بحملات توعية، ومحاولة تغيير عقلية الناس. يجب أن يكون هذا جزءا من دور الدولة في تثقيف السكان وضمان عدالة القوانين؛ فكيف يمكننا توقع عدم رؤية العنف داخل المحيط العائلي إذا كنا نرى تمييزا في الحياة العامة وفي تشريعات الدولة؟".

 

واختتمت بن عزوز حديثها بالقول: "من المهم جدا تغيير العقليات في سن مبكرة جدا، والتأكد من قيام العائلات بتربية أطفالها في بيئة سلمية عن طريق تدريس التواصل اللاعنفي. ومع ذلك، فإننا نضع هذه المسؤولية على عاتق النساء وليس على الآباء بشكل كافٍ".

 

وكِنزة بن عزوز حاصلة على "زمالة فينبيرغ" لعام 2022 في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، وتجري بحوثا حول العنف الأسري في تونس. وفي السابق، أجرت بحثا وعملت على مشاريع تنموية وإنسانية في: اليونان، ولبنان، وتركيا، وتونس، والولايات المتحدة، وغرب أفريقيا.

 

نالت كِنزة إجازة في العلوم السياسية والفلسفة من جامعة "ماك غيل" الكندية، ودبلوم دراسات عليا في الإنثروبولوجيا الاجتماعية في التنمية من "كلية الدراسات الشرقية والأفريقية" في لندن بمنحة مؤسسة آلان ونيستا فيرغوسون البريطانية، ولديها اهتمامات في العنصرية، والنسوية، وإنهاء الاستعمار.