كتب

انتفاضة الفلسطينيين عام 1987 ضد الاحتلال.. تحوّل شعب

كتاب يعرض لجذور الانتفاضة الفلسطينية ضد المحتل الصهيوني عام 1987 وتداعياتها فلسطينيا وإقليميا ودوليا

الكتاب: "انتفاضة عام 1987م... تحوّل شعب"
المساهمون في الكتاب: مجموعة من المؤلفين
تقديم وتحرير: روجر هيكوك، وعلاء جرادات
الناشر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، الطبعة الأولى، أيلول 2020م


عرف الربع الأخير من القرن العشرين، بزوغ نور جديد في مسيرة النضال الفلسطيني، تمثل في تفجر انتفاضة عام 1987م، التي مثلت مفاجأة للجميع، ولكنها لم تكن مع كل سماتها الاستثنائية، ظاهرة المرة الواحدة التي تصعد وتنحدر في فلسطين وحدها في أواخر القرن العشرين، فثمة سوابق عديدة محلية، وعلى امتداد الوطن العربي، شكلت كل واحدة منها مثالاً بالغ القيمة لمقاومة المحتل الأجنبي.

تأتي أهمية هذا الكتاب بوضعه تحليلا لطبيعة ومسببات ومجريات الانتفاضة، ونتائجها، والخيارات الفلسطينية المتاحة للمحافظة على شعلة النضال الفلسطيني الراهن واستمراره لحين دحر المحتل، وماهية الاستراتيجية التي كان يجب اتباعها مع تصاعد قوى اقليمية ودولية جديدة ذات نفوذ، أدت دورها في تقليص الانتفاضة الأولى على الأرض.
 
يناقش هذا الكتاب الذي يقع في 397 صفحة، انتفاضة عام 1987م، الحدث والذاكرة، وسيرورة النضال، كونها الحدث الأول من نوعه بعد احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967م، ليجيب على طرح أساسي ما معنى الانتفاضة، وعن تفردها، والدروس والعبر، التي يمكن للفصائل والسياسيين استخلاصها منها، خاصة وأنها أحدثت تحولات على الأرض، سواء من حيث العلاقة بين الداخل الفلسطيني والشتات، وميلاد حركات فلسطينية جديدة، ومنها تأسيس حركة حماس، ولكن استثمار نتائج هذه الانتفاضة جاء مبكراً، وتجسد في الدخول معترك المفاوضات والتسوية مع الاحتلال الذي استنزف حقاً هذه الانتفاضة.

تضم الدراسة ثمانية فصول، سبقها تمهيد، وشكر، تناول الفصل الأول السوابق والاندلاع من منظور تنامي الوعي الشعبي، وحالة التعبئة والتنظيم أشكال المقاومة، والحشود المشاركة فيها، بينما تناول الفصل الثاني البنية، وعوامل تشكل القيادة الموحدة والتنظيمات الاسلامية، وناقش الكاتب التصعيد في الفصل الثالث، ووضع نماذج للعائلات الكفاحية في الانتفاضة لتشكل شهاداتها، شهادة حية عن الدور الكفاحي لعائلة جرادات، وطرح الفصل الرابع ردات فعل الانتفاضة على مستوى فلسطينيي الداخل والخارج.


السوابق والاندلاع 

انطلق الكاتب ماهر الشريف من حقيقة وليست فرضية، أن للانتفاضة الشعبية خلفيات على صعيد الوعي، والتعبئة، والتنظيم، وأشكال المقاومة، فقد كان للانفجار مجموعة من البروفات بدأت عام 1967م، حيث ظهرت الانتفاضة كفعل جمعي تقوده حشود متشابكة من الشعب ككل" لم تكن انتفاضة عام 1987م، مقطوعة الجذور عما سبقها من نضالات خاضها الشعب الفلسطيني، بل كانت استمرارا للثورة الفلسطينية وتتويجاً لسلسلة أعمال المقاومة الشعبية التي لم نتقطع"(ص 15)، إلا أنه كانت هناك فجوة ملموسة بين القوى الوطنية، وتشكل المقاومة الشعبية" كانت القوى الوطنية تعاني من الضعف جراء تقييدات العمل السياسي، بينما لم تكن فصائل المقاومة المسلحة الناشئة مهتمة بممارسة النشاط السياسي وتشجيع المقاومة المسلحة" (ص16)، ويمكن القول إن الكاتب بإشارته للفصائل المسلحة الناشئة أراد الإشارة إلى حركة الجهاد الإسلامي و"حماس"!

الصمود الساكن، مصطلح رافق الانتفاضة الأولى، تمثل بتعهد الدول العربية تغطية منظمة التحرير الفلسطينية، بزيادة دعمها المالي عبر أنشطة أهلية فقط، في قطاعات مختلفة خلال الفترة 1979 ـ 1986م، كوسيلة لإلهاء الفلسطيني بمشاريع خدماتية أشغلته عن مقارعة الاحتلال، إلا أن هذا الصمود الساكن لم يكن يوفر شروط التحرر والارتهان للبنية الاستعمارية (ص17)، إذ لجأت إسرائيل إلى القوة القمعية لدفع الفلسطينيين كي يرضخوا لمشروعها الاستعماري، بعد أن فشلت في إرغامهم على هجر وطنهم، وربطهم اقتصادياً بها، واتخذت من الإبعاد سياسة لها، إلى جانب الاعتقالات بما فيها الاعتقال الإداري، الذي طال معظم العائلات الفلسطينية .

اعتبر الكاتب مشروع منظمة التحرير بعد طرح برنامج النقاط العشر عام 1974م، الأكثر شعبية في المناطق المحتلة، واستند في ذلك على حصول قوائم منظمة التحرير في الانتخابات البلدية عام 1976م على نسبة 75% من أصوات الناخبين، الذي مثل انتصارا للوعي السياسي الوطني على الوعي الاستعماري، وعلى الوعي الذي زرعته البنى التقليدية العشائرية، وفشل محاولات الاحتلال الرامية إلى ايجاد بدائل عن منظمة التحرير(ص23)، ولكن في اعتقادي إن الانتخابات البلدية مهما كانت نسبة المشاركين فيها لا تمثل انعكاس للواقع. 

بداية الانتفاضة.. كمسمى ظهر عام 1969م

كشف الكاتب النقاب عن أن اسم الانتفاضة أطلق أول مرة على الأحداث الثورية التي شهدتها المناطق الفلسطينية خلال فبراير عام 1969م، وأرخ لها باندلاع تظاهرات طلابية حاشدة في قطاع غزة احتجاجاً على صدور أحكام بسجن ثلاث فتيات، سقط خلالها عدد من الشهداء ومئات الجرحى في صفوف الطالبات، هذه الانتفاضة كانت بداية للانعطاف؛ كونها مثلت محطة بارزة في نضال سكان المناطق الفلسطينية المحتلة، فبفضلها استعادوا الثقة بأنفسهم وبقدرتهم على مواجهة الاحتلال(ص30)، وهنا حاول الكاتب في الفصل التركيز على الفعل النضالي للشيوعيين قبل وبعد انتفاضة عام 1987م.

وعن تشكل كتلة الحشود في الانتفاضة أوضح روجر هيكوك في قراءة الإرادة العامة أن الوصول إلى الكتلة الحاسمة وقع عام 1987م، وعن تلك الحشود يشير أنها" تصرفت ككيان مستقل ذاتياً يوجه نفسه بنفسه، من دون قائد، وجرى التنسيق في لحظات محددة، لكن الحشود لا التنظيم ولا الفرد بالأحرى، كانت هي السبب "، ووضع مثال على ذلك مسيرة فبراير 1987م، حين سارت عشرات النسوة وبعضهن يحملون أطفالهن على سواعدهن من البيرة إلى رام الله احتجاجاً على حصار التجويع الذي فرض خلال حرب المخيمات، فأظهر بذلك الروابط القوية بين الفلسطينيين داخل أرضهم المحتلة وخارجها (ص48)، وذكر هيكوك ان الفقراء كانوا فاعلين رئيسيين في الانتفاضة بمشاركة حشود من اللاجئين، وأنهم كانونا بلا قيادة وبلا هدف محدد والنساء تحدينا أزواجهن، مغادرات مطابخهن نحو أدوار كفاحية في الطرقات (ص50).

أما عماد الصوص، فطرح رؤيته حول "حماس" والمقاومة الشعبية أنماط التعبئة والسيادة الداخلية.

 

"لا يمكن أن يقال أن الانتفاضة بدأت بصفارة من قائد ما، في منطقة ما في الداخل أو الخارج، لا يمكن عزل جميع أشكال النضال التي عملت عليها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وأطراف الحركة الوطنية بأشكالها النضالية كافة سواء بالعمل العسكري أو العمل الجماهيري" (ص63)، فقد سبق ذلك كله شعور الناس بأن حياتهم مهددة بالخطر عندما لاحق أحد المستوطنين الطفلة انتصار العطار في مخيم دير البلح؛ بسبب القائها حصاة وليس حجراً على سيارة ذلك المستوطن، فلاحقها إلى مدرستها ودخل فصلها الدراسي وأطلق النار عليها فاستشهدت"

 



لا يمكن إنكار أن هناك علاقة متشابكة تخللتها إشكالية لما بات يعرف بالداخل الفلسطيني، الذي شعر بالتهميش من قيادة المنظمة في الخارج إلى حد ما لفترات طويلة، فجاءت الانتفاضة لتعطي زخماً كبيراً لدور الداخل، بالتالي عملت الانتفاضة على تعظيم دور الداخل على حساب دور الخارج الأمر الذي سبب ارباكاً للقيادة في الخارج، وهذا ما طرحه جمال زقوت (ص58).

النقطة الجوهرية والسبب الحقيقي في اندلاع الانتفاضة تمثل في نضج دور الحركة الوطنية على الصعيدين السياسي والتنظيمي، التي عملياً عبرت عن حالة التباعد التي وصلت إلى الذروة بين الشعب الفلسطيني بمختلف شرائحه ومكوناته، وبين الاحتلال.. "لا يمكن أن يقال أن الانتفاضة بدأت بصفارة من قائد ما، في منطقة ما في الداخل أو الخارج، لا يمكن عزل جميع أشكال النضال التي عملت عليها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وأطراف الحركة الوطنية بأشكالها النضالية كافة سواء بالعمل العسكري أو العمل الجماهيري" (ص63)، فقد سبق ذلك كله شعور الناس بأن حياتهم مهددة بالخطر عندما لاحق أحد المستوطنين الطفلة انتصار العطار في مخيم دير البلح؛ بسبب القائها حصاة وليس حجراً على سيارة ذلك المستوطن، فلاحقها إلى مدرستها ودخل فصلها الدراسي وأطلق النار عليها فاستشهدت" (ص46).

استند الكاتب لرأي ديفيد غزوسمان، الذي أوضح مدى المعاناة لدى الشعب الفلسطيني في كتابه (الزمن الأصغر) "لو كنا مكان الفلسطيني لكنا ثرنا في اليوم مئة مرة على الاحتلال الإسرائيلي"(ص65)، وفعلا بعد إصداره لكتابه بستة أشهر اندلعت الانتفاضة.

وحول غياب "حماس" والقوى الإسلامية عن القيادة الموحدة للانتفاضة، ولماذا بقيت التيارات الاسلامية خارج القوى الوطنية؟ يقول "لم تكن هناك قوى إسلامية باستثناء حركة الجهاد الاسلامي التي انخرطت في الانتفاضة منذ الدقيقة الأولى، التي تزعمها الشهيد فتحي الشقاقي، كانت تدعو إلى عمل عسكري مباشر، ثم المجمع الإسلامي، أما قيادة الإخوان المسلمين في قطاع غزة فاجتمعت ورأت أن هذا عمل نوعي مفصلي لا يمكن لحركة الإخوان المسلمين، أن تعزل نفسها عنه لأنها ستعزل نفسها عن مجمل الحركة الوطنية وقررت تأسيس حركة حماس" (ص68)، ولكنها لم تكن جزءا من القيادة الموحدة، وأرجع السبب في ذلك لموقفها الواضح والصريح في ميثاقها الذي تضمن ملاحظات على منظمة الحرير أساسا كونها علمانية، وبالتالي لا مجال للعمل معها، ومع ذلك أخذت حماس القرار بالانضمام إلى القيادة الموحدة لاعتبار وطني من جهة واعتبار تنظيمي من جهة أخرى (ص68).

إن المبادرات السياسية حولت الانتفاضة الوطنية الكبرى إلى انتفاضة مغدورة "الجميع ساهم في ذلك وليس فقط قيادة منظمة التحرير، بل كل من اعتقد بعد السلطة الوطنية الفلسطينية ان الحقوق تسترد على طاولة المفاوضات أو من خلال العمليات الاستشهادية" (ص72)

علاقة الداخل بالخارج في سياق الانتفاضة الفلسطينية 

عد غسان الخطيب في طرحه أن العلاقة بين قيادات الداخل والخارج مثيرة للاهتمام، وتحديداً في سياق عملية السلام التي اعقبت الانتفاضة، فالانتفاضة، التي تغنى الجميع بها، لم تكن وليدة اللحظة، ولم تكن عفوبة، يقول الكاتب "كانت العلاقة بين الداخل والخارج تكاملية إلى حد بعيد، فمن ناحية انتشلت الانتفاضة منظمة التحرير التي كانت تمر بأصعب أوقاتها، وتغرق في غياهب العزلة والتهميش".. (ص79)، وفي الوقت نفسه قدمت قيادة المنظمة الدعم السياسي، والدبلوماسي، والإعلامي والمالي الذي تحتاج إليه الانتفاضة، بالطبع التراجع الذي يقصده الكاتب هنا خروج المنظمة من المملكة الاردنية عام 1970م، وإعادة تمركزها في لبنان ثم اجبارها على الخروج من لبنان الى تونس عام 1982م.

لقد تميزت علاقة الداخل بالخارج في الانتفاضة بسمتين أساسيتين، الأولى ظاهرة للعيان ترحيب القيادة الفلسطينية السريع والصادق بتفجر الانتفاضة وانطلاقها، وبدا ذلك واضحاً في الإعلام، والخطاب السياسي لدعم الانتفاضة وإدامتها، أما السمة الثانية فتمثلت في بعض مظاهر القلق، والتوتر، وهذا ما تجلى في تأخير قيادة منظمة التحرير في تبني القيادة الموحدة، التي بدأت محاولات تشكلها من جانب قادة التنظيمات الرئيسية وناشطيها مع بداية الانتفاضة (ص87)، وأرجع الكاتب ذلك إلى عدم معرفة الخارج بكل الأشخاص والأطر القيادية التي أفرزت تلك الهيئة القيادية .

التصعيد:

شهد قطاع التعليم الفلسطيني خلال الانتفاضة الأولى، مرحلة وصفت بأنها من أصعب المراحل بلغت خلالها السياسات الإسرائيلية ذروتها، باستهدافها للتعليم، حيث كان طلبة المدارس والجامعات هم القادة الحقيقيون في الميدان، ولقمع وكبح الحراك الشعبي، اتخذ الحاكم العسكري الاسرائيلي قراراً بفرض عقوبة جماعية على الشعب الفلسطيني من خلال حرمانه من حقه في التعليم، إلا أن الشعب الفلسطيني لم يستلم ونظم ما عرف بالتعليم البديل أو التعليم الشعبي في المنازل والمساجد وحتى الكنائس، وتقول الكاتبة أمل زايد حول اتخاذ التعليم كاستراتيجية قمعية وتحررية في آن واحد" الأمر العسكري رقم 854 لسنة 1980م، وضع جميع الجامعات الفلسطينية تحت الإشراف المباشر للإدارة العسكرية، الأمر الذي قيد حرية العمل الأكاديمي الفلسطيني بشكل كبير" (ص138)، إلى جانب إغلاق جميع المدارس بموجب قرارات عسكرية مدة تسعة أشهر عام 1988م، وأعيد اغلاقها مجدداً مدة ثمانية أشهر عام 1989م، فضلاً عن الاغلاق الجزئي، بما أن أغلبية فعاليات الانتفاضة ونشاطاتها كان يضطلع بها طلبة ومعلمون من المدارس والجامعات فإن معظم هؤلاء قد اعتقلوا مرة واحدة على الاقل،  في حين تحول الذين لم يتعرضوا للاعتقال إلى مطاردين (ص141).

برزت خلال الانتفاضة الأولى تناقضات بدا واضحاً فيها أن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية كانت تشجع الحوارات مع إسرائيليين، في مقابل منحى أخر بدا يتكلل فلسطينياً ويدعو إلى التشدد في العلاقة مع الإسرائيليين واستدل الكاتب عمر سعد الدين بمثال على ذلك "حين أصدر المجلس الأعلى للتربية والثقافة والعلوم التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية توصية التأثير في قطاع الأكاديميين الإسرائيليين لتفعيل الضغوط على سلطات الاحتلال" (ص166).

 

 

عد الكاتب حركة "حماس" تنظيما مدنيا يأخذ بعين الاعتبار مبدأ التماسك والاستمرارية في ظل قمع سياسي استعماري استيطاني أي لديها القدرة على الانضباط الاستراتيجي بالنسبة إلى الاعضاء، وهذا ما تطلبه المقاومة الشعبية من دون الانزلاق نحو التشرذم والعسكرة".


حول التساؤل كيف استطاعت حركة "حماس" تطوير المقاومة الشعبية والحفاظ على تماسكها واستمراريتها، ركز الكاتب في طرحه على ان حماس كتنظيم مدني وشعبي، وليس فقط كحكومة وجهاز عسكري فيقول" لم تساعد مقاربة السلطة، والمقاربة المسلحة حماس على المضي قدما في مشروعها لتحرير فلسطين أو على رفع الحصار المفروض على غزة، لذا ارتأت التطور التكتيكي نحو مقاومة شعبية، وبدا يأخذ هذا التكتيك بعداً استراتيجيا منذ اعتراف الولايات المتحدة بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل عام2017م" (ص101)

عد الكاتب حركة "حماس" تنظيما مدنيا يأخذ بعين الاعتبار مبدأ التماسك والاستمرارية في ظل قمع سياسي استعماري استيطاني أي لديها القدرة على الانضباط الاستراتيجي بالنسبة إلى الاعضاء، وهذا ما تطلبه المقاومة الشعبية من دون الانزلاق نحو التشرذم والعسكرة" ( ص101)، وفي سياق أخر اعتبر الكاتب حماس أكثر منظمة عسكرية أو جمعية أهلية من حيث أنها كانت ترتكز في فترة من الفترات على العمل الأهلي بصورة شبه كاملة، وفي أحيان أخرى كان للعمل العسكري أولوية ضمن نشاطاتها، وذلك حسب السياق السياسي وما تتعرض له الحركة من قيود سياسة وما تحصل عليه من فرص (ص106).

يحكي الكاتب أن التحدي الذي يواجه مشروع المقاومة الشعبية في فلسطين، هو أن المقاومة هي فكرة غير متطورة على المستوى الوطني الفلسطيني، إذا ما أريد لها أن تكون استراتيجية طويلة الأمد، ذلك بأن الحركات الفلسطينية المعاصرة نالت شرعيتها تاريخياً من الجمهور الفلسطيني من خلال التركيز على الكفاح المسلح وأن ما يعوق الحركة الوطنية عدم تطويرها لخطاب شعبي يشكل تأطير مفاهيمياً لمفهوم المقاومة الشعبية كهدف طويل الأمد" (ص122).

ويمكن رصد عدة مميزات لهذه الدراسة أهمها:

ـ أبرز الانتفاضة بعد انطلاقتها الجدلية القائمة بين الداخل المتمرد والخارج المتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية المتمركزة في تونس، حيث كانت علاقة القوة قائمة ومستمرة طول فترة الانتفاضة كما أوضح غسان الخطيب.

ـ أما جدلية الداخل والخارج أو علاقة بنضال فلسطيني عام 1948م، فلا زالت قائمة، وتأخذ منحى متصاعد، فردات أفعالهم قوية وموجعة، وهم الذين قاموا بتوفير جملة من الامكانات المادية والفكرية والجسدية لدعم الانتفاضات.

ـ يمثل الكتاب نوعاً من الكونفدرالية لعقول فردية من الكتاب، لديهم هدف مشترك الابتعاد عن حالة السردية أو القصصية للانتفاضة.

ـ ما هو مشترك بين الفصول جدتها، وواقع كونها تشكل، بشكل منفصل، وكلها معاً، مصدراً أولياً حيوياً لمزيد من البحث والفهم الأعمق.

ـ هذا الكتاب أبعد كثيراً من حدود الروايات التاريخية التقليدية، محتضناً بين دفتيه رؤية الشخص الكلي، وحتى كامل الشعب الفلسطيني العابر للحدود في أداته المتسقة، وفيه يجد القراء أنفسهم وجهاً لوجه مع تفاعلات إنسانية فردية وجمعية تأخذ بعين الاعتبار المستويات المتنوعة.