تعيش العائلات
التونسية منذ أسابيع، على وقع فقدان لافت لعدد من المواد الأساسية على غرار الزيت
والسكر والأرز والطحين والدقيق، فيما تعزو السلطات السبب إلى ظاهرة الاحتكار بسبب
الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، أهم بلدين موردين للحبوب والزيوت.
وتداول نشطاء
مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لتدافع المواطنين في المساحات التجارية، وحتى
في الطرقات ومسارات التوزيع من أجل الحصول على حاجياتهم، فيما أغلقت بعض المخابز
أبوابها بسبب النقص في مادة الدقيق.
أسباب الارتفاع
وهذا الصدد، قال رئيس جمعية الدفاع عن المستهلك (مستقلة) عمار ضية في تصريح خاص لـ "عربي21"، إن "أسباب ارتفاع الأسعار السلع التموينية تعود لعدد من العوامل منها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي كان لها تأثير على السوق العالمية، حيث ارتفعت أسعار الطاقة والحبوب، وخاصة على اقتصاد البلدان الموردة على غرار تونس".
وأضاف ضية بأن "العامل الثاني فهو تراجع سعر صرف العملة التونسية أمام عملتي اليورو والدولار بما يزيد من تكلفة التوريد للمواد التي تحتاجها البلاد، أما العامل الثالث، فهو الانخرام الذي تشهده السوق التونسية خاصة في مسالك التوزيع وظاهرة الاحتكار للمواد الأساسية و حتى تهريبها لخارج الأراضي التونسية".
وأوضح لـ"عربي21": أمام ما تمر به تونس في الفترة الأخيرة، من أزمة اقتصادية ما اضطرها للاقتراض الخارجي، ما أفضى لصعوبات كبيرة جدا في توريد المواد، خاصة مع تصنيف تونس ضمن قائمة "سي" الائتمانية، التي تشترط الدفع المسبق قبل شراء و توريد الحاجيات من السوق الدولية.
وتابع: "رغم تطمينات السلطات الرسمية من وزارة التجارة التي مدتنا بمعطيات حول وضعية المخزون الوطني، وخاصة الاستعدادات لشهر رمضان، نلاحظ وجود شحا في المواد الاستهلاكية الأساسية".
وأكد رئيس جمعية الدفاع عن المستهلك أن الرقابة الاقتصادية، بصدد ضبط عدد من حالات الاحتكار والمضاربة على السلع حيث اكتشفت عددا من مخازن للمواد الاستهلاكية.
رفض توريد القمح
إلى ذلك، رفضت
السلطات التونسية عروضا لاقتناء 125 ألف طن من القمح الليّن، بسبب ارتفاع الأسعار،
بحسب ما نقلته وكالة "رويترز" عن تجار أوروبيين.
وقالت الوكالة إن
أسعار الحبوب قد ارتفعت إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات، متأثرة بتداعيات التدخّل
العسكري الروسي في أوكرانيا، حيث تصدّر الأخيرة 12 بالمئة من إجمالي صادرات القمح
في العالم و16 بالمئة من صادرات الذرة العالمية.
زيادة نسبة التضخم
وفي السياق
ذاته، أعلن المعهد الوطني للإحصاء الحكومي، السبت، أن نسبة التضخم في شهر كانون
الثاني/ يناير الماضي بلغت 6،7%، ليتواصل الارتفاع للشهر الرابع على التوالي.
وقال المعهد
الوطني للإحصاء، في بيان له، إنه سجل تسارعا في نسق ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة
7,6%.
وأوضح بيان
المعهد أن سبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، يعود بالأساس إلى ارتفاع أسعار البيض
بنسبة 24,2% وأسعار الدواجن بنسبة 21,5%
وأسعار زيت الزيتون بنسبة 21,7% وأسعار الغلال الطازجة بنسبة 17,9% وأسعار الأسماك
الطازجة بنسبة 9,2%.
تحذيرات الخبراء
وقال وزير
التجارة الأسبق والخبير الاقتصادي، محسن حسن، في تصريحات لوسائل إعلام محلية إنّ "تونس ليست في مأمن من
الناحية الغذائية لأنها تستورد 84 في المئة من حاجياتها من القمح اللين و40 في المئة من القمح الصلب
و50 في المئة من الشعير، دون أن تمتلك إستراتيجية تخزين".
وتابع الخبير الاقتصادي: "لا
يمكن إغفال حقيقة أن المالية العمومية تعيش أزمة خانقة انعكست على المؤسسات
العمومية المكلفة بالتوريد على غرار ديوان الزيت والحبوب وديوان التجارة وأيضا
الصيدلية المركزية".
واعتبر حسن أن
الوضع اليوم خطير ودرامي وارتفاع الأسعار لم نشهده منذ 15 سنة في غياب وعي الحكومة
ورئاسة الجمهورية، داعيا إلى ضرورة تجميع مختصين في الفلاحة والمنظمات الوطنية
لإيجاد الحلول لتوفير الغذاء والدواء وتوفير التمويلات الضرورية لتحقيق الأمن
الغذائي.
حرب سعيد
هذا وتعزو
السلطات التونسية الارتفاع في المواد الأساسية إلى ظاهرة الاحتكار والمضاربة، حيث
دعا الرئيس سعيد، إلى شن "حرب دون هوادة" على المحتكرين والمضاربين.
وقال سعيد:
"أريدها حربا دون هوادة ضد هؤلاء المحتكرين المجرمين في إطار القانون (..)
سيتم وضع مرسوم يتعلق بمسالك التجويع، حتى تتحول إلى مسالك توزيع".
واعتبر سعيّد أن
"هناك من يدبر ويسعى إلى ضرب المجتمع من الداخل"، قائلا: "هذه
طرقهم وهذا ما دأبوا عليه في السابق، ولكن سنتصدى بالقانون لكل هؤلاء المحتكرين
والمضاربين الذين لا تعنيهم حياة المواطنين"، دون تسمية أفراد أو جهات.
وتعاني تونس من ترد في الأوضاع الاقتصادية تفاقمت مع تفجّر أزمة سياسية عقب 25 تموز/ يوليو الماضي، حين فرضت إجراءات "استثنائية" أبرزها تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة رئيس الحكومة، وتعيين أخرى جديدة.