في
حسابات نظام
الأسد أن السيطرة على الجنوب لم تعد ممكنة، البنية الاجتماعية هناك في
درعا والسويداء لم تعد متقبلة له، وبنفس الوقت ليس بمقدوره الحفاظ على مستوى أمني
ثابت ودائم، وليس من مصلحته صرف موارده القليلة، بشرياً ومالياً، في صراع لن يحقق
فيه نتائج مهمة، لذا فإن الطريقة الأفضل هي استثمار هذا الوضع من خلال تحويل مناطق
الجنوب إلى مناطق لإنتاج
المخدرات وتصريفها. بهذه الطريقة يستفيد مالياً، ومن جهة
ثانية يحولها إلى مناطق شبكات عصابات مرتبطة به مصلحياً.
عندما
تؤكد الجهات الأردنية أنها قتلت 27 مهرب مخدرات في معركة واحدة، وتم جرح العشرات
الذين فروا للأراضي السورية، وأن المعركة حصلت على عدة جبهات في وقت واحد، والواضح
أن المهربين استغلوا العاصفة الثلجية التي ضربت المنطقة، فماذا يعني ذلك؟
هذا
يعني أن العملية منظمة إلى أبعد الحدود، ومن يقوم بها يتحرك بحرية وبراحة كبيرة
داخل الأراضي السورية، أي أنه يمتلك الأرض. وهذا مؤشر على أن من
يقف خلف العمليات
ليس فردا ولا حتى مجموعة أفراد. ثانياً، في العلم العسكري لا تتجاوز الخسائر في
المعارك 10 في المائة من المهاجمين، أي أن عدد المشاركين في العملية يفوق 250 شخصا،
وهذا الرقم يساوي عدد عناصر كتيبة في جيش النظام السوري، ما يعني أيضاً أن في
هياكل جيش الأسد ومليشياته باتت هناك وحدات مختصة بتهريب المخدرات، مهمتها تأمين
الطرقات داخل
سوريا وحماية الشحنات حين دخولها للأردن وتأمين غطاء ناري لعبورها.
يعني أيضاً أن في هياكل جيش الأسد ومليشياته باتت هناك وحدات مختصة بتهريب المخدرات، مهمتها تأمين الطرقات داخل سوريا وحماية الشحنات حين دخولها للأردن وتأمين غطاء ناري لعبورها
كما
أن هناك جهة ملمة بالمعطيات من نوع قدوم العاصفة، وربما تراقب دوريات الجيش
الأردني والطرقات التي تسلكها وساعات تبديل الحراسة، وربما أيضاً اختراق أجهزة الاتصال
على الحدود.. باختصار لا يستطيع القيام بجميع هذه المهمات سوى جيش منظم.
لماذا
على جبهات معينة؟ الجهات التي تشرف على
التهريب يقودها خبراء في الحسابات والممكن
والمعقول، بمعنى أنه إن لم يكن ممكناً تمرير أكثر من شحنة فليكن تمرير بعض الشحن أو
حتى شحنة واحدة. وقد يتم في هذه الحالة التضحية بشحنة أو أكثر لإلهاء الطرف
الأردني من أجل تمرير شحنة من جهة ثانية، وهذا يفسر لماذا لا يهتم المهربون
بالكميات الكبيرة التي يتم إلقاء القبض عليها، ذلك أن شحنة واحدة قد تعوض ما يتم
ضبطه. والسبب أن تكلفة إنتاج حبة الكبتاجون الواحدة لا تساوي 50 سنتا، فيما تباع
بأسواق الخليج بعشرة دولارات، لكن ذلك يؤكد أيضاً أن من يقوم بالعمل دولة أو
مجموعة كيانات إقليمية، لأن الأفراد لا يتحملون هذا الحجم من الخسائر.
من
الصعب جداً إنتاج حبة مخدرات واحدة في سوريا دون علم النظام بها، فالأمر يحتاج إلى
هياكل معملية وخبراء ومواد أولية، ووسائل نقل. والنظام السوري يدّعي أنه يلقي
القبض على بعض المتعاطين، الذين قد لا يكون في جيوبهم أكثر من حبة، فكيف لا يستطيع
كشف أكثر من مليار حبة تم ضبطها حتى الآن على حدود الدول المجاورة وفي موانئ الدول
الأبعد، عدا عن مليارات أخرى تابعت طريقها إلى أسواق الدول المستهدفة؟
هذا الهدف ينطوي على هدف آخر، له طابع انتقامي، يتمثل بتدمير الاستقرار في الدول العربية، وخاصة دول الخليج، وهو هدف يتشارك فيه نظام الأسد مع إيران وحزب الله، المتهمين بالتورط في تجارة المخدرات، وخاصة حزب الله الذي يملك خبرة كبيرة من خلال العمل في أمريكا اللاتينية
لم
يعد خافيا أن الهدف الأساسي من وراء هذه التجارة هو المال، حيث تشكّل تجارة
المخدرات البديل التعويضي لعائلة الأسد عن فقدان المورد النفطي الذي كان يذهب
القسم الأكبر منه إلى حسابات العائلة في بنوك سرية، كشفت عنها "وثائق
بنما". ومنذ خروج النفط عن سيطرة العائلة، باتت ترى أن لها الحق وعلى رؤوس
الأشهاد في تعويض هذه الخسائر، ما دامت كل العائلات الحاكمة في المنطقة لديها
مصادر دخل كبيرة دونما محاسبة أو مساءلة من احد.
لكن
هذا الهدف ينطوي على هدف آخر، له طابع انتقامي، يتمثل بتدمير الاستقرار في الدول
العربية، وخاصة دول الخليج، وهو هدف يتشارك فيه نظام الأسد مع إيران وحزب الله،
المتهمين بالتورط في تجارة المخدرات، وخاصة حزب الله الذي يملك خبرة كبيرة من خلال
العمل في أمريكا اللاتينية، وتحديداً في منطقة الحدود الثلاثية الواقعة بين مدينة
فوز دو إيغواسو البرازيلية ومدينة سيوداد ديل إستي في باراغواي ومدينة بويرتو
إجوازو الأرجنتينية، والتي تشبه إلى حد كبير الحدود الثلاثية بين سوريا والأردن
والعراق! هذه الحرب ضد دول الخليج هي نمط من الحروب التي يربح فيها الطرف الآخر
الأموال ويدمّر خصمه دون إطلاق طلقة واحدة.
هل بات لزاما تشكيل جيش عربي لمحاربة المخدرات في سوريا، واجتثاث بنيتها التحتية من المزارع والمعامل وقطع سلاسل التوريد؟ قد يكون هذا الأمر صعباً في الظروف الحالية، لكن الغريب أن ثمة من لا يزال يدافع عن النظام ويسعى إلى تأهيله وإعادته للجامعة العربية، والأغرب أن تجد شرائح مثقفة تدافع عنه
ماذا
بوسع الأردن أن يفعل؟ تغيير قواعد الاشتباك وملاحقة العصابات إلى سوريا أو ضربها
بعمليات استباقية، وهذا يعني أن يخصص الأردن موارد كبيرة من جيشه وأجهزة مخابراته
وأن يبقى بحالة استنفار دائمة. في بداية الثورة عندما طلب الأردنيون من النظام ضبط
الحدود في درعا، كان رد النظام أن درعا مشكلة الأردن وليست مشكلته. ويبدو أنه لا
يزال يصر على هذه الإفادة، لكن بطريقة مختلفة، وهي تحويل درعا إلى مشكلة تقض مضجع
الأردن وتجعله يسهر الليل الطويل، كما كان يردد رئيس مجلس النواب الأردني الأسبق سعد
هايل السرور.
هل
بات لزاما تشكيل جيش عربي لمحاربة المخدرات في سوريا، واجتثاث بنيتها التحتية من
المزارع والمعامل وقطع سلاسل التوريد؟ قد يكون هذا الأمر صعباً في الظروف الحالية،
لكن الغريب أن ثمة من لا يزال يدافع عن النظام ويسعى إلى تأهيله وإعادته للجامعة
العربية، والأغرب أن تجد شرائح مثقفة تدافع عنه، فيتحول المثقفون إلى مدافعين عن
ترويج وتعاطي المخدرات؟ وهل يملك النظام السوري برنامجاً آخر غير قتله للشعب
السوري وتشريده وتغيير ديمغرافية البلاد؟
twitter.com/ghazidahman1