سياسة تركية

ما تأثير اضطرابات كازاخستان على أنقرة و"العالم التركي"؟

أردوغان قال إنهم مستعدون لمشاركة كازاخستان كل أشكال المعرفة والخبرات التقنية إذا لزم الأمر- الأناضول

تشكل الاضطرابات الجارية في كازاخستان أهمية كبيرة لجبهة أنقرة، لا سيما أنها جاءت بالتزامن مع الحراك التركي في منطقة آسيا الوسطى وتعميق العلاقات بين الدول الناطقة باللغة التركية عبر "منظمة الدول التركية".

 

وأصبح ما يجري في كازاخستان حديث الصحافة والمحللين الأتراك، الذين اتهموا منظمة "غولن" بالوقوف خلف الأحداث، وفي ذات الوقت فإنهم أبدوا خشيتهم من إعادة التموضع الروسي في الدولة السابقة في الاتحاد السوفييتي.

 

اجتماع مرتقب لمنظمة الدول التركية

 

والخميس الماضي، بحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع زعماء الدول الأعضاء في منظمة الدول التركية، التطورات الجارية في كازاخستان.

 

وأعلن أردوغان لنظيره الكازاخي قاسم غومرت توكاييف، عن متابعة أنقرة للتطورات الجارية في كازاخستان، وتضامن بلاده، مؤكدا دعم منظمة الدول التركية في بيانها لكازاخستان.

 

وأشار أردوغان إلى أن بلاده مستعدة لمشاركة كازاخستان كل أشكال معرفتها وخبرتها التقنية إذا لزم الأمر.


وتأسست المنظمة (المجلس التركي سابقا) في 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2009، وتهدف إلى تطوير التعاون بين الدول الناطقة بالتركية في العديد من المجالات بينها التعليم والتجارة.

 

اقرأ أيضا: تدخل روسي سريع بكازاخستان.. ومعارض يدعو الغرب للتحرك
 

ومن المقرر أن يعقد وزراء خارجية منظمة الدول التركية في 11 كانون الثاني/ أكتوبر الجاري، اجتماعا طارئا، لبحث التطورات في كازاخستان.

 

تأثيرات خارجية.. ومنظمة الدول التركية في اختبار صعب

 

خبير الإرهاب والأمن جوشكن باشبوغ، في حوار مع صحيفة "صباح" التركية أكد أن الاحتجاجات التي بدأت في 2 كانون الثاني/ يناير الجاري جاءت بتأثيرات خارجية، ولم يستعبد دورا روسيا وأمريكيا مباشرا وغير مباشر.

 

وأكد أن منظمة الدول التركية تمر الآن باختبار صعب للغاية، مشيرا إلى أن النجاح الذي سيتم تحقيقه في هذا الاختبار قد يفتح أو يغلق الباب أمام العالم التركي في المستقبل.

 

وتحتل كازاخستان المرتبة التاسعة في العالم من حيث المساحة، وهي دولة غنية بالمنتجات الجوفية مثل النفط والغاز الطبيعي، ويبلغ عدد سكانها 18 مليونا و600 ألف نسمة، ما يقارب الـ75 بالمئة هم من الأتراك الكازاخيين، والبقية من الأقليات الروسية التي تعيش بشكل عام في الجزء الشمالي من البلاد.

 

وقال الخبير الأمني، إن ترك مثل هذه الأقليات في دول الاتحاد السوفييتي سابقا، هو أكبر استراتيجية روسية في المنطقة للحفاظ على النفوذ هناك.

 

ورأى أن روسيا تقف خلف الأحداث بشكل مباشر، والولايات المتحدة بشكل غير مباشر، لافتا إلى الإنزعاج الغربي من الدور التركي في منطقة القوقاز وتشكيل الاتحاد التركي الذي بدأ من كازاخستان، متهما منظمة "غولن" بالوقوف خلف تأجيج الاحتجاجات بسبب ما أسماه "الربيع التركي" هناك.

 

وأضاف أنه إذا بقي "العالم التركي" صامتا أمام الحراك الروسي في كازاخستان، فإن منظمة الدول التركية ستواجه صعوبات قد تؤدي بالنهاية إلى تفككها، فيما لم يستبعد تمدد تلك الاضطرابات إلى باقي الدول الناطقة باللغة التركية في مراحل مقبلة.

 

وشدد على ضرورة تدخل منظمة الدول التركية بشكل مباشر بما يجري وتقديم كافة أنواع الدعم لكازاخستان الدولة التي تعتبر رمز الوحدة التركية.

 

وأكد أنه في الاجتماع المقبل يجب أن تتساءل دول المنظمة: لماذا طلبت كازاخستان من منظمة معاهدة الأمن الجماعي المساعدة وليس من منظمة الدول التركية؟

 

كازاخستان جزيرة الاستقرار.. ونشر القوات الروسية أعاد إحياء نفوذ موسكو

 

الكاتب التركي برهان الدين دوران، أشار إلى أنه رغم سحب ارتفاع الأسعار واستقالة الحكومة، فقد تحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف في ألماتي في 4 كانون الثاني/ يناير، وقام المتظاهرون بهدم تمثال مؤسس البلاد نور سلطان نزارباييف في مدينة تالديكورغان، ما أعاد للأذهان مشهد الثورات البرتقالية والثورات العربية.

 

اقرأ أيضا: لماذا تعمل كازاخستان على تعزيز التقارب الاستراتيجي مع تركيا؟
 

وأشار إلى أن البعض يرى أن ما يجري في كازاخستان التي تعتبر جزيرة الاستقرار في المنطقة قد يكون ناجما عن "تأثير الدومينو" في البلدان المحيطة، تركمانستان وأوزبكستان وقيرغيزستان، وسط تساؤلات حول علاقات روسيا والولايات المتحدة بما يجري.

 

وأضاف أنه في عهد نزارباييف وتوكاييف، فقد برزت كازاخستان في المقدمة بسياستها الخارجية متعددة الأبعاد التي توازن بين روسيا والولايات المتحدة والصين، وأصبح مثيرا للقلق تطور هذه السياسة التي بدأت لا تهمل العالم التركي وتركيا مع الأحداث الأخيرة.

 

وأوضح أن نشر القوات الروسية في كازاخستان أعاد إحياء مسألة نفوذ موسكو في هذا البلد، وأصبح من الواضح أن الرئيس الروسي بوتين لا يعتبر في الواقع كازاخستان دولة، وبرزت مسألة أن 20 بالمئة من سكان البلاد هم من الروس، كما أن القوميين الروس يريدون ضم جزء من كازاخستان إلى روسيا.

 

ونوه الكاتب دوران إلى ربط صحيفة "لوموند" الفرنسية الاحتجاجات بالتقارب الكازاخي مع تركيا.

 

وأشار إلى أننا أمام حقبة جديدة من عدم الاستقرار في مناطق تتراوح بين آسيا الوسطى وأفغانستان والقوقاز، وفي هذه الفترة يمكن لتركيا أن تلعب دورا في تحقيق الاستقرار، ولا ينبغي اعتبار هذا الدور بما في ذلك تعزيز منظمة الدول التركية يتعارض مع المصالح القصيرة والمتوسطة الأجل لدول مثل روسيا  والصين.

 

ما المطلوب من منظمة الدول التركية؟

 

الكاتب التركي يوسف كابلان في تقرير على صحيفة "يني شفق"، رأى أن روسيا تلعب "لعبة قذرة" في آسيا الوسطى ضد المساعي التركية لتوحيد العالم التركي.

 

وشدد على أن يكون هناك دور لمنظمة الدول التركية، بمد يد العون لكازاخستان التي كان عليها أن تطلب من المنظمة التركية وليس من روسيا المساعدة، لكن يبدو أن الوضع ميدانيا غير مناسب لهذا على الإطلاق، لا سيما مع التدخل الروسي.

 

ولفت إلى أن الغرب وروسيا والصين غير مرتاحين من تنامي قوة تركيا، وظهورها كلاعب في المنطقة، وعليه فإنه يمكن القول إن ما يجري في كازاخستان هدفه تركيا.

 

اقرأ أيضا: رئيس كازاخستان يأمر الجيش بإطلاق النار على "المسلحين"
 

الكاتب التركي رحيم إر،  أشار في تقرير على صحيفة "تركيا"، إلى أنه بالنظر إلى الأحداث في كازاخستان، فإن الدول التي لها علاقة بهذه القضية هي روسيا والولايات المتحدة والصين وأوكرانيا وتركيا.

 

ونقل عن شخصيات كازاخية قولهم إن قادة الهجمات على المكاتب الحكومية والشرطة والمتاجر في الاضطرابات الأخيرة هم خريجو منظمة "غولن" التي تعمل هناك منذ سنوات عدة.

 

ورأى أن الاضطرابات في البلاد ودخول "غولن" وتنظيم الدولة على الخط هو في مصلحة روسيا والولايات المتحدة، ولا ينبغي إغفال أن هذه الاضطرابات حدثت بعد إعادة إنشاء المجلس التركي تحت اسم "منظمة الدول التركية".

 

وأوضح أن كازاخستان اتخذت خطوات هامة في إنشاء "منظمة الدول التركية"، وموسكو غير مرتاحة للتقارب الكبير بين أنقرة ونور سلطان، كما أن منظمة "غولن" في حالة تراجع بسبب هذا التقارب.

 

ولفت إلى المزاعم التي تقول إن موسكو تطالب الإدارة الكازاخية الاعتراف بـ"ضم" شبه جزيرة القرم، وأن تقبل اللغة الروسية كلغة رسمية ثانية في البلاد.

 

وأضاف أن الولايات المتحدة مرتاحة بسبب تحول تركيز روسيا من أوكرانيا إلى كازاخستان.

 

وتساءل الكاتب التركي: "أما كان ينبغي أن تطلب كازاخستان المساعدة من منظمة الدول التركية؟"، مضيفا أنه يجب تقديم الدعم بقيادة تركيا وحجة "المسافة" ليست مبررة، فإذا كانت الولايات المتحدة تحشد عشرات الآلاف من الجنود والدبابات والمدافع والطائرات في العراق والخليج عبر المحيط، فإن تركيا إلى جانب الدول الأعضاء الأخرى في المنظمة قادرة على فعل ذلك مع كازاخستان.

 

تركيا والدول التركية عليها اتباع سياسة حذرة ومتوازنة أمام الاضطرابات

 

الكاتب التركي باريش دوستار، في تقرير على صحيفة "جمهورييت"، أشار إلى ان الرئيس المؤسس للبلاد اتبع سياسة خارجية ناجحة وازنت بين التوازنات الإقليمية، روسيا والصين والولايات المتحدة، وكان أحد رواد تقوية العالم التركي، والتعاون الوثيق بين الدول التركية، وتشكيل "منظمة الدول التركية".

 

ولفت إلى أن كازاخستان في عام 2015 عندما أسقطت تركيا الطائرة الروسية، توسطت بين أنقرة وموسكو وكان لها دور نشط في إنشاء منصة أستانا، التي جمعت تركيا وروسيا وإيران معا في الصراع السوري.

 

وأضاف أن كازاخستان دولة عضو في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومنظمة اتفاقية الأمن الجماعي والتي تتمتع بنفوذ روسي، كما أنها عضو مؤسس في منظمة شانغهاي للتعاون، وقد حافظ نزارباييف على التوازن بين روسيا والصين.

 

وتابع بأن نزارباييف نقل العاصمة من ألماتي إلى أستانا، وفي عام 2019 غير الرئيس توكاييف الذي استلم منصبه من نزارياييف اسم العاصمة إلى نور سلطان.

 

ولفت إلى أن نزارباييف رغما عن روسيا، حول إلى الأبجدية اللاتينية بدلا من الأبجدية الكيريلية أو السيريلية، وكسر تأثير الروسين، وحسّن استخدام الكازاخستانية، واتبع سياسة كازاخية بحتة.

 

وأضاف أن عالم الأعمال التركي لديه استثمارات في قطاعات مثل الطاقة والبناء والغذاء والفندقة، كما أنه يعيش عدد كبير من المواطنين الأتراك في كازاخستان، وتقع جامعة أحمد ياساوي أيضا هناك.

 

ورأى أنه من الضروري اتباع تركيا والدول الناطقة بالتركية سياسة متوازنة وحذرة بلغة دبلوماسية حساسة، مع تجنب التصريحات التي من شأنها أن تؤدي إلى الاضطرابات، والتأكيد على استقلال كازاخستان وسلامة ووحدة أراضيها وسيادتها، مع تأكيد الحفاظ على السلطة المركزية في البلاد.