كتب

لماذا تأخر العرب في الانشغال بالتعليم وتقدم غيرهم؟ كتاب يجيب

أزمة التعليم في مصر والعالم العربي.. حقيقتها وسبل علاجها
الكتاب: "التعليم ومستقبل مصر.. رؤية واقعية وخطة عملية"
الكاتب: د. وجدي زيد
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب 2915


ما زال كتاب "التعليم ومستقبل مصر.. رؤية واقعية وخطة عملية"، الذي أصدره الباحث المصري الدكتور وجدي زيد في العام 2015، يحتل مكانة مهمة بين الكتب التي تناولت أزمة التعليم في بلداننا العربية عامة، ومصر منها على وجه الخصوص.. فما زالت مشاكل التعليم كما هي إن لم تكن ازدادت، ورغم ما يسوق له البعض من الحلول، إلا أنها لا تزال حلولا سطحية لا تناقش الجذور العميقة لهذه الأزمة، التي تعتبر سببا رئيسيا في تخلف العالم العربي والعالم الثالث عموما مقابل كونها سببا مهما في تقدم دول أخرى مثل كوريا وماليزيا أو حفاظ دول على تقدمها مثل ألمانيا واليابان وأمريكا وبريطانيا.

ورغم أن الكاتب قدم رؤية متكاملة لعلاج أزمة التعليم في بلداننا وإن كانت تحتاج تفاصيل أكثر أو إتباعها بمؤلفات أخرى لمزيد من الإيضاح، إلا أن أصحاب القرار للأسف الشديد لم يتعاطوا معها وربما مع رؤى أخرى لخبراء تربية وتعليم بفعل هيمنة الشاغل السياسي وما يتبعه على الشاغل الفكري والعلمي والتربوي.

ورغم ما قدمه الكاتب من تحليل للوضع الراهن للتعليم بشكل عام والمصري بشكل خاص إلا أنه كان ينقصه بعض العمق في الطرح، كما أنه تعامل بالنقد أكثر مما قدم حلولا، وإن كان النقد مطلوبا، إلا أن النقد في هذا المجال كثير ويبقى طرح الحلول هو الأهم، وهو ما حاول الكاتب تقديمه ولكن حلوله كانت تحتاج إلى عمق وتفاصيل.
 
النقطة الأخرى تتعلق ببنية الكتاب، حيث عرض الكاتب في المقدمة تفاصيل الكتاب في عدة صفحات، وهو ما تكرر لاحقا داخل فصول الكتاب، وهي ميزة إيجابية لجهة أنها تضع القارئ في صلب موضوع الكتاب من حهة، لكنها قد تكون سلبية وتدفع القارئ للاكتفاء بالمقدمة عن متابعة تفاصيل الكتاب الذي قرأ خلاصته في التمهيد.

أيضا خصص الكاتب فصلا كاملا لمقولات عن إيجابية التعلم والمعرفة كأقوال الحكماء والفلاسفة، لكن على الأقل من وجهة نظري أرى أن هذه المساحة ربما كان استغلالها في طرح مزيد من الحلول للمشاكل أفضل للقارئ، وكان يمكن توزيع هذه المقولات على الفصول.

مقدمة وستة فصول

جاء الكتاب في ستة فصول، الفصل الأول بعنوان "الحرب في التعليم"، والثاني بعنوان "أسرار نهضة التعليم وعلاقتها بالاقتصاد"، أما الفصل الثالث فحمل عنوان "الجوانب التكنولوجية في التعليم" والفصل الرابع عنوانه "مدارس تتعلم في مجتمع يتعلم" والفصل الخامس جاء تحت عنوان "خطة عملية" أما الفصل السابع والأخير فكان بعنوان "قالوا عن التعليم".

وقبل الدخول إلى فصول الكتاب، تناول الكاتب في مقدمة له هدف دراسته هذه، وهو تقديم رؤية محددة وخطة عملية، يمكن من خلالها إقامة نظام تعليمي متميز، لافتا إلآ معوقات التعليم في العالم العربي ومصر سواء غياب دور المؤسسات التعليمية، أو انقطاع الصلة بين المناهج التعليمية وسوق العمل، وغيره من عوامل أخرى. 

حرب التعليم

يتناول الفصل الأول من الكتاب ما أطلق عليه المؤلف "حرب التعليم"، وفيه عرض لأهمية التعليم والصراع بين الدول سلبا وإيجابا، سواء المنافسة الشديدة بينها أو بحرمان دول لدول أخرى من التعليم، خاصة الدول المستعمرة التي تريد السيطرة على شعوب الدولة التي تحتلها من خلال نشر الجهل بين أبنائها .

ويعرض الكاتب نماذج تاريخية لمدى أهمية التعليم منذ القدم، مشيرا في ذلك إلى ما جرى في أثينا بشأن هذا الأمر وكذلك ما فعله الإغريق في مصر أثناء احتلالها ونهبهم آلاف المكتبات منها.

أما في العصر الحديث فيتناول قدرة التعليم على استعادة الدول لدورها بعد هزيمتها في الحروب، كما حدث مع ألمانيا كمثال وقدرتها على العودة مرة أخرى كدولة قوية بعد الحرب العالمية الثانية، بفضل اهتمامها بالتعليم وهو ما حدث في دول أخرى .

وهنا يشير الكاتب إلى التقرير الأمريكي في عهد الرئيس دونالد ريغان والذى حمل عنوان "أمة في خطر" مدللا على مدى أهمية التعليم وخطورته بالنسبة للدول حتى المتقدمة منها، حيث حذر التقرير من تراجع أمريكا بسبب تراجع التعليم بها قياسا لدول أخرى مثل ألمانيا واليابان، لافتا إلى العبارة التي جاء بها التقرير في صفحة ٢٥ من الكتاب والتي تقول "لو أن قوة أجنبية معادية حاولت أن تفرض على أمريكا الآداء التعليمي الضعيف الموجود اليوم، لاتخذنا ذلك على أنه من أفعال الحرب" ليدلل بها على  مدى أهمية التعليم واهتمام الدول به.

وفي الجزء الأخير من الفصل يتناول أوضاع التعليم التي يعيشها العالم العربي والثالث بشكل عام، ومن بينها مصر والنظرة له، حيث ينظر له على أنه يأتي بعد الأمن والصحة ورغيف الخبز، على عكس العالم الأول الذي يجعل التعليم هدفه الأول وفي أعلى سلم أولوياته.

ويختتم بطرح سؤال حول تغافل هذه الحقائق المتعلقة بالتعليم في مصر والعالم العربي، مجيبا في الوقت ذاته إجابة مريرة، وهى ربما لمحاولة الحكام السيطرة على شعوبهم بنشر الجهل وتراجع الوعي، لافتا إلى أن الشعوب في النهاية هي التي تدفع الثمن .

التعليم والاقتصاد 

أما في الفصل الثاني الذي جاء تحت عنوان "أسرار نهضة التعليم وعلاقتها بالاقتصاد" فيفتتحه الكاتب بالإشارة إلى ما جرى أثناء الحرب العالمية الثانية، وحرص إنجلترا على استمرار استقرار العملية التعليمية وقرار مجلس التعليم البريطاني ونقل مقره من وسط لندن إلى قمة أحد الجبال، لاستمرار عمله وقرار وزير التعليم البريطاني وقتها بضرورة إعادة البناء التعليمي بعد الحرب قائلا: "هناك مؤسسات ودول أخرى منشغلة بذلك ويجب أن تكون أنجلترا هي القائد وليست التابع "حسب ما أورده الكاتب بالصفحة 33، لافتا إلى أن ما كان يشغل أنجلترا هو نفسه الذي كان يشغل كلا من أمريكا وألمانيا واليابان بل وبقية الدول المتقدمة في هذا التوقيت.

وفي فقرة أخرى ينتقل الكاتب إلى مدى الاهتمام بالتعليم الفني ودوره ومكانته في الدول المتقدمة التي تقيم له مجالات واسعة، في حين تتعامل معه الدول العربية بسطحية، مشيرا هنا إلى التجربة المصرية في هذا السياق، حيث تم إنشاء بعض المدارس الصناعية والتجارية بشكل عشوائي، خاصة في الفترة من عام 195 إلى عام 1965 وما جرى لاحقا، بإنشاء مدارس لنقل التجربة الألمانية ولكن لم تنجح في ذلك حتى الآن، عاقدا مقارنة بين هذه التجربة وتجربة ألمانيا واليابان موضحا الفرق الشاسع بينهما. 

ويعرج الكاتب خلال هذا الفصل على علاقة التعليم بالاقتصاد، متناولا بعض الصور والرسومات التوضيحية لمزيد من إيضاح الفكرة، حيث يؤكد على تلك العلاقة المتينة بينهما خاصة التعليم الفني، معتبرا أن أي زيادة في التعليم الفني وارتباطه بسوق العمل يؤثر بشكل مباشر في تنمية الاقتصاد، مشيرا إلى تجربة بعض الدول في هذا السياق مثل أنجلترا وألمانيا واليابان، حيث تصل العلاقة إلى نسبة 90% بين التعليم الفني والاقتصاد بهذه الدول، على عكس ما يوجد بمصر ودول العالم الثالث حيث لا تتجاوز النسبة 30%.

التعليم من أجل العمل أو من أجل الحياة؟

في الفصل الثالث الذي يحمل عنوان "الجوانب التكنولوجية في التعليم" يتناول الكاتب جدلية هدف التعليم وهي، هل التعليم من أجل الحياة فقط؟ أم من أجل العمل؟ مؤكدا أن التعليم يجب أن يكون من أجل العمل وبما لا يخل بهدفه من أجل الحياة، ولكن لا يتم اختزالها في هدف واحد وهو المفهوم الذي يظل التعامل معه في العالم العربي وفي مصر تحديدا، ففي العالم المتقدم فطنوا لهذه النقطة وأنه لابد من أن يكون التعليم مرتبطا بسوق العمل وإعداد مواطنين واعين واثقين ومساهمين في تطوير أنفسهم ومجتمعاتهم ويرتبط ذلك بالمناهج الدراسية بالطبع .

وفي صفحة 65 من الكتاب يشير الكاتب إلى تجربة أمريكا وأنجلترا في التعليم الابتدائي والإعدادي والتركيز على احتياجات هذه المرحلة العمرية للتلاميذ خلال هذه المراحل، ومراعاة مناهج التعليم في هذا الأمر، وما يدرس لهم والمشاركة الإيجابية من جانب التلاميذ وربط هؤلاء التلاميذ بنماذج تعليمية تجسد لهم نماذج المصانع والمؤسسات، بل ونقلهم إلى مؤسسات فعلية لممارسة ما تعلموه.
 
ويشير الكاتب إلى ما أثبتته التجارب في المدارس التكنولوجية بكل من فنلندا وألمانيا ونجاحها في الكشف المبكر عن مهارات التلاميذ في مراحل عمرية مبكرة، وهو ما يعد تأهيلا جيدا للتلاميذ إذا ما أرادوا الالتحاق بالكلية الجامعية المتخصصة في التكنولوجيا.

الإيمان بالتعليم

أما الفصل الرابع فيناقش عدة أمور من بينها العلاقة بين التعليم والحياة وهوما يصنع سلسلة من الأفراد المهرة ـ بحسب الكاتب ـ في كل مدرسة ومهنة وإبداع، وهو ما ينعكس على المجتمع بشكل عام ونجد الناس من جميع الأعمار يتبادلون المعرفة والمهارات المختلفة عن رغبة حقيقية. 

ويقول الكاتب هنا: "إن المجتمع الذي تتأسس ثقافته على التعليم هو مجتمع يعطي كل إمكانياته لمؤسساته التي تشكل تطور أبنائه وهذا هو المفهوم الذي تبنته في السنوات العشر الأخيرة الدول المتقدمة صناعيا بحسب الكاتب، وخاصة امريكا والصين وكوريا ،وهي الدول التي عالجت قصور تعليم أبنائها ومعالجته. 

ويطرح الكاتب خلال هذا الفصل عدة مفاهيم حاكمة لتجربة تعليمية متميزة، منها أن  المؤسسات القائمة على التعليم لابد أن يكون لديها إيمان بتعليم متميز، كذلك من بين المفاهيم هو أن التعليم ليس إلا علاقة اتصال وليس مجرد مادة دراسية كهدف ولابد للانتباه إلى التواصل الإيجابي مع الطلاب، خاتما هذه المفاهيم بأنه لابد من وجود رؤية عامة تقود عملية التعليم كلها .

خطة عملية
 
ويأتي الفصل الخامس تحت عنوان "خطة عملية" وهو ما يحاول أن يطرحه الكاتب خلال هذا الفصل  محاولة منه للنهوض بالتعليم بالعالم العربي وتحديدا مصر، حيث تتكون الخطة من ثلاثة مراحل، تشمل المرحلة الأولى التأسيس لنظام تعليمي جديد مرتبط باقتصاد الدولة وتستغرق عاما واحدا، وتشمل إنشاء مجلس أعلى للتعليم يرأسه رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء وتكون مهمته وضع استراتيجية عامة للتعليم خاصة التعليم التكنولوجي .

أما المرحلة الثانية من وجهة نظر الكاتب فتتمثل في تحقيق التنمية وتستغرق ثلاثة أعوام، أما المرحلة الثالثة فتتمثل في تحقيق التوازن بين التعليم والاقتصاد ولمدة أربعة أعوام، والمرحلة الرابعة تتضمن الدخول في المنافسة الدولية في مجال التعليم وتقدمه.

وينهي الفصل بالقول: "إن نجاح هذا المخطط يتطلب الفهم الكامل لأبعاد حركة الاقتصاد والتجارة العالمية وقدرة المتنافسة الجدية على اكتشاف مناطق القوة والضعف في المتنافسين، والقدرة أيضا على فهم واستيعاب المجتمعات والثقافات في الدول التي تنافسها" .

المعرفة علاج الخوف

ثم ينهي الكاتب كتابه بالفصل السادس بأقوال مأثورة عن التعليم والتعلم لحكماء وفلاسفة للحث علي التعليم والاهتمام به .

ومن بين هذه الأقوال: "الفرق بين المتعلم وغير المتعلم هو الفرق بين الحى والميت".. أرسطو. 
"المعرفة علاج الخوف".. رالف والدول ايمرسون 
"المعرفة هي أكثر مصادر القوة ديمقراطية".. الفن توفلر 
"جهل ناخب واحد في نظامنا الديمقراطي يهدد أمن الجميع".. جون كينيدي

كما تضمن الفصل الختامي مقولات أخرى تركز تبرز أهمية التعليم في نهضة الشعوب والأمم.. وهي مقولات يحتاجها العرب والمسلمون وشعوب العالم الثالث، ليس فقط لأنهم بشر ومن واجبهم إثراء العلم البشري الذي يسهم في كنه أسرار هذا الكون، بل ولأنهم يحتاجون العلم من أجل ضمان حياتهم، ومواجهة ما يعترضهم من صعب فيها، وعلى رأس ذلك الأمراض والأبئة والجوائح.. 

ولعله من اللافت للانتباه أو قل من الباعث على الحسرة أنه بينما الشعوب المتقدمة تتنافس هذه الأيام في البحث عن التلقيح المناسب لمواجهة جائحة كورونا، تستجدي دول العالم النامي الدول المتقدمة أن تتبرع لها ببعض التلقيحات لحماية شعوبها من تداعيات جائحة كورونا المستجدة.